الشارع المصرى لم يعد يثق فى سيناريوهات الجرائم التى يتم تفريخها فى لجنة سياسات الحزب الوطنى، كما لم يعد يثق فى نزاهة المحاكمات التى تتم لجهابزة النظام ورجاله المدللين بالمال والسلطة. هذه الحالة المتمثلة فى انعدام الثقة، تؤكد الظنون التى يرددها البعض عن تشكيل ورشة دفاعية متينة رصينة خبيرة، لكتابة سيناريو البراءة، الذى ربما يخرج إلى مسرح الحياة السياسية المصرية فى عدة حلقات أيضا، لتبرير أحداثه. يؤكد هذه الظنون عدد من المهتمين بالشأن السياسى والاقتصادى فى مصر، حيث أكدوا جميعا فى هذا التقرير، أنه ربما يصحو الشارع المصرى قريبا على خبر براءة هشام طلعت مصطفى من مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، فى الحادث الذى زلزل أرض مصر، تحت أقدام أبنائها الغارقين فى دموع بكائهم على حال مصر. لا عزاء للشعب المصرى الذى تعرض للمرة الثالثة - إن صحت البراءة - لعملية نصب إعلامى على حساب مشاعره وقيمه، وهو الشعور الذى يفرض سؤالا ملحا: هل سيلحق هشام طلعت مصطفى بهانى سرور وممدوح إسماعيل فى مسلسل فقد ثقة الشعب المصرى فى النظام الحاكم، بمعنى آخر: هل سيناريو البراءة أصبح جاهزا للعرض خلال الأيام القليلة المقبلة؟ يجيب ناصر أمين المحامى والناشط الحقوقى، بأنه لا يجب التشكيك فى القضاء المصرى، بصرف النظر عن الأحكام والمواقف الصادمة لوجدان المجتمع، وهذه الثقه بالطبع لابد لها من أن تكون مكفولة بضمانات ألا ينحرف القضاء بأحكامه. لأن المجتمع المصرى بإعلامه ومثقفيه ومجتمعه المدنى أصبح يلعب دور الرقيب حتى على المؤسسة القضائية نفسها، وهو ما يقلل كثيرا من أى احتمالات لتكرار مأساة الأحكام السابقة. ويضيف ناصر أمين أن المأساة فى قضية ممدوح إسماعيل صاحب عبارة الموت السلام 98 لم تكن فى حكم البراءه فحسب, إنما فى حالة الخلل التشريعى للقضاء المصرى الذى لم يفرق بين جنحة "القتل الخطأ" التى يذهب فيها فرد وتلك التى أودت بحياة أكثر من ألف شخص. ويخشى ناصر أمين من اكتشاف خلل تشريعى جديد فى التعامل مع قضية هشام طلعت مصطفى، وهذا لا يعنى أن سيناريو البراءه غير مطروح. لأننى – والكلام لا يزال على لسان ناصر – لم اطلع على كافة أوراق القضيه وتفاصيل التحقيقات. وطبقا لرأى ناصر أمين أيضا: تكمن المشكلة فى التناول الإعلامى لهذه النوعية من قضايا الرأى العام، "فكان من الواجب تأجيل الحملة الإعلامية التى صاحبت القضية إلى أن يصدر الحكم النهائى، وذلك ليس لمصلحة أى طرف فى الخصومة، لكن فى صالح الجمهور الذى قد يشعر بعدم الاقتناع بعدالة الحكم القضائى، بعد أن يكون قد تشبع بحكم الإدانة. علامات استفهام من جهته، يرى الدكتور محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن سيناريو البراءة وارد، ويتوقف على علاقة هشام طلعت مصطفى بالسلطة السياسية، "فإذا أرادت معاقبته لسبب ما، فسنفاجأ جميعا بحكم من العيار الثقيل، أما إذا رأت العكس، فلن تلتفت لأحد، خاصة أن رجال الأعمال فى الفترة الأخيرة أصبحوا منغمسين فى لعبة السياسة وأصبحوا يمثلون طرفا أساسيا فيها. وبعد الحكم فى قضيتى عبارة الموت وأكياس الدم الفاسدة أصبح كل شىء متوقعا فى القضايا المتعلقة بذوى النفوذ السياسى فى مصر - والحديث لايزال للدكتور