"القاتل الأجير".. قد لا يبدو المصطلح غريباًَ على أسماع البعض لارتباطه بأفلام السينما والروايات البوليسية، لكن الجديد وقعه على المجتمع المصرى الذى لم يعرف هذا النوع من الجريمة بالشكل المتعارف عليه، حيث القاتل المحترف القادر على التخطيط والقتل لمجرد المال، الذى ينفذ فى سبيله جريمته بإتقان واحترافية عالية تقف أمامها احترافية وذكاء الأجهزة الأمنية عاجزة حائرة. محسن السكرى المثال الأبرز خلال الفترة الأخيرة، رجل أمن سابق ترك الخدمة ليمارس العمل الحر فى شركات الأمن وخدمة رجال الأعمال قبل أن يتجه إلى الجريمة من أوسع أبوابها فيتلقى مبلغاً خرافياً مقابل قتل امرأة لصالح أحد رجال الأعمال، وبالفعل ينفذ جريمته بعد أن يقع فى سلسلة من الأخطاء الساذجة التى تؤدى فى النهاية إلى سقوطه والقبض عليه بعد ساعات محدودة من تنفيذ جريمته. السكرى ليس نموذج القاتل الأجير المتعارف عليه، لا من حيث الذكاء والحنكة ولا من حيث الأجر بالتأكيد. فلم تعرف مصر نموذج القاتل الأجير والمحترف الذى تصوره الأفلام والروايات كما يؤكد اللواء محمد عبد الفتاح عمر ضابط الشرطة السابق وعضو مجلس الشعب الحالى، مضيفاً أن مصر شهدت نموذج القاتل المأجور، لكنه يختلف كثيراً عن السكرى، وعن مأجورى أفلام السينما والروايات. عبد الفتاح عمر قال إن القاتل الأجير المصرى يختلف كثيراً عن الصورة النمطية له عند الناس، فلم يتعد كونه "بلطجى" وخارجا عن القانون، وهو ما يستغله البعض فى استئجاره للقيام بجرائم بدلاً منهم على رأسها القتل. ويقوم هو بهذه الجرائم من أجل المال، دون أن يخسر شيئاً فهو طريد العدالة فى كل الأحوال. يتفق معه اللواء متقاعد مصطفى الكاشف، مؤكداً أن الصعيد اشتهر أكثر من وجه بحرى بهؤلاء القتلة الأجراء الذين لا يعدون مجرد "فتوات" لهم سجل إجرامى، ويخافهم الناس، مضيفاً أن الجميع كانوا يعلمون أنهم يستأجرون للقتل ومسئولون عن جرائم كثيرة، ولكن أحداً لم يكن يتكلم خوفاً من بطشهم. بالطبع لم يكن النموذج قاصراً على الصعيد فقط، فعرفت أماكن كثيرة فى مصر القتلة المأجورين ولكن انتشار الظاهرة فى الصعيد بشكل لافت هو ما ربط بين الاثنين. وسواء كان القاتل الأجير أو "البلطجى" كما يحلو لرجال الأمن تسميته فإن هناك مجموعة من المؤهلات التى يجب توفرها فيه كما يؤكد مصدر أمنى رفض ذكر اسمه، أولها أن يكون "قلبه ميتا" ولا يخاف من أى شئ، وثانى هذه المؤهلات أن يكون "بلطجى" ذى سجل إجرامى حافل، فلا يقلقه سقوطه فى قبضة الأمن، وثالث هذه المؤهلات قدرة القاتل على التعامل مع الأسلحة، سواء البيضاء أو النارية بالإضافة إلى مؤهلات شخصية ضرورية للقاتل الأجير، مثل الحنكة والذكاء والقدرة على اتخاذ القرار فى أصعب الظروف. أجر القاتل كان مرتفعاً فيما مضى، ولكن ليس بتلك الصورة الضخمة التى فاجأ بها محسن السكرى الجميع، والتى نقل بها أجور القتلة المأجورين إلى مبالغ تتعدى الأصفار الستة، بعد أن كانت آلافاً قليلة لا تتعدى المائة ألف جنيه على أقصى تقدير، ولعل السبب فى ذلك راجع إلى شخص مستأجر القاتل، أحد أكبر رجال الأعمال القريبين من النظام وأحد أكبر رجال حزبه الحاكم، ليطفو سؤال مهم على السطح، يتعلق بعودة القاتل الأجير بصورة عصرية كنتيجة طبيعية لتضخم ثروات رجال الأعمال بعد مزاوجتهم المال والسلطة. وبعد أن يستبدل جلبابه التقليدى بثياب عصرية ربما ارتداها بعد خلعه زى الشرطة الرسمى كما فى حالة "السكرى"، أو ربما لم يرتد أى زى رسمى سوى زى شركة الأمن التى يعمل بها، وهى الجهة التى يعتمد عليها رجال الأمن الآن فى تأمينهم وتأمين شركاتهم بشكل مشروع، وفى أعمال أخرى كتلك التى قام بها هشام طلعت مصطفى. اللواء مصطفى الكاشف رفض هذه الفرضية تماماً، مؤكداً أن جهاز الأمن لا يخرج مجرمين، وأن "السكرى" يعد "فلتة" لن تتكرر. وأضاف أن أغلب شركات الحراسة والتأمين شركات محترمة، ويقوم عليها ضباط محترمون لا يمكن أن يقوموا بأى سلوك إجرامى فى سبيل المال. واتفق معه العميد محمود قطرى، ضابط الشرطة السابق مؤكداً أن شركات الأمن مظهر حضارى و"ليبرالى محترم"، ولكنها فقط بحاجة إلى بعض التهذيب والتنظيم، ما انتقده قطرى وأكد أنه الخطر الحقيقى هو سلوكيات رجال الأعمال الذين أسماهم ب"رجال الأعمال الجدد"، الذين صعدوا من قاع المجتمع إلى قمته بأفكار مادية فظة لا تعرف الفشل فى تحقيق رغباتها، وهؤلاء –بحسب كلام قطرى– هم من سيعيدون من جديد عصر القتلة المأجورين فى مصر لتصفية صراعات ونزاعات مصالحهم. لمعلوماتك: ◄2 مليون دولار أجر محسن السكرى الذى حصل عليه لقتل سوزان تميم.