ها قد أنجزت الثورة الشعبية المباركة سقف مطالبها, وهو رحيل الرئيس "المتنحى" من سيادة الحكم، بعد ما يقرب من الثلاثة عقود من الظلم والفساد وغياب مطلق للعدالة الاجتماعية, وسيثبت التاريخ حجم الجبروت الذى كان يُمارس على الشعب المصرىّ من طبقة قربها الرئيس وأغدق عليها من المال والنفوذ والسلطة دون سند من الشرعية, بينما جموع الشعب تئن من ويلات الفقر والجهل والمرض. إننا أمام لحظة مفصلية هامة من نضال طويل لم ينته, من أجل إرساء دعائم دولة "مدنية" ديمقراطية حديثة. إن نظاماً مستبداً قد سقط ونحن بالكاد ندخل إلى مرحلة جديدة, والتى قد تكون شاقة ومريرة ومليئة بالتضحيات لبناء نظامنا الجديد. إن سقوط النظام الشبه عسكرى وإعطاء صلاحيات الرئيس إلى مجلس عسكرى هل يقودنا إلى حكم عسكرى طويل وممتد كالذى أورثتنا إياه ثورة يوليو على النظام الملكى فى الخمسينات, أم يقودنا إلى مرحلة انتقالية مؤقتة تنتهى فى سبتمبر القادم، يتم فيها تغيير الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد حل كل من مجلسى الشعب والشورى. هناك ثقة كبيرة أولاها الشعب المصرى تجاه المؤسسة العسكرية وقد كانت، كعهدها، عند حسن الظن بها، وغلّبت مصلحة الوطن وانحازت لمطالب الشعب العادلة، وتعهدت فى بياناتها المتوالية على تحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى. هنا يجب الاعتراف بدور المؤسسة العسكرية فى تلك الثورة الشعبية المجيدة, والتى لولاه لدخلت الأمة إلى نفق مظلم من الفوضى والعنف. إننا أمام مرحلة لا بد فيها من إجراء حوار مجتمعى شامل, يشمل كل أطياف المجتمع المصرى بكل فئاته ورموزه, دون فرز أو إقصاء, لقد عانينا من التمييز الطائفى والطبقى والاجتماعى على مدى عهود طويلة, وهى مرحلة لا بد للشعب فيها من التأكيد على أنها كانت "مرحلة وانتهت"، وأننا أمام واقع جديد نصنعه بأيدينا, لا ننتظر أن يهبه لنا الآخرون. إن تلك الثورة هى ثورة شعبية خالصة, لا يمكن لأحد أياً من كان أن يعطى لنفسه الفضل فى قيادتها أو مساندتها, سواء من جهات داخلية أو خارجية. إنها نتاج تضحيات جميع أطياف الشعب المصرى المناضل, ومن حق الشعب المصرى جميعه أن يقطف ثمار ما زرعت يداه. إن أول ما ينبغى أن نوليه اهتمامنا فى المرحلة الراهنة, هى إزالة آثار الفرقة المفتعلة التى حدثت بين مؤيد ومعارض للرئيس المتنحى, والتى بدأت فى حدها الأدنى بإلقاء تهمة العمالة والخيانة والعمل لتحقيق أجندات لقوى خارجية سواء غربية أو إسلامية, والتى وصلت فى حدها الأقصى إلى سقوط أحد عشر شهيداً على الأقل، بالإضافة إلى مئات المصابين فى موقعة الجمل الشهيرة. لا بد من إجراء مصالحة وطنية شاملة تشمل كل فئات الشعب المصرى, لكن دون التنازل عن محاسبة من أجرموا فى حق هذا الوطن.