أخيرا انتصر شعب مصر العظيم وحقق مطالب ثورته، انتصر بسقوط الطاغية وتخليه عن الحكم وها قد حان الوقت لدخول عهد جديد، عهد ملىء بالحريات والديمقراطية والشرف والكرامة، عهد تحكم فيه إرادة الشعوب، ووداعا وداعا لعهد بائد حدث فيه ما حدث، وداعا لكل ظلم وخيانة وجبروت وسلب ونهب واستفزاز وفتن، وداعا لطاغية رحل عنا باحث عن وطن يأويه. ثلاثون عاما، ثلاثون عاما مضت من الظلم والقهر والاستبداد تجرع فيها المصرى كل ألوان وأشكال الذل والاستعباد ،نعم كنا مستعبدين فى بلادنا، وقديما قال بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، تجاوز فيها الطاغية كل حدود العقل وذهب بعيدا بأحلام شباب هذا البلد الواعى لا يُلقى بالا لناقوس الخطر الذى يدق كل يوم تنبيها بنمو جيل ذو فكر ووعى مختلف عن سابقه من الأجيال. الثورة هى ثورة شباب التحرير، شباب مصر الواعى الأبى الذى تجرع من الذل والمهانة ما يكفيه، سلبوا حقوقه كاملة، عاملوه كأنه مهمش ليس له دور ولا يصلح أبدا للقيادة، تناوبوا على صفعه كل حين وآخر، حرموه من الحلم والأدهى أنهم قيدوا تفكيره، حتى يحقق مرادهم وهو أن يصبح مثل الأنعام تأكل وتنام فقط، لا يحق لها التفكير فى مستقبلها ومستحيل أن تطمح وتحلم بالمستقبل. منحونا إحساسا أننا لن نحيا أبدا حياة كريمة شريفة، سنظل دائما وأبدا مساقين إلى مصائرنا التى يحاولون جاهدين أن يرسموها لنا، متناسين أن الله عز وجل وحده هو الذى بيده مقاليد الأمور، حاولوا كثيرا أن يسلبوا فينا أى أمل نحو مستقبل مشرق وعهد جديد، إياك وأن تفكر فى مستقبلك، فقط فكر فى المأكل والمشرب واجعل أعلى طموحاتك الملبس، حاول أن تصبح دائما إنسانا جانبيا غير قادر على القيادة لأن القيادة لم تخلق لنا بل لهم هم فقط. رشاوى تعم المصالح وروائح فساد سدت الأنوف وحولت مناخ بلدنا إلى جو بائس غير محتوى على أى نفحة أمل، عليك أن تدفع دائما حتى تقضى مصلحتك وإن لم تدفع فانتظر آخر الصف هناك فى البعيد المُعتم، موظفون لا يعلمون أن مهمتهم الأولى والأساسية هى قضاء مصالح هذا الشعب وحماية حقوقه، يتفننون فى استهلاك وقت عملهم الرسمى فى غير مهام عملهم، ضباط شرطة يعاملون الناس كأنهم مجرد عبيد تُساق، وإن أخذتك العزة وعلت حنجرتك إلى السماء فأنت حينها تكون قد تعديت على سلطاتهم. وقامت الثورة، قامت ثورة شعب مصر الحر الكريم، متحدية كل العواقب والحواجز الأمنية، اتهمومها بالكثير والكثير من أعمال نهب وسلب وتخريب إلى نشر الفساد والتحريض على قيام دولة إسلامية والحصول على إمدادات من الخارج، ولكن كل من أطلق هذه التهم لم يشتم أبدا رائحة النظافة والطهارة والصدق التى ملأت كل شبر من ميدان التحرير، شباب غير ذى قبل نهض واقفا يطالب بحقوقه بطريقة سلمية مستهلكا وقتا كثيرا حتى يعترفوا به ويقبلوه كمعارضة حقيقية لهم تحاول قول كلمة "لا" بأعلى صوت ولا تخشى فى الله لومة لائم. فئة قليلة من الشعب الواعى كان مدركا لحقيقة هذه الثورة وانضم لها وأيدها بكل حواسه ودافع عنها بكل ما يملك منذ الوهلة الأولى، أما الباقين فكانوا مجرد مشاهدين للموقف عن بعد منتظرين النتائج التى ستفضى إليه، ويكأن هذا الشباب يحارب الظلم والاستبداد من أجل أناس آخرين ليسوا معنا فى هذا البلد الذى يضمنا جميعا تحت كنفه، "متقلقش يا ريس دى قلة مندسة" كانت هى تلك الكلمة التى يضحك بها من حول الطاغية عليه، متناسيين أنه إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر. يوم 11/2/2011 هو يوم سيذكره كل مصرى ولن ينساه أبدا، ففى هذا اليوم سقط الطاغية وانتصر الشعب وبدأ عهد جديد، عهد نأمل من الله تعالى أن يُلبى طموحاتنا فيه، تاريخ جديد نصنعه نحن بأيدينا وتقرره إرادة الشعب ولا أحد غيرها، انتصر الشعب، أخيرا انتصر الشعب على كل معانى الظلم والقهر والاستبداد وتنوع ما تعرضت له فئات الشعب المختلفة من سلب للحقوق وضياع للكرامة وتخلى عن المبادئ كل ذلك بسبب ظلم حاكم جائر لم يراعى حقوق شعبه، لم يأبه لحقوقهم البسيطة التى ما هى إلا إحساس داخل الصدور وكلام بين السطور، حتى انفجر البركان المكتوم فى صمته وثار وحقق المراد وسقط نظام الطاغية وحكومته وكل بواقى نظامه الفاسد. ولا أجد ختاما أفضل من كلمات السادات المعبرة "يا أيتها الأم الثكلى، ويا أيتها الزوجة المترملة، ويا أيها الابن الذى فقد الأخ والأب، ويا كل ضحايا الحروب.. املؤوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام.. املؤوا الصدور والقلوب بآمال السلام.. اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر.. اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال.. وإرادة من الله". عاشت مصر حرة.