سعر الريال السعودي اليوم الثلاثاء 23-4-2024 في بداية التعاملات    انخفاضات ملحوظة في أسعار السلع والمنتجات الغذائية في السوق المصرية بعد تدخل حكومي    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 23 - 4 - 2024 في الأسواق    آخر مستجدات تطور العلاقات المصرية الفرنسية في عهد السيسي وماكرون    مقتل 10 أشخاص إثر تحطم مروحتين في شمال غرب ماليزيا    وزير خارجية إيران: نأسف لقرار الاتحاد الأوروبي فرض قيود "غير قانونية" على طهران    عصابة القتلة تضحى برئيس الاستخبارات.. استقالة أهارون حاليفا معترفا بالفشل    الجيش الأوكراني: خسائر روسيا القتالية في أوكرانيا ترتفع إلى 461 ألفًا    موعد مباراة الزمالك القادمة والقنوات الناقلة    محافظ شمال سيناء يستقبل وزير الشباب والرياضة    الإسماعيلي: ندفع بأحمد الشيخ تدريجيا لهذا السبب.. ونجهز اللاعبين للأهلي    الثانوية العامة 2024.. تعرف علي مواصفات ورقة امتحان اللغة الأجنبية الثانية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 23-4-2024 والموجة الحارة لمدة 72 ساعة    حالة الطرق اليوم، زحام مروري بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهمين في قضية فساد الري    ندوة بجامعة القاهرة لتشجيع وتوجيه الباحثين لخدمة المجتمع وحل المشكلات من وجهة نظر جغرافية    التهاب الجيوب الأنفية الحاد: أعراض ووقاية    وول ستريت تتعافى وارتفاع داو جونز 200 نقطة وخروج S&P500 من دائرة الخسارة    أزمة لبن الأطفال في مصر.. توفر بدائل وتحركات لتحديد أسعار الأدوية    مصرع عامل غرقًا بمياه الترعة في سوهاج    مُسن يطلق النار على عامل بسوهاج والسبب "مسقى مياه"    مصر تستهدف زيادة إيرادات ضريبة السجائر والتبغ بنحو 10 مليارات جنيه في 2024-2025    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    نيللي كريم تظهر مع أبطال مسلسل ب100 وش.. وتعلق: «العصابة رجعت»    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    بالأرقام.. تفاصيل توزيع مخصصات الأجور في الموازنة الجديدة 2025 (جداول)    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 23 أبريل 2024    إزالة 14 حالة تعد بمركز ومدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية    لبنان.. شهيد جراء قصف طيران الجيش الإسرائيلي سيارة في محيط بلدة عدلون    ملتقى القاهرة الأدبي.. هشام أصلان: القاهرة مدينة ملهمة بالرغم من قسوتها    مصرع عامل دهسه قطار الصعيد في مزلقان سمالوط بالمنيا    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    أستاذ مناعة يحذر من الباراسيتامول: يسبب تراكم السموم.. ويؤثر على عضلة القلب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام عطلة شم النسيم 2024 للقطاعين بعد ترحيل عيد العمال    بلينكن ينفي "ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الأمريكي    رئيس الوزراء يهنئ وزير الدفاع بعيد تحرير سيناء سيناء    بشرى سارة لجمهور النادي الأهلي بشأن إصابات الفريق    عاجل.. صفقة كبرى على رادار الأهلي الصيف المقبل    بعد وفاته في تركيا، من هو رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني؟    نصائح مهمة لمرضى الجهاز التنفسي والحساسية خلال الطقس اليوم    الكونجرس يشعر بالخطر.. أسامة كمال: الرهان على الأجيال الجديدة    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    عبدالجليل: دور مدير الكرة في الأهلي ليس الاعتراض على الحكام    «فلسطين توثق المجازر».. فعاليات متعددة في رابع أيام مهرجان أسوان (تعرف عليها)    علي هامش انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي.. 11 دولة عربية في ضيافة النقابة العامة للغزل والنسيج بالقاهرة    عامر حسين: الأهلي احتج على مشاركة حارس الاتحاد السكندري    الشرطة تداهم أوكار الكيف.. سقوط 85 ديلر مخدرات في الإسكندرية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    علي جمعة عن سبب تقديم برنامج نور الدين: ربنا هيحاسبني على سكوتي    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23 أبريل في محافظات مصر    مصرع شخص وإصابة 2 في تصادم 3 تريلات نقل بالوادي الجديد    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول صحيفة مصرية على جبهة الحرب.. 30 يوما ترصد جرائم الحوثيين ومعاناة الأهالى "الحلقة الأولى".. "اليوم السابع" فى أرض الخوف باليمن.. ضحايا مجزرة عيد الفطر 100 بدار سعد.. و44 قتلوا بالكاتيوشا.. فيديو وصور
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 04 - 2018


-الطفل عمار جاسم: الصاروخ أخذ 8 من أصحابى
- جدران عدن تحولت إلى لوحات تحمل عبارات المقاومة ورفض الإرهاب الحوثى
-صحفية «اليوم السابع» فى أرض الخوف.. ب«اليمن» رحلة ال30 يوما ترصد جرائم الحوثيين ومعاناة الأهالى ودور قوات التحالف فى استعادة البلد العربى من أيدى حلفاء إيران
-أول وسيلة إعلام ترصد واقع مستشفيات اليمن وتجرى سلسلة حوارات من داخل قصر «معاشيق»


- أطفال يكشفون أسرار «بيزنس تجنيدهم» فى صفوف ميليشيا الحوثى
- قصص إنسانية من قلب المخيمات والمستشفيات والجبهات.. وتحقيقات موسعة من الشارع اليمنى

- نكشف بالوثائق خطة «الحوثى» لنشر الفكر الشيعى وولاية الفقيه وتغيير المناهج الدراسية

