محافظ الإسكندرية يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 ويدعو للمشاركة الإيجابية    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    سعر الريال السعودى مقابل الجنيه اليوم الإثنين 10-11-2025    جامعة كفر الشيخ تستقبل طلاب ريادة الأعمال الجدد وتكرم المتميزين    الدفاع المدني بغزة: نواجه كارثة حقيقية حال عدم إدخال مستلزمات الإيواء    محكمة بباريس تعلن أن ساركوزي سيُفرَج عنه تحت المراقبة القضائية    ترامب لفاراج عن أزمة BBC: هل هذه الطريقة التي تعاملون بها أفضل حلفائكم؟    إلغاء المئات من الرحلات الجوية في أمريكا في ظل الإغلاق الحكومي    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    أحمد الكاس يعلن تشكيل منتخب مصر أمام إنجلترا في كأس العالم للناشئين    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    تحديد موعد مباريات قبل نهائي دوري مرتبط السلة للرجال    توافد الناخبين بعد انتهاء ساعة الراحة فى لجان إمبابة    محافظ المنوفية يزور مصابى حريق مصنع السادات للاطمئنان على حالتهم الصحية    الداخلية تكشف حقيقة سكب سيدة مادة كاوية على أخرى فى الشرقية    بعد تصريحاته في الجزائر.. شاهد اعتذار ياسر جلال للمصريين: كنت غلطان    فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    3272 متقدما فى اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    اشتريت سيارة ووجدت بها عيبا فهل يجوز بيعها دون أن أُبين؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «درس أرنولد ومعانقة الذهب».. قصة ظهور زيزو الأول ضد الزمالك    فيلم «عائشة لا تستطيع الطيران» يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش    «السياحة»: المتحف المصري الكبير يستقبل 12 ألف زائر منذ صباح اليوم حتى الآن    بدور القاسمي تشهد إطلاق كتاب الشارقة: عاصمة الثقافة    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لسارقي الآثار بالشرقية    بتكلفة 2.37 مليار جنيه.. وزير التعليم العالي يتفقد مشروعات جامعة الأقصر    سفير مصر بالمغرب يحتفل بتكريم ليلى علوي في مهرجان الرباط الدولي    وزارة الصحة توفر الرعاية الطبية للناخبين أمام لجان الاقتراع فى الأقصر وأسوان    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    العرجاوي: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك الصينية خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين القاهرة وبكين    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    سعر الذهب اليوم فى مصر يسجل 5420 جنيها للجرام عيار 21    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    نفذوا جولات استفزازية.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    «الثروة الحيوانية»: انتشار الحمى القلاعية شائعة ولا داعٍ للقلق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكذوبة القاعدة فى سيناء.. شباب من قبيلة السواركة: تواجد القاعدة فى منطقتنا خيال علمى.. شيخ سلفى: إمارة سيناء الإسلامية.. مراهقة سياسية
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 08 - 2011

«هل تصدق أن تنظيم القاعدة موجود فى سيناء؟ وهل تصدق أن عناصر من جيش الإسلام تدربت داخل الحدود المصرية على عمليات عسكرية؟ هذا كلام فارغ».
بين التاسع والعشرين من يوليو الماضى والثانى من أغسطس الحالى، اشتعل شمال سيناء بعد قيام عناصر مسلحة بالهجوم على قسم ثانٍ العريش، ثم صدور بيان منسوب إلى تنظيم القاعدة يطالب فيه بتحويل سيناء إلى إمارة إسلامية، ثم بدأ سيل الأخبار المتواترة من مصادر أمنية يؤكد وجود عناصر متطرفة مسلحة فى الشيخ زويد ورفح، وتزامنت معه مزاعم إسرائيلية عن إخفاق كلى لمصر فى السيطرة على ما يحدث فى هذه البقعة.
الأحداثُ تطورت بإيقاع شديد السرعة، حتى جاءت لحظة حاسمة أعلنت فيها القوات الأمنية عن خطة لاجتثاث جذور هذه العناصر، تم شرح تفاصيلها عبر وسائل الإعلام وعرفت باسم «العملية نسر»، هذا ما قرأناه وسمعناه، لكنّ نحِّه جانبًا لدقائق معدودة، ودع عنك كل هذا الحديث.. ففى السطور التالية تكتشف وضعًا مغايرًا يرويه شيوخ وشباب من أهالى العريش والشيخ زويد ورفح، لن تسمع عن نسرٍ أو صقرٍ أو حتى فرخةٍ، ولن تبصر عيناك «قاعدة» أو «قائمة».. روايات أبطالها محددون يقومون بأدوار مختلفة تفضى إلى نتيجة واحدة، ليست «سحق القاعدة» أو «تطهير شمال سيناء من العناصر المتطرفة» نتيجة ستستخرجها بنفسك بين ثنايا هذه الروايات.
