كان «عم صابر البواب» كثيرًا ما يجالسنا أثناء تأخر المدرس لحضور مجموعة التقوية، ليمتعنا بخفة دمه وليملى علينا حكمته فى الحياة، وكثيرًا ما كان يقول لنا: عارفين يا عيال أحسن حاجة فى الدنيا إيه؟ فنرد: إيه يا عم صابر؟ فيتحسس كرشة البسيط، ويغمز بعينه اليسرى ويمصمص شفتيه ويحنى رأسه نصف ناحية اليمين ويقول «أكل اللحم والشرب على الفحم، ودخول اللحم فى اللحم» ثم يضحك ويقول «فاهمين حاجة»، فلا نرد، فيقهقه ويقول: «بكرة تفهموا». كان علينا أن ننتظر سنين لنعرف ما معنى الثلثين الأخيرين مما كان يقوله عم صابر، فأكل اللحم معروف، أما الشرب على الفحم ودخول اللحم فى اللحم، فلم نكن نعرف أنه يقصد بالأولى تدخين الحشيش، وبالثانية الاستمتاع بالنساء. يلخص عم صابر معنى المتعة بالنسبة له وبالنسبة لأغلب المصريين من نفس طبقته الاجتماعية التى يسكنها أغلب الشعب المصري، ولسنين طوال ظللت أراقب حركات الناس أثناء حديثهم عن ما يستمتعون به، فإن فعل أحدهم بعينه وشفتيه ورأسه ما كان يفعله عم صابر وهو يتحدث عما يحبه، أيقنت من صدق كلامه، وإن لم يفعل تشككت فى صدقه أو على الأقل فى كيفية استمتاعه بما يحب. منظور آخر يمكن أن نرى به متعة عم صابر، وهو ليس ببعيد عن مستوى تخيله، وهو أن اللحم وشرب الفحم ما هما إلا أداتان للوصول إلى اكتمال نشوة الجنس، وفى هذا لا يختلف عم صابر عن أسلافه المصريين القدماء، فمتعة النساء لم تكن لتضاهيها أية متعة، وهذا ما حفظه لنا التاريخ، فى شكل أشعار جنسية مكتوبة على البردى أو منقوشة على الأوانى الفخارية، كان عمال المقابر يتداولونها فيها بينهم بعد يوم عمل طويل ومضنى، ومن هذا قول أحدهم فى هيامه بحبيبته: «أتمنى لو أننى كنت مرآتك بحيث تنظرين إلى دائمًا أرغب لو أننى كنت ثيابك بحيث تلبسيننى دائمًا أرغب لو كنت الماء الذى يغسل جسدك أرغب لو أننى كنت المرهم أيتها المرأة بحيث أستطيع أن أدهنك وأرغب أن أكون الشريط الذى حول ثدييك والخرزات حول رقبتك» فما كان من امرأته إلا أن تقول: لقد وعدتك بما هو ذهبى عند النساء تعال عندى لأرى جمالك.. تعال يا أخى استحم معى الماء عميق فى حبى الذى نقلنى إليك أنا أشد الزهور على صدرى العارى المبلل بالمياه وأعطيك زهورى لأنها جميلة» استمتاع النساء بالرجال وكتابة الشعر الجنسى فيهم لم يستأثر بذكره التاريخ الفرعونى فقط، فالشعر العربى أيضا حمل لنا أبياتا شعرية صاغتها نساء فى عشق الرجال وكانت على درجة عالية من الشبق الجنسى، فمثلا تقول الولادة بنت المستكفى: «أنا والله أصلح للمعالى وأمشى مشيتى وأتيه تيها أمكن عاشقى من صحن خدى وأمنح قبلتى من يشتهيها» ويقال إن هذين البيتين كانت الولادة تكتبهما على عباءتها، وكذلك لم تجد الأديان حرجا فى أن تدعو إلى متع الحياة وأهمها الجنس بالتأكيد، والدليل على هذا فى الديانة المسيحية «نشيد الإنشاد» الذى يصف محاسن المرأة الحسية بصورة تقترب كثيرًا من الوصف الفرعونى، وفى الديانة الإسلامية تحتل متعة الجنس حيزًا كبيرًا ضمن متع الحياة أو حتى متع الآخرة، وهو ما انعكس فى الثقافة الإسلامية العامة التى أنتجت لنا مؤلفات عديدة حفظ لنا تاريخ الأدب العربى جزءا منها تتناول بالشرح والتحليل والوصف التفصيلى متعة الجنس ومن أشهرها كتاب «الروض العاطر فى نزهة الخاطر» للإمام العلامة الهمام سيدى محمد النفزاوى رحمة الله ورضى عنه. لكن المصرى لم يحصر نفسه ومفهومه عن المتعة فى الجنس فقط، ففى زمن ليس ببعيد كانت هناك أشياء عديدة تجلب المتعة إليه، وهذا ما نعرفه من رباعيات صلاح جاهين التى رصدت بعض هذه المتع كقوله: «أحسن ما فيها العشق والمعشقة وشويتين الضحك والتريقة» ومن اليوم الذى قال فيه «جاهين» هذه الأبيات، ونحن نشهد العديد من انسحابات المتع، من حياتنا حتى لم يبق لبعض الشباب إلا أن يسرقوها، ويغتصبوها لا يفرقون فى ذلك بين الكبيرة أو الصغيرة، الدميمة أو الجميلة، ولا يخجلون من تحرشهم واغتصابهم البنات تحت ضوء الشمس. بعد أن صار الزواج من أكثر الصخور التى تتسكر عليها أحلام الشباب صلابة، وأصبحت الممارسة الجنسية بدافع ضغوط الحياة وتدنى مستوى المعيشة عئبا لا يقدر عليه المتزوجون، وتحول اسمها إلى شىء يشبه الإجبار فيقول الرجل مشيرًا إلى ممارسته للجنس مع زوجته بالأمس كنت «بعمل الواجب». شىء ما حدث فانقلبت الصورة، وما اجتهد فيه شعب بأكمله ليقنن وجوب المتعة، يضيع من بين أيديه ولا يعرف إلى أين سيذهب؟ الفقر يجعل أجمل الأشياء أقبحها، ونادرًا ما تجد أبا يفرح بمولوده، لعلمه أن مصاريف الولادة وأجر المستشفى وتكاليف السبوع، وأدوية الطفل ستقصم ظهره. لمعلوماتك.. ◄ 90% من الذكور لا يبدون رد فعل حين يشاهدون واقعة تحرش.