«اليمن السعيد» لم يعد له من وصفه نصيب، منذ أن بدأ مجرمو الحوثى، المدعومون من إيران، حربهم الدموية ضد كل ما هو يمنى، ووجهوا هجماتهم التتارية ضد البشر والحجر، فلم تفرق قذائفهم بين يمنى وآخر، وخلفت الآلاف منهم ما بين ثكالى على شهداء راحوا ضحية الوحشية الحوثية، وبين مصابين وجرحى ومشردين ونازحين، يجترون ذكريات يمن كان فى وقت من الأوقات «سعيدا» على أرض اليمن قامت حضارات قديمة وعريقة أشهرها سبأ وحمير ومملكة حضرموت وقتبان ومعين سقط آخرها فى العام 525م، وعرفت اليمن أيام تلك الممالك باسم العربية السعيدة فى كتابات اليونان الكلاسيكية، وعلى أرض اليمن أيضا مرت أديان ومعتقدات، وفيها جرت أحداث ووقائع تاريخية، حتى وصلت صفحة كتاب التاريخ اليمنى إلى صفحة الانقلاب الحوثى فى سبتمبر 2014، والذى سبقه اضطرابات واعتصامات مهد بها الحوثيون طريقهم للسيطرة على السلطة، ليتعقد الملف اليمنى ويزداد سخونة يومًا بعد الآخر واختلطت أوراقه بدماء اليمنيين الذين راحوا ضحايا الحرب التى لم تهدأ رحاها حتى الآن.

iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/S9c7OqkgVsA?rel=0" frameborder="0" allow="autoplay; encrypted-media" allowfullscreen/iframe


بحسب إحصاءات رسمية ودولية وطبقا لتقرير الأمم المتحدة للاحتياج الإنسانى لهذا العام، بلغ عدد من يحتاجون مساعدات 22.2 مليون يمنى وبلغ عدد النازحين فى البلاد 3.44 مليون شخص، بينما بلغ عدد ضحايا الحرب 43 ألفا ما بين 13.389 ألف قتيل و30 ألف جريح خلال الفترة من يناير 2015 حتى فبراير 2018، وكان نصيب الأطفال من هذا الرقم 5212 ما بين قتلى ومصابين، طبقا لإحصائيات وزارة حقوق الإنسان اليمنية.


على وقع المشاهد المتداولة للمأساة فى اليمن، والتى تتناقلها التقارير والإحصاءات ووكالات الأنباء الأجنبية، كان قرارنا بأن نخوض «المغامرة» من قلب الأحداث، لنرصد الواقع والأوضاع الإنسانية الناجمة عن الجرائم الحوثية والتحديات المعيشية والأزمات التى خلفتها الحرب هناك والتحديات التى مازالت تواجه استقرار الدولة العربية، التى تمثل مفتاح البحر الأحمر من الجنوب.


الحرب لا تزال مستمرة، وميليشيا الحوثى لا تزال تستهدف اليمن، ويتصدى لها اليمنيون وقوات التحالف العربى، لكننا أردنا أن تكون «اليوم السابع» أول صحيفة مصرية وعربية تخترق «مملكة الخوف» وتتحدى «يوميات الموت» لتنقل وتعايش معاناة الشعب اليمنى وصموده فى الوقت نفسه، فى رحلة استغرقت 30 يومًا بدأت باليمن وانتهت فى الرياض التى تقود تحالفا عربيا لدعم الشرعية باليمن لنتحدث إلى الأهالى وننقل فى الوقت نفسه آراء عدد من المسؤولين والسياسيين والعسكريين فى لقاءات حصرية.


الترتيب للأمر لم يكن سهلا، والإعداد لها استغرق أكثرمن خمسة أشهر ما بين اتصالات وإجراءات، فالرحلة لم تكن ليوم أو اثنين ولم تكن لمكان أو اثنين، وإنما شملت 5 محافظات يمنية بدءا من المحافظات المحررة عدن ولحج ومأرب، مرورا ب«تعز» المحاصرة من الحوثيين، وصولا إلى جبهة «نهم» أولى مديريات محافظة «صنعاء» الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وهى موضع اشتباك حاليًا مع قوات الشرعية المدعومة من التحالف.


لا أخفى أن كثيرا من الخوف والقلق كانا يحاصراننى، فالمهمة الصحفية هذه المرة على وقع طلقات الرصاص وقذائف الهاون، وهى فى بلد غير مستقر من أى ناحية، ويحاول مسؤولوه ومواطنوه جاهدين إعادته للحياة..لكن الإصرار على نقل معاناة شعب عربى تغلب فى النهاية، لنرى كيف حول الحوثيون حياة الناس لمأساة يومية خلال الحرب بالقصف والقتل العشوائى والإخفاء القسرى والألغام، بينما يقاوم اليمنيون من أجل الحياة، كما رصدنا دور قوات تحالف دعم الشرعية فى إعادة الأمل لليمنيين عبر الدعم العسكرى والإنسانى أيضًا، وأجرينا سلسلة حوارات مع سياسيين ومسؤولين فى اليمن والرياض تسلط الضوء على حقيقة الأوضاع فى اليمن وتحقيقات تكشف آثار تركتها الحرب وميليشيا الحوثى على مختلف القطاعات.


استمعنا لشهادات الأهالى عن جرائم الحوثيين فى عدن، ورصدنا الأوضاع الكارثية فى تعز المحاصرة ووثقنا قصصًا إنسانية لضحايا القصف العشوائى من المواطنين والأطفال فى المحافظات الخمس، كما التقينا أيضا مع قاطنى مخيمات مأرب والنازحين من صنعاء وذمار ومناطق تحت سيطرة الحوثى، ورووا قصص قهرهم وما تعرضوا له جراء الهجوم عليهم، وإن كان كثيرون منهم رفض الحديث أو إظهار اسمه وصورته خوفا من بطش الحوثيين، الذين يكممون الأفواه بأسر جزء من الأسرة الواحدة مقابل إطلاق سراح واحد منها.


