مرشح القائمة الوطنية بالدقهلية يعتذر عن عدم خوض انتخابات النواب 2025    مسيرات بالطبل والمزمار ومؤتمرات تنظيمية لدعم مرشحي مجلس النواب 2025 بالمنيا (تفاصيل)    «تعليم الغربية» تعلن جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية    «هيئة الدواء» تبحث مع الهيئة السويسرية للأدوية آليات التعاون الفني وتنمية الخبرات    وزير المالية الكاميروني: «أفريكسيم بنك» يمول مشروعات تنموية ب480 مليون يورو في بلادنا    «نيويورك تايمز»: ترامب يترك واشنطن المتعثرة سعيا لصفقة مع الصين    سياسيون وأحزاب: مخاوف من تقويض اتفاق وقف النار في غزة.. والمشهد الميداني يتطلب سرعة تنفيذ المرحلة الثانية    «مفوضية الأسرى»: إسرائيل تحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين    سبب استبعاد نجم الزمالك قبل مباراة ديكيداها.. وموقفه من لقاء البنك الأهلي    نجم أهلي جدة يقترب من العودة أمام الباطن    إصابة شخصين في حادث تصادم دراجة بخارية بأبوتشت شمال قنا    بعد انبعاث رائحة كريهة.. العثور على جثة مُسن داخل منزله في بورسعيد    بعد نقله للعناية المركزة.. النيابة تنتقل إلى المستشفى للاستعلام عن الحالة الصحية لضحية «دهس الشيخ زايد»    إحداها مع عمرو دياب.. 4 إطلالات ل نيللي كريم خطفت بها الأنظار في مهرجان الجونة (صور)    «أيادي بلاد الذهب».. معرض ضمن احتفاء وزارة الثقافة بيوم ل«التراث غير المادي»    من عائلة فنية وبدأ مع نيللي كريم.. أبرز المعلومات عن عمر رزيق بطل فيلم «ولنا في الخيال حب»    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    بمكونات من مطبخك.. حضري الباوند كيك بالكاكاو للأطفال في منزلك (سهلة وبسيطة)    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    فيديو.. إعدام رمزي لنتنياهو في ولاية طرابزون التركية    حبس سائق بشركة توصيل شهيرة لتعديه على فتاة باستخدام سلك كهربائي بالتجمع الخامس    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    محافظ البحيرة: قروض ميسرة للشباب تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 20 مليون جنيه    البابا تواضروس والمجمع المقدس ينعيان الأنبا أنطونيوس مرقس مطران جنوب إفريقيا    الدماطي: منظومة الأهلي تشبه الهرم.. ومشروع الاستاد الحلم الأكبر    سفير مصر بكينيا يشارك في افتتاح معرض الفن المفتوح    بعد إعلان زواجهما.. منة شلبي وأحمد الجنايني يتبادلان رسائل الحب على السوشيال ميديا    الاثنين.. نادي سينما الأوبرا يعرض فيلم السرب على المسرح الصغير    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    لاعب بتروجت: أتمنى الانضمام للأهلي.. وفخور بتشبيهي ب علي معلول    غرفة السياحة: ضوابط الحج تشمل آليات والتزامات تضمن حقوق الحجاج وراحتهم وسلامتهم    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    ربة منزل تتهم زوجها بضرب ابنتهما وتعذيبها بسبب 1200 جنيه فى كفر الشيخ    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    نسبة التوافق العاطفى 80%.. ماذا يقول الفلك عن زواج منى شلبى وأحمد الجناينى؟    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    وزير الإسكان يتفقد الطرق والمرافق بمنطقة الأمل فى مدينة العبور الجديدة    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    ريال مدريد ضد برشلونة.. البارسا يختبر كوندى فى مران اليوم    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    محافظ الفيوم يتابع استعدادات الأجهزة التنفيذية لانتخابات «النواب» 2025    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية خلال 98 يومًا    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    الشروط والمستندات.. ما هي وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد؟    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    الاتحاد الأوروبى: ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية غير شرعى ولن نعترف بسيادتها عليها    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    جماهير ليفربول تدعم صلاح بأرقامه القياسية أمام الانتقادات    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر لقادة القمة العربية الأمريكية: ننتظر منكم قرارات حاسمة ضد الإرهاب
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 05 - 2017

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب،شيخ الأزهر الشريف، إن الإرهاب قدم الإسلام للعالَم فى صُورة همجية وحشيةٍ لم يعرفها تاريخ المسلمين من قَبلُ ،مضيفا يتم استغلال بعض وسائلُ الإعلام والتواصل الاجتماعى بتعمد على تقديم دينِ الرحمة للعالَم في صورة بشعة منفِّرة،لافتا إلى أن هناك موجةً عاتية من ثقافة الكراهية غَزَت عقولَ بعضٍ من شبابنا المُغرَّرِ بهم، وهيَّأتهم لتنفيذ خطَّةٍ خبيثةٍ أُحكِم نَسجُها فيما وراء البحار.
