كثر الكلام عن أن الشخصية المثالية الملائكية التى لا تخطئ أبداً تشكل أحد أبرز العيوب المزمنة فى بداية الدرامة المصرية تمثيلاً وتأليفاً. وبهذا المعنى تلقى مسلسل "فى إيد أمينة" ليسرا، سيلاً من الانتقادات الحادة، وأصبح الأمر نفسه من ثوابت الاعتراض على اختيارات سميرة أحمد التى دشنت نفسها كنجمة تليفزيونية بامتياز عبر 15 مسلسل. واللافت أن مناقشة هذه القضية توقفت عند حدود الرصد والإدانة دون تحليل الأسباب، باستثناء بعض المحاولات التى رأى أصحابها أن الشخصية الملائكية أصبحت نمطاً يستهوى نجوم التليفزيون، وهناك من يرجع الأمر إلى رغبة كتاب السيناريو فى الاستسهال والركون إلى التقليد واللعب فى المضمون، وقد يكون هذان التفسيران صحيحين، لكن للظاهرة بعد أخرى يجب ألا نتجاهله أو نغفل عنه مهما كان صادماً! وأعى بذلك مسئولية الجمهور نفسه! ودعونا نتحلى بقليل من الصراحة، فما زال الجمهور لدينا عاطفياً، سريع التأثر والتوحد مع ما يراه على الشاشة، وهنا يجب أن نتوقف مع دلالة ما حدث مع سميرة أحمد. فالنجمة المخضرمة قدمت 70 فيلماً و15 مسلسلا عبر مشوارها المديد (73 عاماً، أطال الله فى عمرها). وطوال هذا المشوار لم تقدم سوى دور واحد "شر" وهو فيلم "غراميات امرأة"، حين قامت بضرب سعاد حسنى علقة ساخنة وخطفت خطيبها منها، فكرهها الجمهور وتحفظ معها المنتجون، وكأن الأمر كان حقيقياً وليس تمثيلاً. فكانت النتيجة المباشرة أن "سمسمة"، وهذا هو اللقب المفضل عند سميرة أحمد، لم تقدم بعدها سوى شخصيات خيرة تذوب مثالية، ولم يكن من الجمهور سوى أن توحد معها فى هذه الشخصيات ورفع الممثلة القديمة إلى منزلة القديسين! المثال الآخر فى هذا السياق هو دور الصحفى الشاذ فى فيلم "عمارة يعقوبيان" وكيف داخ صناع العمل السبع دوخات حتى يجدوا ممثلاً يقبل القيام بدور يعرف الجميع أن الجمهور سيقول عن صاحبه أنه كذلك بالفعل فى الواقع، أو على الأقل سيصبح هذا الممثل عرضة للسخرية والنكات الحارة اللاذعة، وأجارك الله من لسان المصريين حتى يتعلق الأمر بالشواذ!! وأرى أن الممثل الذى قام بدور "خالد الدالى" فى مسلسل "الدالى" كان سعيداً بدور المشير عبد الحكيم عامر فى "ناصر"، وقال إن دور "المشير" أنقذنى من كراهية الناس لى لأننى قدمت دور شخصية شريرة، كما أن يحيى الفخرانى فى "شرف فتح الباب" لم يحظ بالتعاطف من الجمهور لأنه جسد تناقضات الشخصية وحيرتها بين الحلال والحرام! والفكرة هنا أن الجمهور لم يتم "تربيته" درامياً بما يكفى، والفواصل بين شخصية الفنان على الشاشة وشخصيته فى الحقيقة غير واضحة فى ذهن الكثيرين. وبالتالى فإن أحد أهم الأسباب تكريس نمط الشخصية المثالية الغارقة فى قيم الخير والحق والنضال، هو عدم جماهيرية أدوار الشر. ولاحظ هنا أننا نتكلم عن جمهور التليفزيون وليس السينما، بل وعدم تجاوب الناس مع الشخصية التى تجمع بين الخير والشر رغم أن كلنا كذلك، إذاً فلماذا لا نعترف بأن الجمهور ساذج.. على الأقل أحياناً؟