وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في أسعار الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني لتركيا    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    رئيس أوكرانيا: نخوض قتالا عنيفا حول مدينة بوكروفسك الشرقية    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    انخفاض الحرارة 4 درجات.. بيان مهم بشأن تحسن حالة الطقس وانتهاء الموجة الحارة    رسميا خلال ساعات.. فتح باب التظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025 (الرسوم والخطوات)    تامر حسني يلتقط صورة مع جمهور حفله في العلمين على أنغام «خلونا نشوفكم تاني»    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    أسماء وتفاصيل الحالة الصحية ل مصابي حادث انقلاب ميكروباص بقنا    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    رغم هرولة الشرع للتطبيع، مروحيات إسرائيلية تستبيح مقر "الفرقة 15" بالسويداء    ريبييرو: معسكر تونس حقق أهدافه الفنية.. ونسعى لإسعاد جماهير الأهلي    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    التنمية المحلية: بدء تنفيذ مشروع تطوير شارع إبراهيم بمنطقة الكوربة    ترامب: لدينا فرصة للتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    24 مصابًا.. الدفع ب15 سيارة إسعاف لنقل مصابي «حادث ميكروباص قنا»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    "الذوق العالى" تُشعل مسرح مهرجان العلمين.. وتامر حسنى: أتشرف بالعمل مع منير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 26 يوليو 2025    تقرير يكشف موعد جراحة تير شتيجن في الظهر    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    تامر حسني يهاجم عمرو دياب بعد تصنيف الهضبة لألبومه "لينا ميعاد": أنا تريند وأنت تحت    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    ياليل يالعين.. الشامي يبدع في ثاني حفلات مهرجان العلمين 2025    أخبار كفر الشيخ اليوم.. شاب ينهي حياة آخر بسبب خلاف على درجة سلم    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    هاكل كشري بعد الحفلة.. المطرب الشامي يداعب جمهوره في مهرجان العلمين    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأيدى الباردة" قصة قصيرة لمحمد فهيم
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 02 - 2011

سقط كفها من بين أصابعه، قام لتحية المودعين من الأهل والأصدقاء، انشغل عنها وسط الأحضان والقبلات، بحث عنها لم يجدها، تاهت منه بين الأقدام، جحظت عيناه بحثا عنها بكل الأركان، أعياه تكرار المحاولة دون جدوى، فقد الأمل فى رؤيتها قبل ركوب السيارة، لم تبق إلا لحظات يريد أن تكون هى آخر ما تراه عيناه يأخذها معه فى رحلته، تبقى معه تؤنس وحشة الغربة وتهون عليه مرارتها، وضع قدمه داخل السيارة التفت خلفه هناك شىء يجذبه من سترته، إنها هى ابنته الصغيرة، أطبق على يديها الصغيرتين الناعمتين الباردتين، وضعهما على خديه يسلب منهما برودة الجو ويشعرها بدفء حبه وحنانه ويطفىء هو لهيب شوقه إليها الذى اشتعل، وهو لم يكاد يغادر المكان بعد، رفعها إلى صدره ضمها برفق أطبقت عليها ذراعاه، قبلته الصغيرة فى خده، قبلها فى فمها، ترقرقت عيناه بالدموع، حتى أبكى كل المودعين، علا صوت السائق هيا بينا لقد تأخرنا، لم يستطع أن يبرح حضنها، أطبق عليها أكثر وأكثر، زاد تعلقها برقبته، حاولت الأم نزعها عنوة دون جدوى، أغراها الجد بشراء الحلوى وأبدا لا تستجيب، وكأنها تعلم ما ينتظرها بعد فراق أبيها، الذى تربت فوق كتفيه، ولعبت على ظهره، ولف ضفائرها ونسق هندامها، وعلمت ما ينتظره هو الآخر من لوعة الشوق إليها، وحنين الغربة بعيدا عنها، وهو الذى عاش خمس سنوات يرعاها منذ أول يوم، رآها تكبر أمام عينيه، اشترى لها كل ما وقعت عليه عيناه، حتى يرى السعادة أبدية بين جفنيها، مرسومة على شفتيها لا تبرحهما أبداً.
نطقت على يديه أجمل الكلمات فرح لها، وضحك كثيرا بسببها، وحكى نوادرها لمن يعرف ومن لا يعرف.. حانت اللحظة انتزعت الصغيرة من حضن أبيها ركب السيارة على مضض، علا صوت نحيبها رأى دموعها تغطى قسمات وجهها، انطلقت السيارة بسرعة، غاب منظر البيت والمودعين، ساد الوجوم بداخل السيارة قطعه السائق بصوت عود ثقابه وهو يشعل سيجارته، استساغ رائحة الكبريت واستثارته رائحة السيجارة، ركبوا الطريق الرئيسى فى اتجاه القاهرة، زاد الوجوم وعلا التوتر الوجوه فقد كست الشبورة الطريق، تحدث السائق حول مصاعب السفر فى الشبورة، لم يلتفت إليه فهو فى عالم آخر، ثورته الداخلية تزداد مع اقترابه من المجهول، فهو لا يعلم عن مستقبله القريب إلا غموضه، وارتسمت حكايات من سبقوه إلى عالم الغربة أمامه، وتذكر عندما تركه أباه وسافر، وقتها كان فى عمر ابنته، ولم ينم ليلة واحدة بعيدا عن حضنه، وبعدها ظل لسنوات يضع جلبابه معلقا أمام عينيه، ليشعر بوجوده وكأنه واقف فى الحجرة لم يغادرها، وكلما أضناه الشوق جرى إلى الجلباب يحتضنه ويقبله ويحكى له آلامه، ويتمسح به كما تفعل القطة الصغيرة مع أمها، ويبكى على فراق أبيه، وينظر إلى أقرانه وهم بين أيدى آبائهم، فزاد قلقه على ابنته وعاد يقول لنفسه إنها بين أبى وأمى وزوجتى.