وأضاف فى كلمته بالنسخة الاستثنائية من ملتقى "مغردون" الذى تطلقه مؤسسة ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز "مسك الخيرية"، بحضور عدد من كبار العلماء وزعماء الدول وقادة سياسيين ودبلوماسيين وشباب إلى جانب مفكرين وصناع رأي في مجال مكافحة الإرهاب من أكثر من 40 دولة، بالإضافة إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب،أن هناك من استغل ما يوجد في سياسات التَّعليم ومُخرجاتِه فى بلادنا من منافذ أو نقاط ضعفٍ نفذوا منها إلى تجنيد بعض الشباب فى يُسْرٍ وسهولة،مشيرا إلى أن الفئة الضالة استغلت تأويلاتٍ وتفسيراتٍ منحرفة وأقوال فقهية وعقدية مرتبطة بنوازل بعينها واتخذت منها نصوصًا محكمةً للتبديع والتفسيق ثم تكفير كل من يخالفها.
وتابع :الفئة الضالة استغلت التقدم التقنى الهائل في ترويج هذه أفكارهم المسمومة بين الشباب،مضيفا أن القراءاتِ الخاطئة لهذا الفكر التكفيري، والتباطؤَ في إدانته إدانةً حاسمةً، كلُّ ذلك ساعد على استفحال هذا الوَباء وانتشاره بين الشباب،موضحا أن الأزهر أنشأ مرصدا إلكترونيا عالميا بهدف وقِفُ الإغراق التكفيرى والمذهبي والطائفى السابح فى الفضاء الإلكترونى.
كما وجه شيخ الأزهر رسالة إلى شباب الأمة قائلا:اعلموا أن المتطرف والإرهابي هما أسرع الناس مروقًا من الدِّين، وأن الساعين فى هدم الأوطان سيلعَنُهم التاريخ، وأنهم سيذهبون وتبقى الأوطان شاهدة على انحرافهم ،واعلموا أن سبيل نشر الإسلام حددها القرآن الكريم فى الحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتى هى أحسن، وليس بالأحزمة الناسفة والمتفجرات.
كما وجه شيخ الأزهر رسالة إلى قادة "القمة العربية الإسلامية الأمريكية" وزعماءها : ننتظرُ منكم قراراتٍ حاسمةٍ، تقضي على الإرهاب وتجفِّف مصادره ومنابعه، وتوقِفُ العبثَ بدماء الشعوب وبأمن أوطانها ومقدَّراتها، و تمكنها من حقِّها فى حياة آمنةِ وعَيش كريمٍ ،و فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى .. وننتظر وقفةً عادلةً لتحقِّقُ الأمنَ والسلام والاستقرار لشعب فلسطين ولشعوب العالمين العربي والإسلامى.
وفيما يلى نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور الكريم!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد؛
فأظنكم تتفقون معي في أنه لا وقت لدينا لتَرَفِ المُقدِّمات ومُحسِّنات الألفاظ والكلام المنمَّق وما إلى ذلك مِمَّا تُقيَّم به الكلماتُ والخُطَب في مثل هذه المحافِل المحوريَّة التي ترصُد الواقِع وأزماته.. وقد أحسَنَت مُؤسَّسَة «مِسْك الخيرية» حين أمسَكَت برأسِ الدَّاء ووضعته على طاولةِ البحث، وأخضعته للتفكيك وسَبرِ الأغوار وطرح وجهات النَّظَر، من مختلف الزَّوايا وتبايُن الآراء والأنظار.
أمَّا وجهة نظري التي أسعدُ بالمشاركةِ بها في هذه النَّدوَة الهامَّة فقد تَسْمَحُون لي أنْ أعرضها مُلخَّصة في إيجاز أرجو أن لا يكون مخلا، وأن يعبِّر عن الواقع البئيس الذي يُعاني منه الشَّرق والغَرب الآن، أكثرَ مِمَّا تُعبِّر عن الأماني والآمال التي لا تنزل إلى أرض الواقع، ولا تواجه ما يجري عليه من مصائِب وآلام.