عقبة أولى
بعد أن وصف الحديث عن تواجد القاعدة وجيش الإسلام بأنه «كلام فارغ» وجّه مصطفى حديثه إلىّ قائلاً: «شكلك مش مصدق، أنت صحفى، أكيد هاتبقى تبعهم».
مصطفى شاب من قبيلة السواركة، رفض هو وغيره كتابة أسمائهم بالكامل، مؤكدين أن الخوف من الاعتقال مازال عالقًا فى أذهان كثيرين من أهالى سيناء، وأن الهاجس الأمنى لن يسكت ألسنتهم عن قول الحق لكنه سيمنعهم من كشف أسمائهم خوفًا من عودة عهد المعتقلات مرة أخرى، أمّا «أنت صحفى، أكيد هاتبقى تبعهم» فلم أفهمها حينها.
فى الطريق بين العريش والشيخ زويد، ظهرت لافتة مكتوب عليها «السكاسكة»، وهى، على حد قول مصدر أمنى مصرى، «وكر لتدريب عناصر القاعدة منذ بداية يوليو الماضى»، توجهت إليها فى محاولة لاستكشاف هذا «الوكر» برفقة شباب من قبيلة السواركة علَت وجوههم ابتسامة ساخرة حين أبلغتهم ما نقلته وسائل الإعلام عن هذا المصدر الأمنى «الرفيع»، مشيرين فى تهكم إلى أن «القاعدة تتواجد داخل دورات المياه وليس فى السكاسكة».
«تواجد القاعدة فى منطقتنا خيال علمى، فالمساحة، كما تراها، محدودة، ولا يوجد مكان يسمح بتدريب أحد حتى على لعب كرة القدم»، ردٌّ جاء من لسانٍ «سكاسكى» حول تواجد العناصر المتطرفة فى قريتهم أو فى «الجيوب الأمنية» المجاورة لها، أضيفت إليه كلمات أخرى من عينة «غير صحيح على الإطلاق، كذبٌ وافتراء» على ألسنة أهالى المنطقة.
فى الشيخ زويد بدأت ملامح أبطال القصة تظهر فى حديثٍ داخل مسجد المجاهدين، يقول «محمود» من «قبيلة السواركة»: إن «مسلسل القاعدة والعناصر المتطرفة لم يُحبك جيدًا لأسباب مختلفة، فى مقدمتها الأعداد الكبيرة التى ذكرتها وسائل إعلام مصرية نقلاً عن مصادر أمنية، لأن دخول مئات العناصر المتطرفة من جيش الإسلام إلى سيناء وقيامها بالتدرب فى مناطق مختلفة أمر غير مصدق، ولا ينشُر أحد خبرًا مثل هذا إلا وهو جاهل بطبيعة هذا المكان وخصائص أهله.. فبدو سيناء يعلمون بطبيعة تركيبتهم كل شاردة وواردة فى حيّزهم السكنى، وتفحص ذاكرتهم كل وجه يرونه للتعرف إليه وإلى قبيلته التى ينتمى إليها، وإذا ارتابوا فى أحد استوقفوه».
يضيف: «فضلاً على ذلك حين تتحدث عن تدريب مسلح فبديهى أنك ستسمع أصوات إطلاق نار متتالية من موضع هذا التدريب، ووقتها سيذهب المجاورون لهذه المكان لفحص الأمر، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، ولم يسمع أحد من أهالى الشيخ زويد ورفح عن مكان تتدرب فيه عناصر فلسطينية أو مصرية على إطلاق النار».
