رغم كل هذا البطش بالقانون فى الداخل، والحديث عن سيادة الدولة وهيبتها فى مواجهة الناس، تنهار هذه السيادة أمام أبسط مصالح المصريين واحتياجاتهم الأساسية، فالدولة بكل هيبتها وجلالة قدرها، وحديثها المستمر عن الإنتاج والاستثمار، تسقط راكعة تحت أقدام شركات الدواء العالمية التى تتحكم فى 71% من سوق الدواء فى مصر، خاصة فى ظل الإصرار على "تغييب" الاستراتيجية الدوائية، ووسط هذا الخضوع والخنوع يسقط المرضى راكعين أيضا تحت أقدام "عزرائيل". وليد سمير خليفة 22 سنة لم ينل أى قسط من التعليم، ولم ير نور الدنيا سوى بضع سنوات، فقد بعدها بصره وأصيب بقصور فى وظائف الكلى، فضلاً عن إصابته بالسكر وضيق التنفس، علاجه يتكلف ألف جنيه شهريا، وليد لا يعمل ويعتمد على والده عامل الأسانسير - لتوفير ثمن الدواء الذى يحتاجه. أيضاً "طارق" 20 سنة.. و"عمر" 17 سنة يشاركان أخاهما "وليد" عدم القدرة على الإبصار وقصور وظائف الكلى والسكر. "أنا مش عايز آكل ولا أشرب ولا حتى عايز فلوس، كل ما أتمناه توفير العلاج لأولادى "كانت الكلمات تخرج من عم سمير خليفة 51 عاماً ببطء"، مشيراً إلى أحد الدواليب التى امتلأت بالأدوية وممسكاً فى يده الأخرى بزجاجة من حبوب "منيرين" قائلاً: ارتفع سعرها من 120 جنيهاً إلى 138 جنيهاً، يحتاج كل واحد من أبنائى الثلاثة إلى زجاجة ولا يستطيعون الاستغناء عنها، فماذا أفعل؟ مرارة الكلمات التى ارتسمت ملامحها على أسرة "عم سمير"، والتى تتشابك وتتكرر يوميا معلنة عجز الدولة عن توفير الدواء، واعتمادها على استيراد المواد الخام اللازمة لهذه الصناعة، ودخول العديد من شركات الدواء متعددة الجنسيات فى اللعبة، واتجاه الدولة نحو خصخصة الشركات المصرية الأمر الذى يدفع إلى التساؤل: هل تسقط سيادة الدولة وتضعف أمام توفير الدواء لمواطنيها؟ "الدولة فعلاً لا تستطيع التحكم فى إتاحة الدواء للمريض المصرى، مادام لا توجد سياسة دوائية وطنية واضحة، لتوفير علاج آمن للمواطنين"، قالها الدكتور رؤوف حامد أستاذ الأبحاث الدوائية، منتقدا عدم وجود إجراءات منظمة لإدارة السوق الدوائى، الذى يتبع سياسات السوق المفتوح. "شركات الدواء متعددة الجنسيات، لا تلتزم بالعقود التى أبرمتها مع الدولة"، أكد ذلك الدكتور أحمد رامى - عضو مجلس نقابة الصيادلة، مشيراً إلى أن من ضمن شروط الموافقة على إنشاء شركات دواء أجنبية، أن يتم تصنيع المواد الخام داخل مصر، وهو ما لا تلتزم به هذه الشركات منذ 10 سنوات ولم يحاسبها أحد. مصنع النصر للكيماويات خير شاهد على تراجع دور الدولة فى إنتاج الدواء، فالمصنع كان يقوم فى ستينيات القرن الماضى بتصنيع المواد الخام، الآن لا يقوم المصنع سوى بتصنيع بعض المواد الخام غير الفعالة كالأسبرين وبعض المسكنات، والسبب وفقا للدكتور أحمد رامى "إنتاج المواد الخام الفعالة يحتاج إلى مبالغ كبيرة". الدكتور أحمد رامى، أعرب عن مخاوفه من سيطرة المستثمرين الأجانب على صناعة الدواء "شركة الفرعونية كانت آخر شركة تم بيعها بأكثر من 25% ضعف ثمنها، فمن يضمن عدم بيعها للصهاينة؟". رجب هلال حميدة - عضو مجلس الشعب - انتقد سيطرة الأجانب بنسبة 71% على القطاع الدوائى المصرى، مشيراً إلى أن الدولة التى لا تمتلك صناعات دوائية متقدمة، تشنق نفسها بيدها، خاصة فى ظل اتجاه الدولة نحو الخصخصة الذى بدأ منذ 1961، وهو ما يهدد مبدأ سيادة الدولة أمام توفير أقراص، موضحا بأن الدواء سلعة يجب أن يكون للدولة السيطرة الأولى عليها، وليس معنى الاتجاه للخصخصة وتوسيع الملكية، التفريط فى صناعتها الاستراتيجية والوطنية. قطاع الدواء يصفه حميدة، بأنه لا يقل أهمية بأى حال من الأحوال من الناحية الاستراتيجية عن السلاح النووى، "وارتباطه الوثيق بالأمن القومى المصرى"، الدكتور فريد إسماعيل - عضو مجلس الشعب - أكد امتلاك مصر الكفاءة والقدرة العالية لإنتاج الدواء، مشيراً إلى تصنيع 93% من الدواء المستخدم لعلاج المصريين، إلا أن 80% من المواد الخام التى يتم استخدامها فى صناعة الدواء يتم استيرادها من الخارج. لمعلوماتك.. ◄61.. عدد شركات الدواء ذات الشراكة بين مصريين وأجانب.. أى بنسبة 20.9% من إجمالى عدد الشركات العاملة فى مصر.