إن ما يحدث من تجاوزات من جزء كبير من أفراد الشرطة هو أكبر بكثير مما ينشر، إنها ليست أخطاء فردية كما يدعى الوزير ولكنها ثقافة توارثها الفاسدون منهم جيلا بعد جيل حتى امتزجت مع جيناتهم، ولن ينصلح حال جهاز الشرطة إلاّ باستئصال هذا الورم النفسى السرطانى، وإكراه الفئة الباغية منهم على إدراك أنهم يعملون موظفين فى خدمة الوطن لا أكثر ولا أقل، ولا يختلفون فى ذلك عن الطبيب أو المهندس أو المدرس الذى يعمل مثلهم فى خدمة الوطن، وأنهم يتقاضون أجورهم من دافعى الضرائب بما فى ذلك أصغر فرد فى هذا الشعب حتى ولو كان سائق الميكروباص، ولذا فهم ليسوا أسياد هذا الوطن ولا يمكنهم ضربه بالحذاء كما صرح مدير أمن البحيرة. ولا أرى أى وجه فى ادعاءات البعض أنهم يرتكبون جرائمهم من أجل الدفاع عن الوطن، دفاع عن الوطن بأمارة إيه؟ بأمارة استعانة بعضهم بالبلطجية والمجرمين فى تزوير الانتخابات؟ أم مساندة النظام الفاسد فى كل ما يريده؟ أم بتعذيب المواطنين وإهانتهم فى كل مكان وقتلهم ثم العودة إلى منازلهم بعد ذلك وتناول العشاء مع أسرهم ومشاهدة التليفزيون وكأن شيئا لم يكن؟ إن الدفاع عن الوطن هو شرف وحق قصرى على القوات المسلحة التى لم تطلق طوال تاريخها رصاصة واحدة على أى مواطن، وعندما أخطأ بعض أفرادها فى فض اعتصام شارع القصرالعينى سارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلى سلطة حاكمة فى البلاد اليوم إلى تقديم اعتذاره مشفوعا بكلمة راقية تؤكد احترامه للمواطن قائلا: "نعلم أن رصيدنا عندكم يسمح بقبول هذا الاعتذار". نعم.. لكم عندنا ألف رصيد ورصيد من الاحترام والمحبة وتقدير موقفكم إبّان الثورة، وتميزكم عن الجيوش الهمجية التى توجه رصاصها ومدافعها ودباباتها وحتى طائراتها إلى صدور مواطنيهم، نعم لكم عندنا ألف رصيد ورصيد من المحبة والاحترام. أما البعض من الفاسدين والمتجاوزين من بين أفراد الشرطة – فقط هؤلاء – وهم كثيرون، فلهم منا ألف رصيد ورصيد من الكراهية وعدم الاحترام، فنحن لا نستطيع احترام قتلة الشهداء خالد سعيد وأحمد شعبان وسيد بلال ومن تستر عليهم ومن شايعهم وساعدهم بالتزوير، ولا نستطيع احترام الضباط الذين ظهروا فى الكليب وهم يتسابقون أيهم أسرع فى صفع المواطنين على وجوههم داخل قسم الشرطة، ولا نستطيع احترام اللصوص أمثال العادلى، وغيره كثيرون. قسما أن الشعب لن يتصالح معكم، ولن يغفر لكم مهما خادعتم وعقدتم الأمور وتعمدتم تعطيل الأمن، حتى تدفعوا ثمن جرائمكم وتتطهروا، وإلاّ فإن ما يعانيه الشعب الآن وعاناه من قَبل من المجرمين والبلطجية هو أهون ألف مرة مما يعانيه منكم، ففى نهاية الأمر هم لصوص ومجرمون ومن حق المواطن قانونا مقاتلتهم وقتلهم للدفاع عن النفس والمال والعرض والأرض، كما يمكن للشعب أن يعود إلى تشكيل لجان الدفاع الشعبى التى دافعت عن الوطن فى غيابكم وتميزت بالفاعلية والشجاعة والنزاهة والتحضر واحترام المواطنين، والتى خشيها اللصوص والمجرمون أكثر من خشيتهم منكم. أما وقد وصل حال أمن الوطن والمواطن إلى ما وصل إليه من تردى وانهيار ترك أثره جليا على الصناعة والسياحة والاقتصاد وبالتالى على حياة المواطن اليومية، دون أن يلوح فى الأفق أى بصيص من الأمل رغم خطط ووعود وزراء الداخلية المتلاحقين الذين ثبت فشلهم، وتم استبدالهم واحدا إثر الآخر، لما سبق فإنى أناشد السيد المشير رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتحمل هذه المسئولية ويتدارك الموقف قبل فوات الأوان وقبل زحف سكان العشوائيات تحت ضغط الحاجة على البيوت الآمنة، بحثا عن لقمة العيش، وذلك باتخاذ بعض الإجراءات الضرورية لإنقاذ الوطن وتجاوز هذه المرحلة. ولعل أحد أهم القرارات التى تساعد على إعادة الانضباط إلى جهاز الشرطة وتطهيره من الفاسدين، هو إسناد مسئولية وزارة الداخلية - مرحليا خلال هذه الفترة على الأقل - إلى أحد قادة القوات المسلحة، فهم الأقدر على تحقيق أمور ثلاثة هى: الانضباط، والفاعلية، وفصم