يتحدث شيخ سلفى متهم «عبر وسائل الإعلام» بأنه أحد رموز «السلفية الجهادية» فى شمال سيناء، طالبًا عدم نشر اسمه قائلاً: «نعم، هناك بيان منسوب لتنظيم القاعدة لا يستطيع أحد نكرانه، لكن أين هى؟ ومن هم عناصرها؟ تاريخ القاعدة ومنهجها يتنافى مع ما حدث فى سيناء؛ لأنها عادة لا تصدر بيانات تشير إلى تواجدها فى منطقة بعينها مثلما حدث فى هذا البيان الساذج، لكنها تنتشر فى الظلام، ثم تقوم ببعض العمليات، وعقب ذلك تعلن مسؤوليتها عنها، كما أن القاعدة فى مصر تُحرض دون أن تتواجد، أمّا ما يشاع عن قيام سلفيين مسلحين بفض الخلافات بالقوة فهذا غير صحيح، ومن أدلى بتلك التصريحات خدع نفسه وأساء للسلفيين، كما أن صحفيى سيناء لا يراعون الله عادة فيما يكتبونه».
الروايتان السابقتان تنفيان وجود قاعدة أو عناصر سلفية مسلحة، وإذا كان الأمر كذلك فمن حاول تفجير ضريح الشيخ زويد؟ ومن قام بتفجير أنابيب خطوط الغاز؟ ومن أطلق النار على قسم شرطة العريش وحاول اقتحامه؟ هنا بدأت إجابات الرواة تتلاقى فى نقاط محددة أجمع عليها كل من سألناه، وتختلف فى نقاط أخرى قليلة.
فى البداية يفصلُ أهالى الشيخ زويد ورفح وبدو العريش بين تلك القضايا الثلاث فمقتحمو قسم الشرطة ومن حاول تفجير الضريح عندهم فى كفة، فى حين يقف مفجرو خطوط الغاز فى كفة أخرى، يقول «مصطفى» من قبيلة السواركة: «من حاول اقتحام قسم الشرطة ومن حاول تفجير ضريح الشيخ زويد هو مُخرب بلا شك، وهذا عمل نرفضه جميعا، لكن مفجرى خطوط الغاز لا يمكن أن نضعهم مع هؤلاء فى خانة واحدة، لأن أهالى سيناء جميعًا يرفضون تصدير الغاز لإسرائيل ويطالبون إما بإيقاف التصدير نهائيّا أو بيعه بالأسعار العالمية وتخصيص قدر من عوائده لتنمية سيناء التى تجاهلها النظام السابق».
طرفان أساسيان شاركا على حد قول كل المصادر السابقة فى محاولة اقتحام القسم، هما: أرباب السوابق والخارجون على القانون أولاً، ثم أهالى الشهداء الذين قتلتهم الداخلية، ليس فقط فى ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ ولكن طوال السنين السابقة.
طرف ثالث
«أمام قسم ثانٍ العريش فكان هناك شبيحة خارجون على القانون، وهم منتشرون فى كل محافظات مصر عقب الانفلات الأمنى الذى حدث أثناء الثورة، إضافة إلى الأهالى الذين تشتعل قلوبهم كراهية تجاه الداخلية» إجابة رددتها مصادر متواترة، بعضها شارك فى اقتحام قسم الشرطة.
أمّا الاختلاف فيظهر فى الطرف الثالث الذى تواجد معهما.. فمثلاً يقول الشيخ السلفى السابق ذكره: «إن أصابع الموساد الإسرائيلى تعبث فى سيناء منذ فترة غير قليلة، وهم المسؤولون عن تطور الأحداث بهذا الشكل إذ قامت عناصر تابعة لهم بإطلاق النار فى البداية ثم تأزم الموقف». مضيفًا: «الإخوة (يقصد السلفيين) لم يكونوا مسلحين على الإطلاق فى ذلك اليوم، لقد سرنا فى مظاهرة لدعم المجلس العسكرى ضد الحركات التى تتلقى تمويلاً من الخارج».
أمّا الناشط السياسى نعيم البطين فيقول إن هناك مؤشرات تفيد بتورط إسلاميين فى هذه الأعمال بصورة مباشرة. مدللاً على ذلك بقيامهم باستعراض هائل للقوة أثناء فض منازعة بين عائلتين يوم 27 يوليو قبل اقتحام القسم بيومين، مضيفًا: «نفى العناصر الإسلامية تورطها فى أعمال الشغب غير مقبول، ففى بداية المظاهرة قامت عناصر منهم بمحاولة هدم تمثال الرئيس السادات، ثم قامت عناصر أخرى مسلحة بالمشاركة فى محاولة تدمير هذا القسم».
ويتضامن معه شاب آخر من قبيلة السواركة كان ممن أطلقوا النار على القسم بعد ساعات من بدء المعركة قائلاً: «عناصر إسلامية ملثمة نعرف بعضها كانوا يقودون عملية الاقتحام، وشارك كثير من الأهالى معهم من باب التعاطف أو كراهية الداخلية ومحاولة الثأر من جرائمها السابقة».
