بصراحة أنا بدأت أحس بالقلق الشديد على الثورة، بل وعلى مصر كلها. فى أيام الثورة الثمانية عشر كانت احتجاجات الشعب المصرى عاقلة وعقلانية وسلمية لا عنفية فى الكلمات والأفعال معا. وكانت الشعارات الشعب يريد تغيير النظام والشعب يريد رحيل النظام أو رحيل مبارك. ورحل الجميع وأكثرهم فى انتظار الحساب العادل بواسطة قضاء عادل. اليوم خرجت علينا روح جديدة من الميادين روح تحمل الكثير من علامات حب الانتقام ورفض قرارات القضاء، والمطالبة بتطهير القضاء. روح تحمل ثقافة اليأس ورفع الأحذية فى وجه من يريد الحوار حتى لو كان لواء فى جيشنا الشريف، وعضو فى المجلس الأعلى الممثل الشرعى للشعب المصرى فى هذه المرحلة. روح تحرض على الاعتداء على القوات المسلحة بكل أسف روح تحمل ثقافة التحريض على الإضرار بأمن مصر القومى التحريض على غلق مجمع التحرير والتحريض على تعطيل حركة مترو الأنفاق الذى يخدم ملايين المصريين يوميا، والتحريض على تعطيل الملاحة فى قناة السويس وهذه دعوة مفتوحة للاحتلال من جديد. والتهديد والوعيد ولا لكذا ولا لكذا ودخلت مصر مرحلة الخطر ودب الخلاف السياسى، ووصل إلى استقطاب حاد وهدد الجميع بالنزول إلى الشارع شارع ضد شارع وفعلا وصل حالنا إلى الارتباك الشديد لولا العقلاء الذى أعادوا كل شىء لا صلة والذين استجابوا لمطالب الثوار الحقيقيين. فى أيام الثورة كانت دقائق معدودة تتاح للمعارضين للتعبير عن آرائهم واليوم بعضهم يبيت فى مدينة الإنتاج الإعلامى، ويخرج على الشاشات بصوت عالى يحمل نبرة التهديد والوعيد والاستفزاز. بعضهم لا أعرف له برنامج انتخابى إلا السب والضرب فى منافسيه عمال على بطال. اليوم رأيتم الصراع الخفى والعلنى على السلطة كل جماعة تقدم لرئيس الوزراء عدة أسماء للترشيح كوزراء والأدهى والأمر إن بعضهم رشح أحدهم ليكون رئيسا للوزراء فى الحكومة الجديد منظر لم أره من قبل فى أى مكان فى العالم. وآخرين وضعوا دستورا وسموه دستور الثورة وآخرين كونوا مجالس وطنية ولا أفهم كيف تكون وطنية وهى من صنع شخص وربما صنعها بالمال السياسى، ولكن مازال هناك عقلاء مشغولون بتكوين أحزابهم الجديدة وتنظيم كوادرهم فى أنحاء البلاد وتنظيم اللقاءات الجماهيرية لشرح برامجهم. ماذا حدث لكم يا أولاد مصر هل إسرائيل عملت لكم عمل فى إحدى غابات أفريقيا لتتحولوا من ثوار سلميين إلى ثوار على هيئة صقور جارحة تخطط للانقضاض على كل شىء بالقوة أو بالفوضى. أقولها بصراحة الشعب لا يريد مجلس رئاسى الشعب لا يثق إلا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجيش مصر العظيم. والشعب لا يريد قتل أحد من عصابة النظام السابق الشعب يريد المحاكمات العادلة والإعدام بالقانون والعفو بالقانون. الشعب لا يريد تطهير القضاء، ولكن الشعب يريد تطهير وزارة الداخلية وتغيير سياساتها. الشعب لا يريد الاحتكام إلى الشارع ولكن الشعب يريد الاحتكام إلى القانون والمؤسسات وصناديق الانتخابات. الشعب يريد احترام إرادة الشعب والشعب يريد من الجيش أن يحمى إرادته. الشعب يريد من النخبة أن تنزل من على الشاشات إلى أرض الواقع تعيش الأمة وفقره وجهاده للحصول على لقمة العيش وتحس بأحلامه فى الحرية المطلقة للجميع والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة. أعتقد أن أعداءنا فى ذهول تام من سلمية ثورتنا ومن براعة جيشنا الذى وقف إلى جوار الشعب، ولم يطلق رصاصة واحدة وأعتقد أن هذا لا يفرحهم ولا يرضيهم أن نخرج من تحت وصايتهم، وأعتقد أن لهم من أبنائنا أنصارا ومؤيدين، وخاصة من فلول النظام السابق، وأعتقد أنهم يقومون بمحاولات كثيرة لشراء ذمم قلة قليلة ولقد رأينا بعيوننا رجالاتهم وهم يتجسسون ويندسون ويقومون بالتصوير وخلافه وخاصة فى الأماكن الساخنة. أعتقد أن كل ذلك له علاقة بمحاولات القضاء على الروح السلمية للثورة المصرية العظيمة. أعتقد أن الشعب يريد السياسيين العقلاء ولا يريد الصقور الجارحة منهم فى هذه المرحلة الخطيرة نريد الاستقرار والهدوء والاستعداد لتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة بإرادة شعبية حرة وكفانا الله فى هذه الأيام شر الأعيب السياسية.