رصدنا مأساة بلد عربى تحول إلى «مملكة للخوف» واستمعنا لقصص إنسانية من قلب المخيمات والمستشفيات وأجرينا تحقيقات موسعة من الشارع اليمنى وكشف لنا أطفال أسرار «بيزنس تجنيدهم» فى صفوف ميليشيا الحوثى، كما حصلنا على وثائق ترصد خطة «الحوثى» لنشر الفكر الشيعى وولاية الفقيه وتغيير المناهج الدراسية فى اليمن.. وهو ما نقدمه فى الحلقات التالية:


عدن «عين اليمن» تمسح آثار العدوان الحوثى
مجرمو «الحوثى» بدأوا قصف المدينة فى مارس 2015 وتعمدوا ارتكاب المجازر فى الأعياد.. وقتلوا 70 يمنياً فى نهار رمضان


اليمنيون يحاولون استعادة الحياة فى مدينتهم.. والزائرون يقصدون أسواق كريتر والمنصورة.. والأطفال النازحون من صنعاء أبطال الحرب الحقيقيون يواجهون الدمار والحرب ب«البالونات» ويقاومون الموت بالابتسامة.. ويؤكدون: نكره الحوثيين لأنهم دمروا بلادنا


هنا «عدن» أو «عين اليمن» كما يحب اليمنيون أن يصفوا مدينتهم بها.. بداية الرحلة كانت من هنا.. حيث المدينة التى تتمتع بموقع مميز جغرافيا على ساحل خليج عدن وبحر العرب فى الجنوب، وتجمع بين الجبال والبحر والشواطئ والأسواق، كما أنها العاصمة الاقتصادية لليمن، فضلا عن أنها مدينة الأحداث المهمة فى تاريخ البلاد.

«عدن» عرفت أيضا ب«بالصامدة»، منذ الاحتلال البريطانى عام 1839، حتى صارت هدفًا لمدافع الحوثيين منذ مارس 2015.. تلمس دفء شوارعها فى مديرياتها الثمانى، وإن كانت الحرب تركت بصماتها عليها فى كل شبر، حيث خلفت دمارا كبيرا فى كل مكان، لكنك تلمس أيضًا محاولات المدينة للنهوض مرة أخرى منذ تحريرها فى يوليو 2015 وإعلانها العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية.


ميناء عدن يضفى أهمية أخرى للمدينة، فهو ثانى أكبر ميناء طبيعى فى العالم وموقعه على باب المندب يجعله منطقة ربط مميزة بين الشرق والغرب وصولا بقناة السويس، ليعد أهم منفذ طبيعى على بحر العرب والمحيط الهندى ويتحكم بطريق البحر الأحمر، ومحيطه يجمع بين الأنشطة الصناعية والسمكية والتجارية والسياحية.

ل«عدن» أيضا أهميتها السياحية، حيث شواطئها الدافئة ومنتجعاتها الجميلة، فضلا عن أهميتها كمدينة صناعية، بما يتواجد على أرضها من مجموعة مصانع ووحدات إنتاجية أهمها «مصفاة عدن»، التى دمرها الحوثيون.
تأمين مطار عدن
منذ اللحظة الأولى لوصولنا مطار عدن، غمرنا اليمنيون بالحب والترحاب وكانت مصر كلمة التى تفتح لها كل الابواب والقلوب وتسهيل مهمتنا داخل اليمن، ووجدنا وفدا من قصر الرئاسة فى استقبلنا ويرحبون بدخول أول صحيفة مصرية إلى قلب الأحداث فى البلاد منذ اندلاع الأزمة.

استرعى انتبهنا درجة تنظيم العمل وإجراءات التأمين القصوى بالمطار بالتعاون مع قوات الأمن الإماراتية بعد أن كان مركزا للاشتباكات مع الحوثيين وشهد العديد من الأحداث الملتهبة تعرضت خلالها صالاته وأبراج المراقبة به للتدمير أثناء سيطرتهم عليه فى 2015 حيث حولوه لثكنى عسكرية، ثم تم تحرير فى يوليو من نفس العام وقامت الحكومة الشرعية بالتعاون مع قوات التحالف بترميمه. وتستمر إجراءات التفتيش فى المنطقة المحيطة بالمطار وهى خور مكسر، فى هذه المنطقة محال تجارية تبدو قليلة وأغلبها للأخشاب والأثاث و بعض الأبنية السكنية التى مازالت تحمل آثار الحرب على جدرانها، وعلى الطريق تنتشر حراسات تأمينية لكنها لا ترتدى زيا موحدا مما قد يصعب على المارة التحقق من الجهة التى تنتمى إليها طواقم التفتيش.
المقاومة منقوشة على الجدران
«معا إيد واحدة لدحر الإرهاب»، «الإرهاب لن يهزم عدن»، «نقف بقوة فى وجه الإرهاب».. عبارات لفت انتباهنا انتشارها فى لافتات على طول الطريق إلى داخل المدينة، وهناك أيضا صور ولافتات بأسماء شهداء قذائف الحوثى، أو صور لمن اختطفتهم ميليشيات الحوثيين فى إطار انتهاكاتهم لليمن، وكذلك تحولت الأسوار وجدران البنايات إلى لوحات مرسوم عليها عبارات تندد بالإرهاب الحوثى، وتوثق إصرار اليمنيين على الانتصار فى الحرب، وهى عبارات لا تختلف فى مناطق كريتر وخور مكسر عنها على أسوار جامعة عدن التى هدمها قصف الصواريخ، مع بعض إضافات تناسب الجامعة واجواءها وحماس شبابها، كعبارات: «أوائل الجامعة.. لا تراجع ولا فرار حتى تنفيذ القرار»، «سننتقم.. الحوثى ليس منا»، «فداك ألف شهيد يا عين اليمن»، «كلنا أيد واحدة من أجللك يا يمن»، «هنحررك يا أسير مهما كان التأخير».
نازحون بعدن: الحوثة بيخطفوا العيال
عم «حسن» لفت انتباهنا جلوسه على قارعة الطريق.. توجهت إليه وعرفت أنه أحد النازحين من الحديدة.. بادرنى بالقول: «قوات التحالف كلهم واقفين معنا ونقول لهم شكرا لولاكم كانت بلادنا راحت».

وعن معاناته فى الحديدة التى يسيطر عليها الحوثيون قال «أنا نزحت إلى عدن منذ أسبوعين بعد أن أمضينا أنا وأسرتى فترة تعب من وقت وقوعها فى أيدى الحوثيين وولادى هربتهم من سنتين لمنطقة فتح فى عدن.. عمرنا ما شفنا حرب زى دى، بيضربوا بعنف وبيأخدوا العيال والشباب الصغير من الشوارع للتجنيد وبيستخدموهم دروع بشرية فى الحرب واللى يحاول يهرب من الجبهة يقتلوه عشان كده أنا هربت ولادى على عدن».