لكن السؤال يعيد طرح نفسه مجددًا، إذا لم تكن هناك قاعدة أو جيش إسلام أو سلفية جهادية فمن يا ترى يقف خلف تلك الجماعات؟ ومن قادتها؟ وما أفكارهم التى يريدون نشرها فى سيناء؟
تحت شجرة وارفة الظلال، فى حديقة منزل بدوى بالشيخ زويد، قال «س. ن» وهو رجل «مخضرم» فى عقده السابع من العمر، يشير إليه أهالى منطقته بالبنان، جاءت الإجابة: «فى كل قبيلة يوجد متشددون إسلاميون، عددهم ليس بالكبير، والعنف سمة أصيلة وواضحة فى كل تعاملاتهم، فضلاً على ضيق الأفق وحالة الجمود التى يتمتعون بها، لكنهم فى نهاية المطاف أفراد لا يصح ولا يعقل أن نُطلق عليهم جماعات منظمة أو ميليشيات مسلحة.. هم عشرات على أقصى تقدير، ثم يجب التريث قليلاً فى الحديث عن الأسلحة المتواجدة معهم، فالجميع يعرفون أن البدو بجميع أطيافهم مسلحون منذ أزمنة بعيدة، سواء كانوا إسلاميين أو غير ذلك».
مرة ثالثة يلتقط أحد شيوخ السلفية فى الشيخ زويد طرف الحديث مؤكدًا أنه لا يوجد عناصر إسلامية مسلحة منظمة تعمل فى شمال سيناء، مضيفًا: «هؤلاء قلة مبتورة من المجتمع، نرفضهم جميعًا، هم لا قائد لهم، ولا مرجعية يستندون إليها، هذا فكر لم يتبلور بعد، يجمعه التشدد والجهل ومعهما السلاح الذى ينتشر فى أيدى البدو، وليسوا أيضًا من التكفيريين، لأن عهدنا بمن يكفرون الناس فى سيناء أنهم يعيشون فى عزلة تامة لا يخرجون من منازلهم إلا للضروروة القصوى، ولا يخالطون «الكفار» على حد زعمهم فى شؤون الحياة».
ويتهكم الشيخ على هذه الفئة قائلاً: «يقولون إمارة سيناء الإسلامية، فأين أميرها؟ وأين مجلس الشورى المتواجد فيها؟ وأين هيكلها التنظيمى؟ هذه مراهقة سياسية».
لسان آخر يردد الحديث ذاته ولكن بطريقة مختلفة فيقول «إ. س» من قبيلة الرميلات: «أعرف قلة من هؤلاء المتشددين، كل شىء يرونه حرامًا، يعنفون الناس على أخطاءٍ بسيطة، ولا يقبلون نصحًا أو إرشادًا.. لكنهم ليسوا فى سيناء فقط، ففى كل محافظات مصر توجد تلك الفئة، الفارق بين متشددى سيناء وغيرهم أنهم يمتلكون السلاح، وفى أحيان تدفعهم طبيعتهم البدوية لاستخدامه».
إذن النتيجة الأولية من تلك الروايات تؤكد أن الفوضى التى تشهدها سيناء وليدة فئات ثلاث.. «شبِّيحة» و«أصحاب ثأر مع الداخلية» و«قلة متطرفة دينيّا لا تتبع تنظيمًا بعينه».. لكن أليس كل هذا كافيًا لقيام القوات الأمنية من الجيش والشرطة بخطة محكمة للقضاء على هؤلاء المتطرفين؟
مثلث الفساد
«أنت صحفى، تبقى أكيد واحد منهم».. قفزت إلى ذهنى تلك العبارة مجددًا حين قابلت مهربًا على الحدود لسؤاله عن بعض تفاصيل تسلل العناصر الفلسطينية إلى مصر، إذ قال: «أنت صحفى أم مخبر؟ أرسلك الأمن للتجسس علينا؟ وهل ستنقل الحقيقة أم تهوّل الأمر وترتمى فى أحضان الأمن؟
ربما يكون طابع مهنة هذا المهرب هو سبب تخوفه الشديد من الصحفيين، لكنه ليس وحده من يشعر بقلق إزاء كل صحفى، وليس فقط من يخونهم ويتهمهم بالكذب، فحين دخلنا مسجد المجاهدين، وبعد وساطات للتحدث مع الشيخ السلفى سابق الذكر «أ. س» حكى لى هذه القصة قائلاً: «هناك صحفى يراسل مؤسسة كبرى من سيناء، هو فقط لا يعانى قصورًا مهنيّا يجعله لا يتثبت من المعلومات التى يتلقاها، بل هو دائمًا يعيش فى جلباب الأمن.. مؤخرًا نقل هذا الصحفى خبرًا كاذبًا عنى، وحين سألته عن مصدره قال إن زميلة له هى من أبلغته الخبر وأكدت صحته، وبالرجوع إليها كشفت تسجيلاً بالصوت لهذا الصحفى يثبت أنه المسؤول عن تلك الأخبار». مضيفًا: «هو الآن يجلس فى منزله يخشى الخروج منه لأننا لن نترك حقنا هذه المرة».