محمود خليل – "فتبرئتهم لم تكن من العقوبة، إنما هى تبرئة للسلطة السياسية التى تقف وراءهم". والحديث عن أن القضاء المصرى مستقل، أصبح محاطا بعلامات استفهام، كما يؤكد الدكتور محمود خليل أيضا، "حيث ثبت خلال السنوات الأخيرة أنه لا يعمل بمعزل عن السلطة السياسية، بل ذابت الحدود الفاصلة بين السلطتين". وبخصوص المعالجة الإعلامية لقضية رجل الأعمال الشهير طلعت مصطفى، يؤكد الدكتور محمود خليل، أن الإعلام بالفعل التزم فى الفترة التى أقرها النائب العام بحظر النشر، وعندما رفع الحظر بدأ يعالجها. وأشار خليل إلى أن "الصحافة" يجب أن تلتزم بقاعدتين أساسيتين فى المعالجة، أولهما عدم التأثير على القاضى من خلال تحويلها لقضية رأى عام، وعدم إدانة المتهم قبل أن يقول القضاء كلمته، ثم عدم التعليق على أحكام القضاء، خاصة أن القضايا المتعلقة برجال الأعمال تكون مادة خصبة لوضعها فى مقدمة الأجندة الإعلامية، بل وتنصب المحاكم على صفحات الجرائد والمجلات وعلى شاشات الفضائيات. دبى لن تسمح إذا كانت تحقيقات النيابة التى كشفت وجود ميكروبات وعفن فى أكياس دم شركة هايدلينا المملوكة لنائب الوطنى هانى سرور، وتقارير اللجان الفنية التى كشفت عن عيوب فى الأكياس الموردة وشهادة الشهود، لم تكف لإدانة هانى سرور، فمن الطبيعى أن تكون براءة هشام طلعت مصطفى جاهزة فى العلبة الخاصة بها. وإذا حكم القضاء بعكس ما أشارت إليه تحقيقات النيابة وتقارير كل من لجنة تقصى الحقائق وهيئة السلامة البحرية والطب الشرعى واللجان الفنية، وأكثر من 400 شاهد من الناجين وغيرهم فى قضية ممدوح إسماعيل، فمن المؤكد أن اعترافات محسن السكرى التى استمع إليها وزير الداخلية شخصيا، وإثبات تحويل المليونى دولار من حساب هشام طلعت مصطفى لقاتل الفنانة، ليسا كافيين لإدانة هشام، لأنه يحق للقاضى أن يعلن عدم اطمئنانه للاعتراف، مع اعتبار التحويل لشىء آخر لا يتعلق بالقضية.لكن إذا انتهى الحكم بالبراءة، فهل هذا يشير لوجود قصور فى إجراءات التحقيقات تعانى منها أجهزتنا؟ لا يتوقع الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستورى أن يتكرر نفس السيناريو هذه المرة، خاصة أن هناك جهة أجنبية تمثل طرفا فى الموضوع، ولن تسمح بالتلاعب فى القضية، فإذا كان ممدوح إسماعيل هو ابن السلطة المدلل ورسمت لصالحه جميع السيناريوهات منذ اللحظة الأولى، فهو حالة قائمة بذاتها. أما هشام طلعت مصطفى، فلن يفلت من العقاب إذا ثبتت إدانته لأن دبى تتبع دولة تحترم نفسها، وتأبى أن تتم جريمة قتل على أرضها دون أن تنال من القاتل. وقال حقوقيون مطلعون على القضية، إن حكومة دبى كانت قد عبرت بالفعل عن موقفها صراحة، بل أعلنت عن قلقها من محاولة إبعاد الشبهة عن رجل الأعمال الشهير عندما تراجع المتهم محسن السكرى عن اعترافه بارتكاب الجريمة، كما اعترضت الإمارات عندما شعرت بأن السلطات المصرية سمحت لرجل الأعمال بالظهور على شاشات التليفزيون الرسمى مرتين فى يوم واحد، مقدما نفسه على أنه رجل خير وبناء. وأكد القانونيون الذين تحدث معهم اليوم السابع، أن وجود الإمارات فى القضية بجانب نائب عام مصرى محترم، ورأى عام بدأ يستيقظ بعد المصائب السابقة، كلها أمور تكفل محاكمة عادلة لهشام طلعت مصطفى.