تتحرك حالياً دولة الكويت لمحاولة رأب الصدع الخليجى، الذى تسبب فيه أمير قطر تميم بن حمد بتصريحاته المسيئة للجميع، وكذلك تصرفاته وسياساته التى أحدثت ضرراً شديداً بالأمن القومى العربى، سواء من خلال دعمه اللامحدود للإرهاب، أو تقربه المريب من إيران. الكويت فى كل تحركاتها تسعى إلى الوئام وتحقيق الوفاق، وهذا هو الدور الذى اعتدناه دوماً من أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لكن أعتقد أن هذه المرة الوضع أكثر تعقيداً لعدة أسباب، أهمها على الإطلاق أن دول الخليج باتت الآن أكثر اقتناعا بأن الصلح مع تميم ما هو إلا مضيعة للوقت، خاصة أن السوابق كلها تقودنا إلى ذلك، حيث سبق وأن قامت الكويت بإخراج الدوحة من أزمة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجى فى 2014، وهى الأزمة التى قامت خلالها ثلاث دول خليجية وهى السعودية والإمارات والبحرين فى مارس 2014 بسحب سفرائها من الدوحة، احتجاجاً على ممارسات قطر، وحينها نجحت الكويت فى التوصل إلى اتفاق بين قطر ودول الخليج، وهو الاتفاق الذى وافق عليه ورعاه حينها العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتضمن الاتفاق بنوداً ملزمة لقطر.
بنود اتفاق 2014 كانت تشمل وقف تدخلات قطر فى الشأن الداخلى لدول الخليج والدول العربية، ووقف التحريض الإعلامى القطرى، خاصة من جانب قناة الجزيرة، وعدم تجنيس أى مواطن من دول الخليج، والتوقف عن التحريض الذى تمارسه الدوحة ضد مصر، ووقف الدعم القطرى لجماعة الإخوان المسلمين، وإبعاد العناصر المعادية لدول مجلس التعاون عن الأراضى القطرية خاصة الإخوان، كما تضمنت بنود الاتفاق أيضاً عدم السماح لرموز دينية فى قطر باستخدام منابر المساجد والإعلام القطرى للتحريض ضد دول مجلس التعاون، خاصة السعودية والإمارات.
لكن ما حدث أن قطر لم تلتزم بهذه البنود سوى لأسابيع قليلة، ثم عادت مرة أخرى إلى سياستها القديمة والعدائية ضد دول الخليج، هو ما يعقد أى محاولة لإعادة الدوحة مرة أخرى إلى الحضن الخليجى، فالكل بات اليوم على يقين بأننا أمام شخص يراوغ ويعاند ويعتمد الكذب والنفاق وسيلته الوحيدة فى التعامل، فهو لن يستطيع أن يتخلى عن الجماعات الإرهابية التى أنفق عليها مليارات الدولارات طيلة السنوات الماضية، كما أنه لا يريد أن يتنازل عن حلمه فى تدمير المنطقة كلها، ليبقى هو فى المقدمة.
المشكلة ليست فى الوساطة الكويتية التى تلقى احتراماً من الجميع، لكن تبقى المشكلة فى الطرف الآخر، قطر وأميرها تميم، فكل التجارب السابقة أثبتت أنهم لا يلتزمون بالعهد، فضلاً عن ذلك، فإن الوضع الداخلى فى قطر ربما يدعو الجميع إلى الانتظار حتى تتضح الأمور، فمن تابع البيان الصادر عن فرع عائلة «أحمد بن على» التى تعتبر الطرف الثانى فى فرع «آل ثانى» الحاكم فى قطر، الذى احتوى على اعتذار لدولتى السعودية والإمارات، من الرسوم المسيئة للمملكة العربية السعودية التى نشرتها قناة الجزيرة، ووجهت العائلة اعتذارها أيضا للشعب السعودى، فالبيان كاشف لحالة الغليان المستتر بالقصر الأميرى الحاكم فى قطر، الذى لم يهدأ منذ إعلان قطر استقلالها عن بريطانيا عام 1971، فظهور هذا الفرع الآن يوحى بأن تميم مقبل على أيام ستكون فى غاية الصعوبة، ربما تؤثر على مستقبله، خاصة بعدما فطن الأشقاء فى قطر إلى حقيقة أن وجود تميم على رأس الإمارة سيضرهم، وسيؤدى إلى قطيعة شبه دائمة بينهم وبين أشقائهم فى الخليج، لذلك فإننى لا أستبعد أن تتم الإطاحة بتميم فى أى لحظة، وربما تشهد الأيام المقبلة تغيرات مقلقة لتميم والمجموعة المحيطة به.