قال الشاعر المصرى الكبير أحمد عبد المعطى حجازى السبت إن من أهم سمات تجربة الشاعر الراحل محمود درويش، كونه لم يكتب قصيدته لمناسبة ولا لظرف ولا لوقت معين بقدر ما كان يكتب للفن وللإنسان ومن ثمة فكل قارئ للشعر وفى أى لغة يستطيع أن يتذوق قصيدته خاصة فى تجاربه الشعرية الأخيرة. وأوضح حجازي،على هامش حضوره للمغرب للمشاركة فى حفل تسليم جائزة "الاركانة"، أن درويش لم يكن مجرد داعية لقضية سياسية بل شاعرا بالمعنى الحقيقى، فكان من القلائل الذين حظوا باعتراف الجميع، وكل إنسان يستطيع أن يتعاطف معه فيما يقوله حتى ولو اختلف معه فى السياسة. وأضاف حجازي أنه على الرغم من أنه لا يمكن لشاعر أن يتفق بالكامل مع اختيارات شاعر آخر فإن كل شاعر هو بحكم الشعر وبطبيعته ،مشيرا إلى أنه "من المؤكد أن درويش قرأنى قبل أن أقرأه بحكم فارق السن، وخصوصا قصائدى الأولى فى ديوان "مدينة بلا قلب"، كما أن درويش قرأ نزار قبانى وكان شديد الإعجاب به وبشعراء فلسطينيين كفدوى وإبراهيم طوقان وأبو سلمى. وأعرب حجازى عن اعتقاده أن محمود درويش كان يتفق مع محاولات الشعراء المصريين لاستخراج الشعر من أشياء الحياة العادية اليومية وربما انتفع بما صنعناه فى هذا المجال. ويرى حجازى أنه يمكن تقسيم التجربة الشعرية لدرويش عموما، إلى مرحلتين، تمتد الأولى حسب تقسيم الشاعر المصرى على الأعوام الثلاثين الأولى من عمر الراحل أى إلى نهاية الستينيات أو بداية السبعينيات، وكان درويش يقدم شعره خلال هذه المرحلة، باعتباره شعر مقاومة، لكنه فى المرحلة الثانية من حياته لم يعد يرى أن هذا التشخيص لشعره تشخيص دقيق، فأصبح شاعرا فقط مع أنه ظل وفيا للقضية الفلسطينية ولكن قضيته لم تكن إلا قضية الشاعر محمود درويش، أى أنه لم يكن داعية لهذه القضية، ولا مجرد صوت لهذه القضية ومعبرا عنها مع أنها تظل عنصرا أساسيا فى عالم درويش. وبالنسبة لحجازى فإن دواوين درويش مثل "عصافير بلا أجنحة" ثم "أوراق الزيتون" و"آخر الليل" جاءت بمثابة "محاولات لامتلاك اللغة الشعرية، ففى هذه الدواوين تظهر أصوات الآخرين بشكل واضح، ومن علامات هذا التحول توارى ظهور اسم فلسطين بشكل مباشر فى أشعار درويش ولجوئه إلى استعارات ورموز كالأندلس وغرناطة ويوسف وأبيه وإخوته وقابيل وهابيل واستعارات توراتية وقرآنية والأساطير الكنعانية والتواريخ القديمة والحديثة، فأصبح محمود درويش يميز بين ما فى التاريخ من صراعات وما ينبغى أن يكون فى علاقات البشر من سلام، ومن هنا مثلا حديثه عن ريتا.