.. .. ..
-ولعله لا يتمارى أحد –الآن- في أنَّ عِلَّة العِلَل وأصل الدَّاء في أُمَّتنا العربيَّة والإسلاميَّة، هو نسيانُها الدَّائِم المُتكرِّر- عن قصدٍ أو غير قصد - لكتابهم الإلهي الكريم، الذي صنع منهم أُمَّة واحدة قادَت العالَم وأنارته وعلَّمَته قِيَم العدل والأخوَّة والمُساواة، وكيف يمتلكُ عناصر القُوَّة الماديَّة والمعنويَّة..
في هذا الكتاب المبين؛ الذي هو حُجَّةُ الله على المسلمين في الدنيا والآخرة، آيةٌ مُحكَمةٌ صريحةٌ تَنهَى المسلمين والقائمين على أمورهم، ومن بينهم: العُلَماءُ الذين هم ورَثَةُ الأنبياء، تنهاهم جميعًا عن التنازُع والتفرُّق والاختلاف، وتحذِّرهم من الفشلِ والوَهْن والهوان الذي ينتظرهم كنتيجةٍ حتميَّةٍ مؤكَّدة، إن هم خرجوا على هذا «القانون الإلهي» الذي عرفت قِيمتَه أمم أخرى استعصمت به وتوحَّدت مصالحها الكُبرى من حولِه رُغمَ تباينهم: لُغةً وعِرقًا وثقافةً ومذهبًا.. هذه الآية هي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال :46].
لننظُر أيُّهَا السَّادَة من حولنا، هل نجد لهذه الحُروب التي تأكلُ الأخضر واليابسَ من سببٍ غيرَ التَّنازعِ وما أدَّى إليه من فشلٍ وذهابِ رِيحٍ حذَّرنا منهما القُران الكريم! ولننظر كيف أنَّ الحربَ العالميَّةَ الأولى لم يَزِد عُمرها على سنواتٍ أربع، والحَربَ العالميَّة الثانية بدأت وانتهت في غضونِ سنواتٍ سِتٍّ.. فكم من سَنَةٍ مضت الآن على الحرب التي اندلعت في منطقتِنا ولم يَخْبُ لها أُوَارٌ حتى الآن، وكلما أَوشَكَت أن تكون وميضًا بُعثت من جديدِ لتكون أذكَى ضِرامًا مِمَّا كانت عليه.
وإنه وإن كانت الفُرقة هي أصلَ الدَّاء وعِلَّتَه؛ فإنَّ أمانةَ الكَلِمَة تستوجِب أنْ أضم لهذا السَّبب سببا آخر يَستغلَّ جَوَّ الاختلاف أسوأ استغلالٍ، وهو: الأطماع العالميَّة والإقليميَّة التي لاتزال تُفكِّر بعقلية المُستَعْمِرين، أو عقلية الحالمين باستعادة ماضٍ قام على نزعة التغلب العِرقي والتَّمدُّد الطائفي، وإن كانت هذه الأطماع المريضة مما لا يُقرّها الدِّينُ ولا الخُلُق الإنساني، وتأباها المواثيق الدوليَّة، ويرفُضُها شُرفاء العالَم المتحضِّر وحكماؤه .
إن هذا الدَّاءَ الذي أُصيبت به الأُمَّة أخيرًا، وأَطْمَعَ فيها أعداءها والمتربِّصينَ بها، لم يُؤتِ ثماره المُرَّة فقط فيما تركه من تقهقُرٍ وتخلُّف على كافة الأصعدة، وإنما كان له تأثيرُه البالِغُ السُّوء في فهم شريعة الإسلام واضطراب هذا الفهم في أذهان الناس، وبخاصةٍ الشبابَ منهم، هذا الأثرُ الذي تبلورَ أخيرًا في ظاهرة الغلو والتَّشدُّد والتطرُّف، ثم الإرهاب - الذي استطاع بكلِّ مَرارة وألم - أن يُقدِّم هذا الدين الحنيف للعالَم في صُورة الدين المتعطش للقتل والذبح والدماء، وبصُورةٍ همجية وحشيةٍ لم يعرفها من قَبلُ تاريخ المسلمين الذي بلغ عُمرُه الآن ما يَقرُبُ من خمسةَ عَشَر قَرنًا من الزمان، ولو أن أعدَى أعداءِ المسلمين أراد أن يَكِيدَ للإسلام وينفِّر منه ويصدَّ الناس عنه لما استطاع أن يَبلُغَ عُشَْر مِعشارِ تأثيرِ صورة واحدةٍ من صور الذبح والقتل والتفجير في الآمنين، والتي تبثُّها بعضُ سائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عَمدًا وإصرارًا على تقديم دينِ الرحمة للعالَم في هذه الصورة البشعة المنفِّرة، وأنها الصورة التي يَجبُ على العالَم الآن أن يتصوَّر الإسلامَ من خلالها، ووراءَ ذلك من خيانة التاريخ والافتراء على الحقِّ والإنصافِ ما يكون عادةً وراءَ الأكَمَةِ عادةً من أيادٍ خفيَّةٍ تَعبثُ بمصائر الشُّعوب ومقدِّرات الأوطان.
