قد ألتمس عذارا للشباب الغاضب فى الإسكندرية عقب الجريمة الإرهابية التى ضربت كنيسة القديسين فهم جزء من هذا الوطن الذى اختلت آلياته فى المحاسبة.. فما حدث من اشتباكات بين الشباب والشرطة عقب الحادث، وفى محاولة التعدى على وزراء ذهبوا لتشييع جثامين شهداء العملية الإرهابية ليس بعيدا عن سلوك عام فى مصر اتسع بشكل كبير، وتحول إلى احتجات عشوائية تستهدف تنفيس الغضب حتى ولو تم توجيهه لغير الفاعل الأصلى. وما حدث فى الاسكندرية من مشاحنات ليس بعيدا على الإطلاق عن ظاهرة يقوم بها أهالى القرى الواقعة على الطرق السريعة حينما تصدم سيارة أحد مواطنى القرية فيسارع الأهالى إلى قطع الطريق وتحطيم السيارات المارة والاشتباك مع الشرطة، وقد لا ينتبهون إلى أن الفاعل الأصلى قد هرب بسيارته بعد ارتكاب جريمته. وعقب الجريمة الإرهابية التى تعرضت لها كنيسة القديسين، فقد معظم الناس البوصلة، البعض اشتبك مع الشرطة، والبعض حاول تحطيم المسجد المقابل للكنيسة، والبعض لم يفكر سوى فى الاعتداء على وزراء ذهبوا لتشييع الضحايا إلى مثواهم الأخير. وفى معظم الصحف والفضائيات انبرى المحللون السياسيون والأمنيون للحديث عن الطائفية ومسبباتها، وطرق التعامل معها، بينما التفت عدد محدود جدا من الناس إلى أن ما حدث جريمة إرهابية، صحيح أن الانتحارى فجر نفسه أمام كنيسة، لكن الكثير من الناس فاتهم أن ما حدث لا يختلف كثيرا عن من وضع قنبلة وفجرها فى سوق مزدحم بالناس فى مدينة دهب، أو ألقى بقنبلة من فوق كوبرى فى ميدان التحرير، أو شخص فجر نفسه فى خان الخليلى. ما حدث هو جريمة إرهابية ويجب التعامل معها فى هذا السياق، ولا ينبغى النظر إليها باعتبارها جريمة طائفية، حتى ولو كان المستهدف هذه المرة كنيسة، ولا يجب توجيه الغضب إلى غير المنفذين، كما لا يجب أيضا أن تتسبب مثل هذه الجريمة فى إشعال نار الطائفية بمصر، لأنه ربما هذا هو الهدف الذى أراد من خططوا لهذه الجريمة ونفذوها إحداثه. مصر مستهدفة، والإرهاب لا يفرق بين الناس على أساس الدين، وهو اليوم ضرب كنيسة، وقد يضرب كنيسة أو مسجد غدا، طالما أن إشعال الفتنة فى مصر هو الهدف من مثل هذه الجرائم، وليس علينا فى هذه المواقف الصعبة سوى الوقوف صفا واحدا، والتراص لمنع الإرهاب من اختراقنا، وعدم السماح لدعاة الفتنة لاستغلال الفرصة لنشر دعوتهم الآثمة. لا يوجد إنسان عاقل فى العالم يقبل قتل الناس الآمنين فى الشوارع، وبالطبع لا يقبل أحد أيضا أن يكون القتل على أساس الدين أو الهوية.. لكن الخطأ كل الخطأ أن نترك الفاعل الصلى ينجو بجريمته بينما نحن مشغولون بتنفيذ مخططه.