وواصل عم حسن : «عايشين الجوع والحرمان والمرض والرضع مش لاقيه لبن، واللى قدروا ينزحوا هربوا على جعولة وعدن.. الحوثيون منتشرون فى الشوارع هناك ويتخفوا فى شكل بياعين قات عشان يراقبوا الناس، والأسلحة منتشرة بالشوارع وبيعها وشراها سهل لأى حد، والقناصة منهم متمركزون فوق أسطح العمارات فى منطقة 7 يوليو.. كمان بيسرقوا إغاثات الشعب والناس عندها مجاعة خاصة اللى فى الريف خاصة قرية عين زبيب مفيهاش أكل ولا شغل حتى أسعار السلع فى الدكاكين مضاعفة، فمثلا كيلو الرز وصل 500 ريال بدل 300 والبترول وصل اللتر 800 ريال، وأقول فى النهاية للحوثيين «اللى بتعملوه مش صالح للإسلام ولا للمسلمين»..
بصمات الحرب على وجوه اليمنيين
مشاهد الدمار والتخريب الحوثى لا تخطئها العين فى مناطق عديدة فى عدن هى كريتر، المعلا، التواهى، خور مكسر، المنصورة، دار سعد، والبريقة.. فى كل مكان من هذه المناطق وجدنا التدمير فى المنازل التى اضطر أصحابها للهجرة سواء داخليا أو خارجيا.. وقصص أهالى عدن توثق جرائم الحوثيين.. فى منطقة خور مكسر استوقفتنا المبانى المهدمة، لا يخلو بيت أو أسرة من شهيد أو جريح أضير من الحرب التى دقت أبواب اليمن فجأة، حيث كان اجتياح خور مكسر الأشد ضراوة وراح ضحيته أكثر من 122 قتيلا و724جريجًا من مارس حتى يوليو 2015، طبقًا لإحصائيات وزارة حقوق الإنسان اليمنية.

أحد قاطنى المنطقة، وهو محمد اليقطينى والذى كان جالسًا أمام أحد المبانى المهدمة يستظل بشجرة قال لى: الحرب بدأت من هنا، تساقطت علينا صواريخ الحوثيين تقصف المنازل وكثيرون استشهدوا من أبناء المنطقة واستخدمت المنازل ثكنات عسكرية، مما اضطر أهلها للهجرة إلى مناطق ريفية ومناطق داخل عدن، قد تكون الأوضاع بها أكثر هدوءا مثل المنصورة، تاركين المنازل التى اخترق جدرانها رصاص القناصة عشوائيا، والبعض نسفته صواريخ أطلقها الحوثيون بلا رحمة.

وتابع: أيام الحرب كانت الحياة شبه متوقفة، بدون عمل ولا تعليم، فلم يكن بمقدورنا الخروج لجلب قوت يومنا، كنا محاصرين والحوثيون لا يسمحون لنا بالتحرك، وهناك مبان حرقت كاملة، وخور مكسر والتواهى والعريش وكريتر كانت أكثر المناطق التى طالتها الحرب مع الحوثيين، مضيفا: فى يوم 24 يونيو سمعنا بالليل انفجارين واحد فى السكن الجامعى والتانى على حارة العزبية وراح ضحيتهم أكتر من 40 شخصا ما بين قتيل وجريح.

واختتم كلامه بالأمل بالقول: «عدن بدأت تخطو خطواتها الأولى فى التحسن خاصة فى الكهرباء وإصلاح بعض الطرق والأوضاع الأمنية أفضل من ذى قبل لكن مازالت تحتاج مزيدًا من التطوير خاصة فى النواحى الاقتصادية».
خور مكسر الاجتياح الأشد ضراوة
بأنفاس متقطعة خارجة من صدر مزقه الألم على ذويه الذين اغتالتهم القذائف، قال مهدى محمد، أحد الذين عاصروا معارك الحوثى منذ بدايتها واستشهد عدد من أفراد عائلته وأصيب اثنان بإعاقات: بداية الحرب فى عدن كانت الصاروخ، الذى أطلق على قصر معاشيق فى 24 مارس 2015 بعد أن تم تهريب الرئيس من صنعاء ثم أطلق صاروخ آخر فى 25 مارس، بدأ بعدها الاجتياح الحوثى لمناطق عدن المختلفة وكانت الفجيعة مع أول لحظة بدأ فيها القصف العشوائى على السكان فى 25 مارس 2015 بحى السعادة بخور مكسر، فأول قذيفة سقطت راح ضحيتها 17 شابا كانوا جالسين فى الشارع وبعدها توالى القصف على البنايات.

وواصل مهدى: الرعب كان يسيطر على الجميع والأطفال كانوا مذعورين، وأغلقت المطاعم والمحلات التى تبيع الاحتياجات اليومية للمواطنين، والآن عادت المحلات التجارية، وإن كانت بشكل محدود، لكن أفضل من أيام الحرب، مؤكدا تفاؤله بالحكومة الشرعية «عدن معهم بقت أكثر أمانا».


المولات.. مجمع العرب

فى خور مكسر وجدنا بناية ضخمة محروقة بالكامل يتبعها عدة مبان أخرى، وبسؤالنا لأهل المنطقة علمنا أنها كانت مولا ضخما يحمل لافتة «مول العرب» وتم قصفه بصاروخ من الحوثيين، وحدثنا يافع الأحمدى، أحد أبناء المنطقة عن تفاصيل الحادث: «هذا المول كان أكبر مول بعد مجمع عدن، وضرب فى 2015 ولم يكن مر على إنشائه إلا عام واحد كان وجهة للكثيرين ويدر ملايين الريالات، وكان ملحقا به فندق، وراح ضحية الضربة أيضًا عدد من السيارات إلى جانب مطعمين بمحيط المول، وأمسك بأطراف الحديث أحمد الرويعى من دار سعد، وكان عضو مقاومة شعبية فى عدن، قائلا إن منطقته شهدت أبشع المجازر التى قام بها الحوثيون هى مجزرة دار سعد، وعن تفاصيلها يحكى: «نزل علينا الضرب والقصف من يوم 14 إلى يوم 16 يوليو 2015 وكان ثالث أيام عيد الفطر المبارك وكانوا يرددون شعارات «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، وراح ضحيته نحو 100 قتيل ومصاب، بينهم كثير من النساء والأطفال، وذلك بحسب تقديرات وزارة حقوق الإنسان اليمنية، مضيفا: كنا نحاول إسعاف الأطفال، لكن الحوثيين كانوا بيضربوا أى حد يحاول إسعاف المصابين.