عرى التحالف الشيطانى بين الفاسدين فى الجهاز والبلطجية وفلول النظام، ثم الأهم من كل ذلك تأكيد أولوية الحفاظ على كرامة المواطن وحقوقه، حيث قد تبين بوضوح استحالة محاكمة الفاسدين من ضباط الشرطة نتيجة تضامن زملائهم ضباط الشرطة معهم، واستحالة أن يعضوا فى بعضهم مهما كان سوء الجرائم المرتكبة. ولكى نساعد القيادة الجديدة على القيام بمهامها ونتيجة لهروب الجانب الأكبر من القوة التنفيذية من كوادر الشرطة وعدم قابليتهم للعودة إلى العمل، وإذا عادوا فهم غير قابلين للإصلاح بدليل أنى أرى أمامى الآن على شاشة التليفزيون وأنا أكتب هذا المقال بعد منتصف الليل مشاهد من مسيرة أُسر الشهداء فى ميدان التحرير وأرى كيف تعاملهم الشرطة بمنتهى الوحشية، حيث يجتمع خمسة أفراد ضابطين وثلاثة مخبرين يضربون شابا وحيدا ويطرحونه على الأرض، ولا يكتفون بذلك بل يقوم أحدهم بصعقه بالصاعق الكهربائى، وهو ملقى على الأرض زيادة فى التنكيل به، تصور أن هذا الشاب هو ابن شهيد أو أخ لشهيد ممن بذلوا دماءهم الطاهرة على أرض ميدان التحرير منذ خمسة شهور، وها هو الآن يطرح أيضا على أرض ميدان التحرير، ويصعق بالكهرباء! ما هذا السفه؟ أعود إلى ما كنت أقول.. من أجل تحقيق أمن الوطن والمواطنين، ومن أجل تجنب المشهد الذى أوردته فى السطور السابقة، أطالب المجلس العسكرى بتشكيل قوة عسكرية منظمة تتبع القوات المسلحة ولنسمها الحرس القومى أو الحرس الوطنى أيا كان اسمها، تكون تابعة للقوات المسلحة للاستعانة بها فى حالات الطوارئ والكوارث وانهيار الشرطة، مثل ما نمر به هذه الأيام، هذه القوة يمكن أن يكون نواتها العناصر المنضبطة المتعلمة من قوات الأمن المركزى السابق، ممن لم تتلوث أيديهم بجرائم تعذيب المواطنين، بعد إعادة تأهيلهم واختيارهم من خلال اختبارات معينة ومقابلات شخصية، إلى جانب مجندين ومتطوعين من القوات المسلحة، ويقودها ضباط قوات مسلحة ويخضعون لقانون الأحكام العسكرية، ويمكن تتبيعهم فى أحوال الكوارث إلى المحافظين (ليس المحافظين الحاليين الفاشلين، ولكن محافظين محترمين منتخبين)، وطبعا سوف يتم مناقشة تنظيم هذه القوة وتسليحها وواجباتها تفصيليا لاحقاً، وإن كان أهم ما يجب إدخاله فى عقولهم هو أنهم ليسوا فى خدمة النظام وإنما فى خدمة الشعب، وأهم ما يجب تدريبهم عليه هو احترام المواطن، وعدم التنكيل به، والالتزام بحقوق الإنسان. إن تعداد الأمن المركزى بلغ نحو 320 ألف جندى طبقا للمعلومات المتاحة، وأنا أعتقد أن نصف هذا العدد فقط من الأفراد الملتزمين يكفى ويزيد، على أن يتم توزيعهم على المحافظات المختلفة. إن عشرين ألف سجين هارب من المجرمين والقتلة يملأون شوارع مصر الآن فى جميع المحافظات، ويروعون المواطنين، فهل سنتركهم هكذا حتى تتكرم الشرطة وتستعيد عافيتها، وعندما تستعيد عافيتها تعود إلى سابق عهدها وتسارع إلى الاعتداء على المواطنين؟ السادة الزملاء أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أناشدكم مكررا، ومعى الكثيرون حسم موضوع الأمن وتحقيق استقرار الوطن فى هذه الظروف الصعبة، بتعيين أحد قادة القوات المسلحة وزيرا للداخلية، ولنا فى ذلك أمثلة عديدة، أولها حين عينت ثورة 23 يوليو السيد زكريا محيى الدين وهو ضابط جيش وزيرا للداخلية لتطهيرها من أتباع نظام الملك السابق، وتحقيق الانضباط والأمن الداخلى، وثانيها فى ثورة 25 يناير حين عين المجلس اللواء طارق المهدى مشرفا على وزارة الإعلام، فقام بتطهيرها من الفاسدين والمنافقين والمرتزقة، وعندما حاول المجلس الأعلى إنهاء مهمته فى وزارة الإعلام وإعادته إلى موقعه فى قيادة الدفاع الجوى، اعتصم العاملون فى ماسبيرو مطالبين ببقائه، وظلوا على اعتصامهم حتى أعاده المجلس الأعلى إلى وزارة الإعلام، وطبعا هذه ليست دعوى لتولى العسكريين الحكم، ولكنه إجراء مرحلى يعيد الانضباط إلى مؤسسات الوطن ويقضى على الفوضى المستشرية. حفظ الله مصر. * لواء أركان حرب - خبير استراتيجى