رغم أن مصر كلها مشغولة بثورة يناير وما حلوها من بدء ولادة جديدة للوطن لكننى أميل إلى الحنين إلى الماضى لكى نفهم ما حدث.. وإذا كان بو عزيزى تونس قد أحرق نفسه فبوعزيزى مصر رمى نفسه فى النيل منتحراً ويائساً من الحياة ومن الحزب الوطنى وظلمه.. أى أن من العدل أن نحيى ذكرى عبد الحميد شتا وكل عبد الحميد قد انتحر من قبل بسبب الأفعال المشينة للحزب الوطنى وللنظام السياسى الفاسد الذى ولى، ولهذا تعالوا نرجع للوارء قليلاً ونتعرف على الحدوتة المصرية المسماة بعبد الحمد شتا. كان عبد الحميد أحد ثلاثة أشقاء لا يعرف الناس عنه شيئا غير الطيبة والنبوغ الدراسى، السيد الشقيق الأكبر حاصل على ليسانس لغة فرنسية عام 1993, وكان الثانى على دفعته, ورضا الشقيق الأصغر الطالب الآن فى السنة النهائية بكلية الطب, وكان مجموع درجاته فى الثانوية العامة 101%, وتقدير "ممتاز" فى كل سنوات الدراسة الماضية. أما عبد الحميد فقد حصل على 85% فى الثانوية العامة، شعبة أدبى، عام 1995, وكانت هذه (غلطة) لن يكررها أبدا, لأنه يعرف أنه لا يملك ترف إعادة سنة دراسية واحدة, وإرضاء لوالده التحق بكلية التربية جامعة الزقازيق, وتقدم بأوراقه لامتحان الثانوية مرة أخرى, وفى هذه السنة تمكن من إحراز المركز الأول على الدفعة فى قسم الجغرافيا بكلية التربية, والحصول على مجموع 95% فى الثانوية العامة, فترك التربية والتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1996، ومن السنة الأولى فى الكلية ترك انطباعا شديد التأثير لدى زملائه وأساتذته، يصفه الباحث رضا عطية مدير مركز القرار الاستشارات, والذى عرف عن قرب بقوله: كان عبد الحميد أصغر منى بخمس سنوات تقريبا, ولكنى عرفت الكثير عن نبوغه وهو لم يزل طالبا بالسنة الثانية.. وعندما تخرج وعمل معنا فى مركز القرار فوجئت بأنه موسوعة متنقلة, إذا وجد فى مكان فهو المرجع الموثوق به فى أى معلومة يريدها أى باحث أو دارس, كان جباراً على نفسه, ولكنه كان حانيا على أهله وزملائه ومطيعا إلى أبعد حد لأساتذته ورؤسائه فى كل مكان عمل فيه، وقد ظل طيلة سنوات الدراسة وبعد تخرجه عام 2000 وحتى وفاته فى 29 يوليو الماضى, يعمل لمدة 18 ساعة يوميا, قارئا نهما, وباحثا دءوبا, تمكن من إجادة اللغة الإنجليزية إجادة تامة على نفقته الخاصة, وبعد التخرج حصل على دورات مكثفة فى اللغة الفرنسية, وما أن تمكن منها حتى التحق بمركز لتعليم اللغة الألمانية, وكان ينفق كل جنيه من أبحاثه المنشورة فى العديد من الدوريات المحترمة, على شراء كتبه والمعاجم ومساعدة أهله, كما كان عبد الحميد متمكنا من استخدام العديد من برامج الكمبيوتر هل كان فى تصرفاته ما يشير إلى أنه سيقدم على الانتحار, لمجرد استبعاده من قائمة المقبولين فى التمثيل التجارى؟ عبد الحميد شتا انتحر من القهر ومن الإحباط ومن الظلم.. ارتاحى أيتها الروح المطمئنة وارقدى فى سلام.. اليوم أخذنا بثأرك.. اليوم تغيرت بلادنا للأفضل.. لن نسمح بدفن المواهب المصرية بعد الآن.. لن تتحكم فينا الواسطة والمحسوبية.. لن تتحكم فينا فساد الأفئدة ولا فساد الأمكنة.. مصر اليوم تقدم خالص تعازيها على أسرة ابن مصر العبقرى عبد الحميد شتا وتقول لكل مظلوم لا تنتحر وتترك حقك.. بلادك أولى بك وبعملك وبذكائك وطموحك.. من اليوم لا تسكت على حقك.. مصر اليوم أصبحت لائقة اجتماعيا..