وتابع الرويعى: «إحنا كنا قبلها بشهرين سامعين عن مجزرة التواهى اللى حصلت فى مايو اللى اتصابوا بالهاون وهم بيحاولوا يهربوا من منطقة التواهى بعدما دخلها الحوثيون، لكنهم ترصدوا لهم وهم بيهربوا بالقوارب من ميناء التواهى وقتلوا أسر بالعشرات وبها نساء وأطفال وشيوخ».
القصف فى شهر رمضان
من «دار سعد» إلى منطقة «المنصورة» رصدنا العديد من الانتهاكات والجرائم التى ارتكبت فى حق اليمنيين، وقال الزندى محمد من أبناء المنطقة، «قصفنا خلال شهر رمضان فى 2015، فى الأول أطلقوا 4 قذايف وبعدها بيوم قذيفتين، منهم وقع على بلوكات 4 و5 و6 ومنهم وقع على جولة التسعين، وبعدها بساعات وقعت قذيفتان على منزلين منهما منزل واحد اسمه محمد أحمد قاسم، وراح كتير غلابة ماتوا «30 قتيلا و40 جريحا» طبقًا لإحصائيات التحالف اليمنى لرصد انتهاكات حقوق الإنسان.. كان منظر الأطفال والنساء يحزن وخصوصا طفل وأمه استشهدوا ممسكين ببعض، كان منظرا صعبا خلانا نحقد أكتر وأكتر على الحوثيين، ونفضل نقاتلهم ومننا كتير اتطوعنا للمقاومة الشعبية».

ومن منطقة البريقة بعدن يقول عمران محمد، أحد مواطنى البريقة: فى الفترة التى سبقت تحرير عدن الذى تم فى 17 يوليو 2015 كثف الحوثيون ضرباتهم بصواريخ الكاتيوشا على أحياء منطقة البريقة فى صلاح الدين، كوبجين، الغدير، البريقة، كود النمر، الخيسة، مدينة الشعب وبئر أحمد.
«هاون» الأضحى.

لم تكن المجازر ضد اليمنيين فى الأعياد تقتصر على عدن فقط، وإنما يؤكد الناشط الحقوقى حمود الديب، رئيس المركز الإنسانى للحقوق والتنمية باليمن، أنه بنفس التكنيك الممنهج وبعد حادث عدن بشهرين ارتكبت جريمة حرب بشعة فى أول أيام عيد الأضحى المبارك 24 سبتمبر 2015م فأسقط الحوثيون صاروخ كاتيوشا على سوق المواشى فى شارع التحرير وسط مدينة تعز بالتزامن مع قصف مدفعى مكثف استهدف عدة أحياء سكنية مجاورة للسوق، مما أسفر عن سقوط «9» قتلى و«35» مصابا جميعهم مدنيون وبينهم «5» أطفال، طبقا لإحصائيات المركز.
عمار: الصاروخ قتل أصحابى ليلة العيد
أطفال اليمن هم وقود الحرب وأبطالها الحقيقيون، وفى كل منطقة، تحمل الأجساد الصغيرة النحيلة بصمات الانتهاكات فى حق الإنسانية لتكون شاهدة عيان للتاريخ على ما تفعله الحروب بالبشر، ومن بين هؤلاء يحكى الطفل عمار جاسم، الذى لم يتم السابع من عمره، أنه ذهب للعب مع أصحابه ليلة عيد الفطر طلب من والده تحضير هدية العيد فأجابه والده «أيوه يا عمار لما ترجع هتلاقيهم»، ويضيف ببراءة: طلعت ألعب جنب البيت وكان معى كتير أصحاب وولاد الجيران منهم أحمد وغسان وحسين ومحمد قال أنا جاى بعد شويه، عملنا بإيدينا دايرة ولفينا لفتين وإحنا باصين فوق للسما وبعدين جه محمد ومعه كورة قال أبوه جابها له عشان العيد وأنا كمان قلتله أنا هديتى هتيجى دلوقت من أبويا هو مواعدنى».

سكت لوقت قصير وكأن براءته تصارع مشاهد الذكريات، وواصل بعدها: بعد شويه جه الصاروخ قتل من أصحابى 8 وقعت علينا حاجة تقيلة وما شفتش حاجة بعدها ولما صحيت كنت فى المستشفى وسألت عن أصحابى وقالولى ماتوا، أنا عارف أن الحوثيين موتوهم.


استكمل والده الحديث قائلا: «فى آخر يوم فى رمضان ليلة عيد الفطر قبل المغرب طلب منى عمار يخرج زى ما هو متعود يجمعوا بعض فى ساحة قريبة يفرحوا بالعيد، كنت مواعده بعدها أجيب له اللبس بتاع العيد، ما درينا إلا الشوارع مقلوبة والناس بتجرى الحق يا حاج ابنك والعيال وقع عليهم صاروخ الحوثة، ما صدقتش جريت للمكان لقيت الأهالى مغطيين جثث 8 من الأطفال وابنى و3 معه جرحى بين الحياة والموت منهم واحد فقد عينه، جريت على المستشفى ودم ابنى سايل، قالولى لازم الساق اليمنى متهشمة ولازم البتر، وأصيب بشظايا فى الساق التانية، كانت المشكلة لما صحى ومش عارفين أنا وأمه نقوله أيه على رجله، سأل فقلتله الحوثة عوروك بس أنا هركبلك واحدة تانية زيها وهتلعب متخافش».