الشيخ نفسه ألقى عبارات ساخرة تؤكد ريبته، مثل: «أريدك أن توصل كل كلمة أقولها بدقة سواءً كانت للأمن أو للقراء». و«لا نريد أن نراك ضيفًا فى مديرية الأمن بعد ذلك».
«إذا تحدثتَ عن فوضى فى شمال سيناء فهذا أمر منطقى فى ظل غياب شبه كلى لقوات الشرطة عن تلك البقعة منذ الثورة، لكن الأخبار التى تنشرها الصحف صباح مساء نقلاً عن مصادر أمنية غالبها لا أساس له من الصحة، وكثرتها خلال الأيام الأخيرة مسَيَّسٌ فى المقام الأول». كلمات بدأ بها الناشط سعيد عتيق رصد تفاصيل «مثلث الفساد» الذى يسعى لتخريب سيناء.
يعقب عتيق على تخوف أهالى سيناء من الصحفيين عمومًا قائلاً: «مراسلو الصحف القومية والخاصة (ذكرهم بالاسم) كثير منهم لا يسكن شمال سيناء، ورغم ذلك تجده ينشر سيلاً من الأخبار التى تأتى من جهة واحدة هى «مصدر أمنى»، مضيفًا: «الصحفيون فى مفهوم غالبية أهالى شمال سيناء ما هم إلا مخبرون للجهاز الأمنى، ينقلون إليه معلومات تساعده فى عمله الذى اتسم بالغباء والظلم والتسلط».
وتابع قائلاً: «مثلث الفساد الذى دمّر سيناء فى عهد مبارك، ويحاول الآن بشتى الطرق إعادة ويلات هذا العهد إلينا وتحويلها لمجرد أرض يبسط الأمن نفوذه عليها، يرتكز على أضلاع ثلاثة هى.. قوات الأمن بأجهزتها الاستخباراتية والصحفيون، ومشايخ القبائل».
استنفد عتيق حديثه عن الصحفيين، فالتقط منه ناشط آخر، هو نعيم البطين من الرميلات، طرف الحديث مركزًا حديثه على شيوخ القبائل قائلاً: «شيوخ القبائل المعينون أثناء فترة حكم مبارك هم رمز للفساد.. فهم أولاً لا يستحقون تلك المناصب؛ لأن هناك فى قبائلهم من هم أولى بذلك، لكنّ أمن الدولة الذى كان مسؤولاً عن اختيار تلك العناصر كان يشترط لمن يرشح لهذا المنصب أن تكون له تعاملات أمنية أو بصورة أدق أن يكون مخبرًا لهم سبق له التعاون معهم».
ويضيف البطين: «أثناء الثورة وجدنا هؤلاء المشايخ الذين يتقاضون راتبًا شهريّا قدره ألفان وخمسمائة جنيه من الدولة، يجلس بعضهم على رأس مدرعات الأمن المركزى ويقوم بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، والبعض الآخر استمات فى محاولة كف الثوار عن مطالبهم، ونادى بدعم النظام البائد».
يعود عتيق للحديث مؤكدًا أن هناك مخططًا تم تنفيذه بعد الثورة لإعادة تلميع بعض شيوخ القبائل، ويقص واقعة مفادها أن أحد هؤلاء الشيوخ، والذى كان مطاردًا قبل الثورة «وعليه حكم»، تم التنسيق بينه وبين قوات الأمن مؤخرًا فى صفقة مشبوهة بمقتضاها تم إسقاط هذا الحكم الغيابى عنه، بالإضافة إلى غض الطرف عن عمله فى التهريب عبر الأنفاق الحدودية مقابل أن يتصدر هذا الشيخ الواجهة ويتحدث بلسان بدو سيناء.