وإذا كُنَّا بصدد البحث عن أهم أسباب هذه الظواهر الغريبةِ على الإسلام والمسلمين وحضارتهم: شكلًا وموضوعًا وتاريخا؛ فإني لا أرتابُ في أن موجةً عاتية من ثقافة الكراهية غَزَت عقولَ بعضٍ من شبابنا المُغرَّرِ بهم، وهيَّأتهم لتنفيذ خطَّةٍ خبيثةٍ أُحكِم نَسجُها فيما وراء البحار، بعد ما وَجَدَت في سياسات التَّعليم ومُخرجاتِه في بلادنا منافذ أو نقاط ضعفٍ نفذوا منها إلى تجنيد هؤلاء في يُسْرٍ وسهولة.. ولا أريد أن أتوقَّف طويلًا عند أزمة التعليم في عالمنا العربي والإسلامي، وإنما أكتفي بالقول بأنه تعليمٌ سمحت بعضُ مناهجه بالتوقُّف عند التراكمات التاريخية لنزعات الغلوِّ والتشدُّد في تراثنا، والتي نشأت من تأويلاتٍ وتفسيراتٍ منحرفة لبعض نُصُوص القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة وأقوال الأئمة، أستُغِلَّت في فَرزِ عقائد الناس وتصنيفهم لأدنى سبب أو ملابسةٍ، ودفعت أصحاب الفهوم المعوَجَّة إلى أقوال فقهية وعقدية قيلت في نوازل ارتبطت بفترة زمنية معيَّنة، واتخذوا منها نصوصًا محكمةً وثوابتَ قطعية تُحاكي قواطع الكتاب والسُّنَّة، وجعلوا منها معيارًا للتبديع والتفسيق ثم التكفير.
وقد رأينا جماعاتهم يجترئون في اندفاع أهوج، وجهالة عمياء على تكفير الحُكَّام وتكفير المحكومين لأنهم رَضُوا بحُكَّامهم، وكذلك يُكفِّرون العلماء لأنهم لا يُكفِّرون الحكام، وهم يكفرون كلَّ من يرفضُ دعوتهم، ولا يبايع إمامهم، وكلَّ الجماعات التي لا تنضم إليهم «وقد اعتبروا كلَّ العصور الإسلامية بعد القرن الرابع عصورَ كُفرٍ لتقديسها لصَنَم التقليد المعبود من دون الله»([1]).. ولست في حاجة إلى تسليط الضوء على العلاقة الوُثقى بين مذاهب التكفير وبين ثقافة الكراهية ورفض الآخر وازدرائه.
وقد زاد من نشر هذه الثقافة الكريهة استغلالُ هذه الفئة الضالة التقدم التقني الهائل في ترويج أفكارهم المسمومة بين الشباب، وبأساليب مدروسة تُغري ضحاياها بالارتباط العقلي والعاطفي ثم بالانخراط السلوكي والعملي..
أيها الحفل الكريم!
أرجو ألا أكون قد كرَّرتُ على مسامِعِكُم كلامًا قد تعلمونه من قبلُ، ولكنه توطئةٌ - لا مَفَرَّ - منها للبحث عن مخرج غير تقليدي لهذه الأزمة التي ألصقت أشنعَ الجرائم وأبشعَها بالإسلام والمسلمين.. وأزعمُ أن القراءاتِ الخاطئة لهذا الفكر التكفيري، والتباطؤَ في إدانته إدانةً حاسمةً، كلُّ ذلك ساعد على استفحال هذا الوَباء وانتشاره بين الشباب..
ومع كلِّ ذلك فلا أزعمُ أن النَّفَقَ كلَّه مُظلمٌ من أوَّله إلى آخرِه، فهناك العديد من نقاط الضوء والأمل، إن صحَّ العزم وخلصت النوايا واتحدت الكلمة وتوحَّدت المصلحة..