يستكمل الأب روايته الحزينة: «عمار بكى كتير وزعل وبدأنا معه بالعلاج النفسى.. وبعدين ما كانش معنا مبلغ ينفع أشترى له الساق الصناعى لحد ما روحنا مركز الملك سلمان للأطراف الصناعية ووفروا لنا الساق وساعدونى أرجع الحياة لابنى من تانى، لكن نفسيته مدمرة ولحد دلوقت يصحى من النوم يصيح الصاروخ يابابا الصاروخ»، وختم الأب حديثه بجملة الحوثة منهم لله».

سألت عمار عن أمنيته فأجاب بحسم بدا أكبر من عمره: «أنتقم من الحوثة عشان مش هلعب تانى»..
الانتهاكات عرض مستمر
انتهاكات حقوق الإنسان منذ 2015 وخلال فترة حصار الحوثى لعدن لم تقتصر على تدمير المبانى وتهجير المواطنين، لكنها تضمنت جرائم عدة، وطبقا لإحصائيات وزارة حقوق الإنسان اليمنية تنوعت الانتهاكات فى عدن بين القتل والإصابة والاعتقال والإخفاء القسرى، والتعذيب واستهداف السكان بقذائف الهاون والكاتيوشا والألغام، فبلغت حالات القتل فى عدن 2713 منهم 100 طفل و190 سيدة و17864 مصابا، ووصل عدد المنشآت التى أضيرت 17930، أما الإخفاء القسرى والاعتقال 17899 حالة، وحتى العمل الإنسانى لليمنيين تعرض للانتهاكات، وبينها كما ترصد اللجنة العليا للإغاثة منع دخول 65 سفينة إغاثة و615 شاحنة من بينها تفجير أربع شاحنات، واحتجاز 13.815سلة إغاثية ونهبها والمتاجرة بها فى السوق السوداء.

الدكتور محمد عسكر، وزير حقوق الإنسان باليمن، يقول لنا إن الوضع الإنسانى فى اليمن بشكل عام لم يكن جيدا قبل الحرب فكان 60 % من اليمنيين تحت خط الفقر وبعد الحرب ازداد تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل مريع، وبلغ التدهور الذروة فى 2015 ف69% من الانتهاكات حدثت فى ذلك العام، وسعى الحوثيون إلى تحويل المدارس والمستشفيات إلى مراكز عمليات وثكنات عسكرية لتصبح هدفا عسكريا لطيران التحالف فيتهموا بضرب الأماكن السكانية.

وتابع عسكر: بكل تأكيد نحن ندين أى ضربات ضد المواطنين سواء من الحوثى أو ما يتم بالخطأ من التحالف فى بعض الأحيان، والتحالف يعترف ببعضها الذى يثبت صحته، فلديهم فريق تقييم لما يتوارد من أنباء أو معلومات بشأن الضربات الخاطئة وبناء عليه يتم مراجعة قواعد تحديد الأهداف والاشتباك، فيما كانت خلية الإجلاء والعمليات الإنسانية التابعة للتحالف أكدت أن هناك 14.138 هدفا محظورا من الاستهداف أهمها المخيمات والمدارس ومواقع النازحين والمستشفيات ومواقع توزيع المساعدات والمواقع الأثرية.


ويشير إلى تشكيل عدة لجان من الجانب اليمنى مختصة بهذا الشأن هى لجنة تعويض المتضررين من تلك الضربات، واللجنة الوطنية للتحقيق فى ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وتم التحقيق فى 17 ألف شكوى، ثبت منها 3 آلاف، وأمر الرئيس عبد ربه بتحويلها للنيابة ثم القضاء، مضيفا: لدينا أيضا فريق من كبار الخبراء تابع لمجلس حقوق الإنسان الذى أنشى بقرار رقم 36/31 لعام 2017، مهمته التحقق من حالة حقوق الإنسان فى البلاد والتحقيق فى الانتهاكات، وأيضا مؤخرا تم إقامة مقر لوزارة حقوق الإنسان فى عدن لتلقى الشكاوى من المواطنين والتوعية بالقانون الدولى لحقوق الإنسان، وجميعها آليات للوقوف ضد أى انتهاكات من أى طرف ضد المدنيين.


أما عبدالعزيز المفلحى، محافظ عدن سابقا، ومستشار الرئيس اليمنى حاليًا، فيؤكد لنا أنه منذ الاجتياح المسلح من قبل ميليشيات الحوثى والدمار لحق بكل قطاع فى المحافظة، حيث ارتكبت الميليشيا جرائم حرب وركزت على تدمير البنية التحتية، وامتد تخريبهم إلى استهداف القطاع التعليمى فدمروا جزءا من المدارس، والكليات وجامعة عدن واستخدموا بعضها كمراكز حربية واستخدموا جزءا آخر كمأوى للنازحين، كما وجه الحوثى الكاتيوشا على مدار يومى 27 و19 يونيو 2015 لضرب مصافى عدن التى كانت مشهورة بإنتاج البترول بكثافة، وضربوا متحف عدن ونهبوا ما به من آثار، ولم تسلم الحركة التعليمية من الإيذاء فتم تدمير 153 مدرسة، وعدد الطلاب الذين توقفت مسيرة تعليمهم أثناء الحرب بلغ 17582 فى المرحلة الابتدائية و27290 فى الثانوية.

وبحسب بيانات التحالف اليمنى لرصد انتهاكات حقوق الإنسان فقد خلفت حرب عدن 500 ألف نازح و194 مخفيا قسريا.
قصف جامعة عدن
من الأماكن الشاهدة على الدمار الذى خلفته الحرب جامعة عدن، وهى أكبرجامعات اليمن وأول جامعة أنشئت فى اليمن الجنوبى قبل الوحدة، حسبما أكد لنا رئيسها الدكتور الخضير لصور، وأولى كلياتها «التربية العليا» تأسست عام 1970م وفى 1975 صدر القانون الخاص بإنشاء الجامعة رسميًا، وتتبعها 20 كلية منها 7 كليات داخل عدن، والباقى فى محافظات لحج وأبين، لافتا إلى أن الجامعة كانت مقر رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل توحيد اليمن.
وأوضح الدكتور الخضير أن الجامعة تعرضت للقصف الحوثى فى يونيو 2015 وكان المقر يضم 7 مراكز تعليمية لطلبة الدكتوراه والماجستير، بالإضافة للمبانى الإدارية، مشيرا إلى أنه لم يسلم من قذائف جماعة الحوثى أحد، حتى هذا الصرح التنويرى، لكن أُعيد العمل فيه، على الرغم من قلة الإمكانات، وذلك بفضل قوة عزيمة أبناء عدن الذين قدموا التضحيات الجسام، مبينا أنه سيتم هذا العام إعادة ترميم وبناء المبانى التى هدمتها الحرب.