وتذكر حكايات أبيه عن رحلة سفره إلى السعودية، وكيف طرده كفيله بعدما استولى منه على أوراقه وماله وعامله معاملة العبيد، وما حدث له عندما عاود الكرة وسافر إلى ليبيا فى بداية الثمانينيات عن طريق مالطة، وكيف تاه فى شوارع الجزيرة، وجاع حتى تسول هو وأقرانه الطعام، حتى حل ميعاد رحلته إلى بنغازى، وكيف ذاق الأمرين فى بلاد الغربة، وحمل على أكتافه الطوب والرمل، يبنى القصور لساكنيها، وهو لايملك لنفسه وعياله وزوجته إلا حجرة فى بيت أبيه، يذل بها مع كل صباح، وترك زوجته وأولاده لحما أحمر بدون مليم واحد، حتى جمع ثمن البيت وعاد فبناه وعلم أولاده.
مرت الدقائق بطيئة كئيبة صعبة مؤلمة سادها الخوف والرجاء، تخللها القلق والأمل، تدارس خلالها تجارب النجاح والفشل، فقد نجح أبوه فى المرة الثانية لسفره وقادت أمه السفينة باقتدار حتى عاد، ولكن هناك غيره الكثير لم ينجح ورسب فى الامتحان، أو سقطت منه أسرته أو ضاعا سويا، والحكايات كثيرة عن الأب الذى غاب، والزوجة التى انحرفت، والأبناء الذين فشلوا فى دراستهم، وضاعوا لكثرة المال وغياب الراعى، أو البنت التى تاهت فى وحل الرذيلة، دون أن تراعى حرمة أب أو أخ، أو تقدر قيمة شرف الأنثى، ومعنى العفة والطهارة عند المجتمع، وقتلت فرحة أبيها عند قدوم شريك حياتها يطلبها منه، فيتيه فخرا بالحسب والنسب، وحولت زغرودة أمها يوم العرس إلى نواح، وحرمت نفسها من فرحتها بالثوب الأبيض يوم الزفاف.
ثم عاد وتذكر فلانا وابن فلان الذى بنى العمارة، واشترى السيارة، واختار أجمل البنات لتكون شريكة نجاحه، ويحيا حياة الحكام وأصحاب المال، لا يحرم نفسه وعياله وأهله مما لذ وطاب، وتذكر صغيرته وقال لنفسه أضحى من أجلها، ولتحرم منى وأحرم منها بعض الوقت، وبعدها ننسى طعم الحرمان إلى الأبد.. زادت برودة الجو، ارتعدت أطرافه وتخبطت أسنانه، فرك أصابعه لعله يشعر بالدفء، أفاق على صوت ارتطام السيارة بسور أسمنتى جانب الطريق، وصياح السائق بعدما تحطمت سيارته بسبب الشبورة، نزل فاقدا وعيه واتزانه، وجد أمتعته متناثرة حول السيارة، التقط صورة ابنته من على الرصيف، حاول أن يفتح الباب لينقذ السائق، لم ينجح إلا بعد عناء، وجده ينزف حمله بصعوبة، وضعه على الأرض، أخرج قطعة من القماش ربطها على قدمه، وضع يديه فوق الجرح، والسائق يصرخ من الألم، سأل نفسه ما العمل؟ الطائرة بعد ساعة والسائق راح فى غيبوبة، لم يتردد وحمله بكل قوته سار به جانب الطريق، مرت سيارة حاول إيقافها ولم تستجب، أكمل طريقه بصعوبة، وصل إلى صيدلية تعمل حتى الصباح، دفع الباب ألقى به فوق كرسى، أقبل الصيدلى كشف الجرح، قال إنه غائر وخلفه كسر مضاعف، واتصل بالإسعاف التى جائت متأخرة بعد بزوغ الفجر، وأقلعت الطائرة، وانتهى حلم السفر، وزال هم الغربة معه، وعاد المسافر إلى حضن ابنته بعد طلوع الشمس، أمسك يدها وضعهما بين يديه يستعير شيئا من دفئهما، استيقظت سعيدة لفت زراعيها القصيرتين حول عنقه، واعتقدت أنها كانت تحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.