شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لجنة لتعديل مواد من الدستور وإن كنت أرى أن الثورة أسقطت شرعية الدستور بمواده كلها فأصبح لزاما أن نبنى قواعدنا ومواد دستورنا من الصفر، وهذا منطقى فلا توجد دولة بدون قانون ولا شرعية تحكمها ولكنى الآن لست بصدد الحديث عن دستور الوطن أو دستور التشريعات أو دستور مجلس الشعب.. فقبل دستور القوانين نحن نحتاج إلى دستور من نوع آخر.. دستور لا تحفظ مواده ولا تسطر أحرفه ولكنه دستور ولد فينا مع ميلاد الثورة وهو الآن ينشأ بيننا لكنه مازال يحبو على قدميه فيحتاج إلى رعاية ويحتاج إلى حماية.. إنه دستور أخلاقى ترتكز مواده ومبادئه على الحب .مشهد لا أراه إلا فى أحلامى.. كنت أرى ابتسامة فى وجوه مجموعة من الناس، جماعة أخرى يملؤها التفاؤل.. وأخرى ترى فى أعينهم الحماس.. رأيت التسامح منتشرا بيننا بعد أن كنا نتسول كلمة اعتذار عندما نخطئ، وكنا ندافع فقط عن من له صلة بنا سواء كانت قرابة أو مصلحة، ولكنى رأيت هذه الصلة فى كل مكان تقع عليه فى ذلك اليوم، كل ذلك مجمل فى حالة وشعور انتشر بين الناس وهو الحب .لم أر ذلك فى منامى ولكنى رأيته فى واقع انتظرناه منذ ثلاثين عاما، لم أر ذلك إلا فى أحداث الثورة، فجأة انكسرت كل القوانين وتلاشت كل الموانع والعوائق أصبح الناس نسيجا واحدا ومتحدا شبابا وأطفالا وشيوخا ونساء كانت لا تخرج إلى الشوارع خوفا من التحرش فخفنا حتى من شوارعنا.. تحركت الجموع مسلمين ومسيحيين يدا فى يد بعد فرقة حمقاء لا نعرف كيف أتت.. تحركت مسيرات بالملايين دون أن يلقى حجر واحد على كنيسة أو يدمر محل أو مقر أو تحرق مدرسة أو يدمر بنك.. عرفنا الآن من كان يقوم بهذه الأفعال وما يزيدنا يقينا أننا عرفنا بعد أن شاهدنا بأعيننا. أياما حكمنا فيها أنفسنا فعشنا الحرية بمعناها الصحيح فأنت حر إذا استطعت أن تقيد نفسك، فأصبحنا نحن الحكام والمحكومين، أصبحنا النظام والشعب.. وأصبحت أنت رقيبا على نفسك، ولمست حالة طالما اختفت من مجتمعنا المصرى خاصة ومن مجتمعنا العربى عامة ولا يستطيع قلمى أن يصف مدى جمالها ومدى رقيها.. لكنى أخشى أن تكون تلك الأيام مثل أيام العيد المحدودة تفصل نفسك فيها عن دوامة الحياة وتملأ مخرن قلبك بالحب والأمل على أن يخلو هذا المخزن فى نهاية هذه الأيام ليعود القلب كما كان أعلم يقينا أن الكمال لله وحده عز وجل وأعلم أن المثالية لا يمكن تحقيقها فى صورتها الكاملة أبدا ولكن إذا أردنا فى هذه الأيام خاصة نستطيع أن نحقق لمجتمعنا ما كنا نراه فى أحلامنا فغيرنا الواقع المرير بأيدينا. لما لا يحكمنا هذا الدستور ما حيينا، فهذا هو التغيير الحقيقى.. الآن أنت تعرف حقوقك وتعرف قبلها ما عليك.. عشت معنى الظلم والقهر وتذوقت طعم الحرية والحب.. لما لا يراقب بعضنا بعضا، لما لا يحكمنا الضمير.. كنا نقول منذ زمن قريب أن هذه الكلمات ما هى إلا شعارات نتغنى بها فلم لا تكون واقعا نعيشه فلو أن هذا ليس وقت الصحوة فمتى يكون وقتها إذا؟!. لا أرى وقتا أنسب من ذلك يتحقق فيه الحب ويتحكم فيه الضمير ويبنى أركانه على أنقاض الظلم والقهر فكفانا تسويفا وتأخرا فنحن أجدر أن نسبق الأمم ونترك موقعنا فى ذيل الحياة.. لماذا نشغل بالنا بالقائمة السوداء والبيضاء، من كان يعارض الحرية فإما أنه مستفيد وإما أنه لا يفهم، فأما المستفيد فهو يحاسب الآن، وأما من لا يفهم فأظن أنه استوعب الدرس جيدا.. فقط نتذكر أن شبابا وأرواحا طاهرة دفعت حياتها ثمنا لحريتنا ولرفعة وطننا وسيظل التاريخ يذكرهم على مر العصور فتحية لأرواحهم الطاهرة. بقيت كلمة أخيرة.. إن تغيير قوانيننا ودستورنا بالشكل الذى يحقق مصلحة الوطن لا يؤتى ثماره إلا إذا كان الضمير هو الذى يحكمنا.