شهود عيان على الحادث
من داخل الجامعة، تحدث إلينا حسين المحمودى قائلا: الحوثيون قصفوا مبنى الهندسة وفقدت زميلى عمار وزميلا آخر كان فى التربية، كنا نستعد للتخرج.. الحقيقة إحنا عشنا لحظات رعب كتيرة وتوقفت الدراسة فى الجامعة ونزحنا من خور مكسر لأن الهجوم كان شديدا هنا، لكن الحمدلله الحياة رجعت زى ما كانت قبل الحرب.
عبدالفتاح فريد، أحد سكان منطقة الجامعة، وشاهد عيان على الأحداث، وصف قصف الجامعة بال«مروع»، موضحًا أن الحوثيين استخدموها كثكنة عسكرية ومكان لتخزين الأسلحة ومنصة لإطلاق الصواريخ لمناطق أخرى وحصلت مواجهات بين المقاومة وبين الحوثيين داخل الجامعة، والطلاب تحولوا لأبطال مقاومة شعبية وتوقفت الدراسة وبعد ذلك ضربوا عليها صواريخ الكاتيوشا فى إطار محاولتهم السيطرة على المكان.


مأساة «التواهى»
«البحر ابتلع 20 أسرة بالتواهى فى لحظات.. وفيه جثث ما طلعتش»..ترددت هذه العبارة من أهل عدن الذين التقينا معهم ودفعنا ذلك للتوجه للذهاب إلى مديرية التواهى لرصد مكان الحادث الدامى عن قرب، أرشدنا أحد السكان لميناء «دكات البيلات» أو ميناء التواهى وكان شاهدا على أبشع جريمة قام بها الحوثى فى عدن، وداخل الميناء التقينا مع عادل حربى أحد العاملين بقسم الإرشاد السياحى وشاهد عيان على الحادث، والذى أوضح لنا أن أن المنطقة سميت بالتواهى لأنها كانت واسعة محاطة بجبال وكان الأهالى يخشون أن يضلوا الطريق بها، مشيرا إلى أن تاريخ إنشاء الميناء يرجع إلى عام 1850 عندما تم إعلان «عدن» منطقة حرة، وهجر الإنجليز ميناء صيرة القديم وفكروا فى إنشاء ميناء آخر ذى إمكانات كبيرة.
وعن الحادث الذى شهده الميناء قال: بعد ما قتل الحوثيون قائد المنطقة العسكرية الرابعة على ناصر هادى قنصًا اتجهوا من المعلا إلى التواهى وكان قوات الشرعية تجتمع فى المعسكرات هنا، ومنذ دخول الحوثة بدأ الأهالى يتجمعون كل يوم فى مجموعات، وتنقلهم القوارب إلى البريقة والمنصورة هربًا من مدافع الحوثيين، وفى يوم الأربعاء 6 مايو بالتحديد الساعة 10 صباحا ضربوا الميناء من منطقة «دكة البكارى» المواجهة له بأربعة قذائف هاون، الأولى وقعت على المرفأ الذى يضم التجمع وأصيب الأهالى بشظايا وغرق آخرون كانوا فوق القارب المتوقفة على الشاطئ، وثلاث قذائف أخرى ألقيت فى البحر، وحدث هذا فى الوقت الذى كانت تهرول فيه الأسر للقوارب بأطفالها، ولا يحملون أسلحة ولا شىء يحميهم، فقط يحملون أبناءهم بعد أن طوق الحوثة المنطقة وأثناء نزوحهم فى البحر بالقوارب الصغيرة إلى البريقة ضربتهم القذائف، وحولتهم أشلاء تناثروا على الميناء وبداخل المياه راح ضحية الضرب أكثر من 27 أسرة بأطفالهم ونسائهم.



وواصل حربى مشاهد المأساة: كنا نحاول إنقاذهم ونقلهم لمستشفى باصهيب العسكرى وملابسهم كانت غارقة فى الدماء، وبعدها اشتغلنا أكثر من خمسة أيام فى لملمة أشلاء الجثث من قاع المياه وظلت عمليات البحث عن الجثث فى المياه أكتر من خمسة أيام واستخرجنا حوالى 15 جثة من المياه بين شيوخ ونساء وأطفال، وأضاف: «الحوثيون خبثاء وأسهل حاجة عندهم القصف بالهاون.. كانت عدن مليانة بالفنادق الجميلة، لكن خربوها كلها، مثلا منطقة نشوان كانت يذهب لها زائرون كتير وغنية بالمناظر الطبيعية لكن قضوا عليها، وأكد: «إحنا صامدين وواثقين فى الحكومة الشرعية والتحالف واقفين وقفة رجالة وإن شاء الله هنفضل نطارد الحوثى لآخر لحظة فى حياتنا وهنخرجهم من صنعاء وهترجع اليمن كلها لنا».