ويضيف عتيق: «هذا الرجل الذى فقد أخاه برصاص الشرطة دون ذنب فى 2007، وقام هو وأفراد من أسرته بقطع الطريق احتجاجًا على هذا الأمر، فضل مصلحته الشخصية على مصلحة وطنه، وارتضى أن يسير فى ركاب واحد مع الأمن الذى لا يريد الخير لأبناء سيناء».
«نسر ضرير»
الوضع الأمنى فى شمال سيناء وفقًا لروايات أهالى شمال سيناء، ووفقًا لما عايشناه خلال ثلاثة أيام، ليس كما ترسمه الصحف وتريده القوات الأمنية، فما الداعى إذن لتلك الخطة الأمنية المحكمة التى عرفت مصر والعالم أجمع تفاصيلها التى تناقلتها وسائل الإعلام؟
ربما يكون الأجدر بالإجابة عن هذا التساؤل خبراء ومحللون سياسيون، لكنّ لأهل سيناء نظرتهم الخاصة حول هذا الأمر، يقول شيخ طاعن فى السن من «أبو إسكندر» متهكمًا على هذه الخطة: «عايشت فترة الاحتلال الإسرائيلى وما قبلها وما بعدها، ولم أسمع فى حياتى عن خطة أمنية يتم إعلان اسمها وتفاصيلها كاملة عبر وسائل الإعلام». مضيفًا: «هذا قمة العبث، خاصة أن من يعرف طبيعة سيناء يدرك أنه لو أن هناك عناصر ملاحقة أمنيّا فمبقدورها الهرب إلى غزة بعد الإعلان عن هذه الخطة الأمنية بدقائق معدودة عبر الأنفاق».
يضيف الشيخ، الذى رغم كبر سنه وعلو مكانته تخوف هو الآخر من نشر اسمه، قائلاً: «فرحنا جميعًا برؤية القوات المسلحة فى سيناء، خاصة فى المنطقة «ج»، التى يحظر تواجد القوات المسلحة فيها، إلا 750 جنديّا من حرس الحدود فقط، لكن الكثافة التى انتشر بها الجيش وطريقة توزيعهم بدت مريبة بعض الشىء، لا أظن أنهم جاؤوا لتصفية عناصر إجرامية، هناك أبعاد أخرى للمسألة».
كان الناشط سعيد عتيق أكثر وضوحًا حين سألناه عن وجهة نظره فى سبب هذا الانتشار قائلاً: «فى البداية كان أجدر بقوات الأمن التى أعدت تلك الخطة أن تحدثنا عن هوية الأشخاص المطلوب إحضارهم والقبض عليهم بعد التحريات التى قامت بها النيابة، لكنّ التعميم والقول إنها خطة لتجفيف منابع الإرهاب يثير ريبة كبيرة، خاصة مع الطريقة التى انتشرت بها الدبابات، لكن من وجهة نظرى هناك سببان، الأول حماية أمن إسرائيل، وإعادة الآلة الأمنية السابقة إلى شمال سيناء بمبررات واهية».
السيناريو الأسوأ فى المرحلة المقبلة - والذى تمنى العتيق ومعه البطين وغيرهما من الشيوخ والشباب السابقة الإشارة إليهم ألاَّ يحدث - هو «حدوث صدام مسلح» بين البدو الذين تعاهدوا فيما بينهم على عدم السماح بإهانتهم مجددًا، أو التنكيل بهم، وبين قوات أمنية أيّا كان وصفها، أو الجهة التابعة إليها إذا ما أراد القائمون على تسيير أمور البلاد إعادة سيناء لما كانت عليه أيام مبارك».
رسالة أخيرة جاءت على ألسنتهم: «لن نكون فريسة للإعلام، ولن نترك للأمن الفاسد فرصة ينفذ منها إلى أبنائنا، دماء ال 230 شهيدًا الذين قتلتهم الداخلية خلال السنوات الأخيرة لن تضيع هباءً، نريد أمنًا يعتذر إلينا عن سوءات سابقة، ويتعاهد على عدم القمع أو التخريب، ونريد أخيرًا من المجتمع عيونًا تنظر إلى سيناء على أنها جزء من النسيج المصرى، وليس طرفًا مبتورًا يسكنه الخونة وأنصاف المصريين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.