وإذا كنا قد اتفقنا على أن هذا الشباب إنما اختطف من بين أيدينا للأسباب التي ذكرناها، فعلينا أن نعترف في جِدِّية وشجاعة بوجوب إعادة النظر في التعليم ومناهجه بمختلف مراحله، وهذا يتطلب تنسيقًا جادًّا بين مسؤولي مؤسسات التعليم الديني ومسؤولي التربية والتعليم والجامعات، والثقافة والشباب والرياضة، لوضع استراتيجية تعليمية متكاملة يُقدَّم فيها الدِّين في الصورة التي أرادها الله له: هُدًى ورحمة وتيسيرًا للناس ورفعًا للحرج عنهم، وإرساءً لمبدأ حُرمةِ الدِّماء، وعصمة الأموال والأعراض، وترسيخًا لقيم الأخوة والتسامح.
وإذا كُنَّا قد اتفقنا أيضًا على خطر الاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأزمة، فقد آن الأوان لنفكر جميعا للبحث عن وسيلة توقِفُ هذا الإغراق التكفيري والمذهبي والطائفي والذي يسبح في الفضاء الإلكتروني بلا ضابط ولا رابط، وتردعَ التسابق المحموم في إفساد الشباب، وتمنع المدّ التخريبي الذي يمهِّد لسياسات الاستعمار الجديد ومشاريع التقسيم والتجزئة وإذلال الشعوب.
هذا وقد تنبَّه الأزهر الشريف لهذا الخطر المحدِق بشباب الأمَّة؛ فأنشأ مرصدا إلكترونيا لمكافحة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتحصين الشباب من ثقافة العنف والكراهية، ويعملُ به أكثرُ من مئة باحث من شباب الأزهر، يبثون رسائلهم بإحدى عشرة لغة، وذلك في إطار استراتيجية جديدة تستهدف توظيف كافة وسائل الاتصال الحديثة في التصدي للفكر الإرهابي.
رسالتي اليوم لبناتي وأبنائي من شباب الأمّة هي: أن يَستمسكوا بإسلامهم الذي يحترم إنسانية الإنسان، ويحرم القتل ويصون العِرض، ويعتزوا بنبيهم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس: إنما أنا رحمة مهداة».
واعلموا أيها الشباب أن الناس ينبذون الأديان ويكفرون بها حين يشيع فيها الغلو والتطرف ، وحين يكون القتل أداة التعريف بها، وأسلوب الدعوة إليها، واعلموا أن المتطرف والإرهابي هما أسرع الناس مروقًا من الدِّين، وأن الساعين في هدم الأوطان سيلعَنُهم التاريخ، وأنهم سيذهبون وتبقى الأوطان شاهدة على انحرافهم..
واعلموا أن سبل نشر الإسلام حددها القرآن الكريم في الحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن، وليس بالأحزمة الناسفة والمتفجرات.
أيها الشباب المسلم!
كن سيِّد نفسك ولا تكن عبدًا لما تتلقاه من وسائل التواصل الاجتماعي من أباطيل وأضاليل.. واعلم أنك مسؤول يوم القيامة عن «عقلك»: هل ميَّزت به بين الحق والباطل، أو رهنته لآخَرين يعبثون به كما يريدون ووقتما يشاؤون..
وفي ختام كلمتي أذكِّرُ قادةَ "القمة العربية الإسلامية الأمريكية" وزعماءها بأن شعوب المنطقة التي مزقتها الحروب، وشرَّدت أهلَها في الفيافي والقفار، وبدَّلت أمنهم رُعبا وفزَعا، وأذاقتهم مرارةَ اليُتمِ والثُّكْلِ والترمُّل وأورثتهم فقرا ومرضا وجوعًا تشريدًا، هذه الشعوب تنتظرُ من هذه القمة التاريخية قراراتٍ حاسمة، تقضي على الإرهاب وتجفِّف مصادره ومنابعه، وتوقِفُ العبثَ بدماء الشعوب وبأمن أوطانها ومقدَّراتها، وأن تضمن لها حقَّها في حياة آمنةِ وعَيش كريمٍ.
كما أذكِّر أن القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى تأتي في مقدمة القضايا التي تنتظرُ من هذه القمة العالميَّة وقفةً عادلةً تحقِّقُ الأمنَ والسلام والاستقرار لشعب فلسطين ولشعوب العالمين العربي والإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.