وأضاف سليم المحمدى، من سكان المنطقة وأحد شهود العيان على الحادث، إحنا كنا نعرف ناس من اللى اتقتلوا كانوا بيجهزوا من فترة أنهم يمشوا قبلها بكام يوم مكنش حد منهم عارف يخرج يجيب لقمة عيش فقرروا يمشوا ويوم الحادثة كنت مع أسرتى فى البيت وسمعنا صوت الضرب ورا بعض وسمعنا صرخات الناس «الحقونا الحوثة ضربتنا» طلعنا نجرى لقيناهم مرميين على المينا واللى غرق حاولنا نساعد ونشيل الناس للمستشفيات ومنهم أطفال ماتت على أكتافنا فى الطريق ما تحمتلش، حادثة أثرت فى الكل كلنا نتذكرها ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل».
المقاومة بالابتسامة
رغم كل مظاهر الدمار وشواهد التخريب الحوثى فى «عدن»، لكنك تلمس أيضا محاولات حثيثة للعودة إلى الحياة.. ذهبنا إلى سوق المنصورة، ورصدنا هناك محلات الأحذية وأدوات الزينة والملابس والخردوات والأدوات الكهربائية أيضا، وإلى جوارها بعض المطاعم والتيك أواى، وبعض من المحلات العالمية مثل «بسكن روبنز»، يقبل عليها الزبائن من عدة أماكن وإن كان ارتفاع الأسعار يقلل من القوة الشرائية للسكان.
انتقلنا أيضا إلى سوق «كريتر الشعبى» أو سوق «المدينة القديمة» وهو أشهر وأهم أسواق عدن لموقعه بوسط المدينة التى تسمى «عدن القديمة» ورغم أنه مازال يحمل آثار دمار الحرب، لكن يقصده العديد من الزبائن.. هناك التقينا مع محمد زين، حارس أحد العقارات الأثرية لنتعرف منه على تفاصيل عن المنطقة والسوق، قال لنا: «عدن هى أم اليمن الحنونة لكن لم تجد من يحن عليها، وكريتر منطقة عدن القديمة يوجد بها قصر معاشق مقر الحكم وضربوه وقت الحرب، وبالمنطقة أيضًا أكبر سوق شعبى هنا سميت المنطقة بهذا الاسم لأنها على فوهة بركان وجوها حار، كان عدد كبير من السياح وأهل المحافظة يأتون للسوق والأول كان اسمه سوق الكيلو، ولما دخل الحوثيون أول شىء هجموا بالدبابات والمدافع، والقناصين كانوا فوق الجبال اللى محاوطة المنطقة، وضربوا عدة مولات بالسوق منها الرحاب والملكة، ومقر البنك الأهلى اليمنى، وفى يوم واحد سقط 19 قتيلا، وحرقوا العمارات، وضربوا سوق القات وسوق الخضار وشارع أروة، دلوقت ما عادتش التجارة فيه زى زمان لكن عندنا أمل الأحوال بديت تتحسن، وأقول للحوثيين «أمرنا لله فيكم دمرتوا كل شى جميل بالبلد.. ربنا يدمركم زى ما دمرتوا بلادنا.. حسبى الله ونعم الوكيل».


فى منطقة «صيرة» وجدنا شكلا آخر من المقاومة للحرب، فالأطفال على أبواب «ملاهى صيرة» يحملون البالونات الملونة، اقتربنا منهم لنعرف قصتهم وكيف هزموا الخوف بالابتسامة.. فحكى «موسى الربيعى وعبدالله زهير وأحمد اللبنى» عن معاناتهم خلال رحلة فرار من صنعاء حيث سيطر الحوثيون على عدن، فقال «عبدالله»، الذى يبلغ من العمر 13 عاما: «الحوثيون أطلقوا على بيوتنا الرصاص، وكان شباب المقاومة يقفون فى وجوههم لكن من غير سلاح، وأنا مش بخاف منهم لكن بكرههم لأنهم دمروا بلادنا»، أما «موسى» ابن السادسة فلم يعلق إلا بجملة واحدة: أتمنى نقضى على الحوثيين وترجع بلدنا.


أما «أحمد» الذى لم ينه بعد عامه التاسع فيقول إنه يأتى من وقت لآخر للملاهى التى تعتبر متنفسًا للعب مع أصحابه غير مكترث بما يفعله الحوثيون، لكن ما يعلمه أنه ترك مدينته فى صنعاء وجاء بدون ألعابه التى كانت بمنزله، حيث اضطر لتركها تخفيفًا للأحمال، مضيفا ببراءة: «سبت دبدوب كان معى من ساعة ما اتولدت ولما طلبت من أمى أخده معى وإحنا فارين قالت لى سيبه ويلا بسرعة هنموت».
تحديات ما بعد التحرير
وعن التحديات التى تواجهها «عدن»، يقول محمد نصر شاذلى، وكيل محافظة عدن، إنه منذ تحرير عدن والحكومة تواجه عدة تحديات على مستوى توفير الخدمات الأساسية خاصة مع بعد تدمير البنية التحتية جراء الحرب والمرافق فى مقدمتها شبكات الكهرباء، وتوفير السيولة النقدية لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، وترسيخ الأمن والمحافظة على الاستقرار، حيث تحاول العناصر الحوثية والمتطرفون إثارة القلاقل وزعزعة استقرار عدن من خلال التفجيرات الإرهابية للحد من استقرارها وعرقلة عمل أدوات الدولة، مشيرا إلى أن إدارة أمن عدن أعلنت مؤخرا القبض على فريق تصوير تابع ل«داعش»، بحوزته أجهزة تصوير عالية التقنية بينها كاميرات وعدسات، وطائرات خاصة بالتصوير الجوّى، كما تم العثور بداخل وكر تتخذه خلية داعش بعدن مخبأ لتخزين الأسلحة والمتفجرات على معدات التصوير التى يستخدمها الفريق لتسجيل وصايا منفذى العمليات الانتحارية بينها شعار التنظيم باللون الأسود، والذى يُستخدم كخلفية ظهرت دائمًا فى الصور التى نشرها التنظيم لمنفذى العمليات الانتحارية.
وقبلها تبنى «داعش» فى فبراير الماضى هجومًا انتحاريًا مزدوجًا استهدف مقر قوات مكافحة الإرهاب التابعة للحكومة بعدن، ونتج عنه مقتل 12 شخصًا بينهم امرأة وأطفالها الثلاثة.
فى الحلقة التالية نرصد:
انتهاكات الحوثيين للمستشفيات ومعاناة المرضى .. الحوثيون دمروا القطاع الصحى وأزمات الأدوية «عرض مستمر».. وجرحى وضحايا يروون قصص «العودة من الموت»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.