قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الجمعة، فى بيان لها، حصلت اليوم السابع على نسخة منه، إن على مصر أن تفرج فوراً عن ستة رجال محتجزين منذ أكثر من 90 يوماً من دون توجيه تهم ضدهم، منذ اعتقالهم إثر إضراب عمالى وتظاهرات فى الشوارع بمدينة المحلة الكبرى فى أبريل الماضى. كما طالبت "هيومن رايتس ووتش" السلطات بتجميد إجراءات التقاضى بحق 49 آخرين تنظر قضاياهم محكمة أمن الدولة، التى تنتهك مجريات التقاضى فيها حقوق المحاكمة العادلة، كما طالبت بالتحقيق فى مزاعم بعض الرجال بالتعرض للتعذيب. وتم اعتقال الرجال – الذين نشرت "هيومن رايتس ووتش" أسمائهم – بعد أن منع آلاف من عناصر الأمن العمال من الإضراب احتجاجاً على عدم الوفاء بوعود زيادة الأجور، فى 6 أبريل فى مصنع مصر للغزل والنسيج فى المحلة. وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومن رايتس ووتش: "لم تتوقف الحكومة عند حد انتهاك حق العمال فى الإضراب، بل أيضاً رفضت إعطاء من تم القبض عليهم حقوقهم الأساسية فى إجراءات التقاضى السليمة". وتابعت قائلة: "وليس ثمة ما يبرر تعذيب المتظاهرين واحتجازهم لأجل غير مسمى دون توجيه تهم ضدهم". وتم اعتقال ستة رجال يومى 6 و7 أبريل، ثم تم احتجاز 32 آخرين، أثناء مداهمات استغرقت ثلاثة أيام فى 21 و22 و23 أبريل وتم احتجاز الرجال لأكثر من ثلاثة أشهر دون توجيه تهم ضدهم، مع عدم وضوح طبيعة الجرائم التى زُعم ارتكابهم لها. أما الرجال ال32 الآخرين المحتجزين حالياً، فقد تم احتجازهم دون توجيه لتهم ضدهم "على ذمة التحقيق" حتى 6 يونيه، ثم وجهت إليهم النيابة فى ذلك اليوم التهم، وأحالت قضاياهم مع قضايا 17 شخصاً آخرين إلى محكمة أمن الدولة العليا. وكانت النيابة العامة فى طنطا قد أحالت 49 قضية إلى محكمة أمن الدولة العليا، طبقاً للائحة الاتهام التى حصل عليها محامو الدفاع. وجميع الرجال ال49 يواجهون طيفاً واسعاً من الاتهامات، تشمل المشاركة فى تجمع من خمسة أشخاص أو أكثر "من شأنه تكدير الأمن العام" فى مخالفة لقانون الطوارئ المصرى، وكذلك تدمير الممتلكات العامة، وحيازة الأسلحة النارية بصفة غير قانونية، والاعتداء على رجال الشرطة. ويقول محامو حقوق الإنسان المصريون إنه يمكن أن يواجه هؤلاء الرجال السجن لفترات مطولة، بما أن القضاة يمكنهم زيادة الأحكام الجنائية فى القضايا المتصلة بالأمن القومى أو النظام العام. وقال محتجزان سابقان من المحلة ل"هيومن رايتس ووتش"، إن قوات الأمن قامت بتعذيبهما أثناء الاحتجاز. وقامت شرطة المحلة فى 10 أبريل الماضى، باعتقال جيمس باك، طالب الصحافة الأمريكى، ومعه محمد مرعى، طالب الطب البيطرى البالغ من العمر 23 عاماً، الذى كان يعمل مع الأول مترجماً. وقال باك ل"هيومن رايتس ووتش" إن النيابة العامة فى المحلة أمرت بإخلاء سبيلهما فى وقت لاحق من الليلة نفسها، لكن الشرطة اعتقلتهما مجدداً بعد لحظات، ثم أفرجت عنه فيما بعد. من جهته، قال مرعى ل"هيومن رايتس ووتش" إنه تم نقله فى 11 أبريل إلى مقر أمن الدولة فى المحلة، حيث استجوبه الضباط لعدة ساعات وقاموا بضربه وركله فى الرأس والأعضاء التناسلية، وهددوه بالصعق بالكهرباء بتقريب سلك كهربى من رأسه، بحيث تمكن من سماع التيار الكهربى. وقال إن عناصر أمن الدولة هددوا بوضعه "فى فرن"، وإن قدميه ويديه كانت موثوقة بإحكام، أثناء الاستجواب حتى أنه فقد الإحساس بها لأربعة أيام. وتم ضربه "حتى فقد الوعى" وتعصيب عينيه، قبل نقله إلى مركز الاحتجاز ثم حبسه انفرادياً مدة 19 يوماً. وقال مرعى إن أسرته حاولت زيارته، لكن ضباط أمن الدولة أنكروا احتجازه لديهم. ثم نقلوه إلى سجن برج العرب القريب من الإسكندرية، وقام فيه بالإضراب عن الطعام مرتين احتجاجاً على استمرار احتجازه. ولم ير أسرته لمدة 32 يوماً، ولم يقابل محامياً طيلة 42 يوماً. ثم تم الإفراج عنه فى 5 يوليو، بعد 87 يوماً من الاحتجاز، دون حتى إطلاعه على أية تهم موجهه ضده. وقال كريم البحيرى، العامل بمصنع النسيج الذى كتب مدونة تساند الإضراب المُخطط له، ل"هيومن رايتس ووتش"، إنه بعد أن اعتقلته قوات الأمن فى ساعة مبكرة من صباح يوم 6 أبريل، تم احتجازه طيلة ثلاثة أيام دون منحه طعام أو شراب فى مقر أمن الدولة ب"المحلة". وقام عناصر أمن الدولة بتعصيب عينيه وربط يديه وقدميه وصعقوه بالكهرباء، فى كافة أجزاء جسده أثناء الاستجواب. وقال كريم البحيرى إن المحققين قالوا له إنهم سيعذبون أمه وشقيقته إذا لم يتعاون، وإن عليه الكف عن الدفاع عن حقوق العمال. وقال: "قالوا إننى يجب أن أكف عن قراءة الصحف وأن ألتزم الصمت". وتم نقل البحيرى إلى سجن برج العرب القريب من الإسكندرية. وقال محاميه أحمد عزت، إن محكمة الجنح فى طنطا أمرت بإخلاء سبيل البحيرى فى 16 أبريل، وفى اليوم التالى أكدت محكمة جنايات طنطا الأمر بالإفراج. إلا أن فى 21 أبريل، وقبل إخلاء سبيل البحيرى، أمرت نيابة طنطا باحتجازه مجدداً. وقال البحيرى إنه أضرب عن الطعام مرتين احتجاجاً على احتجازه ثانية. وفى 31 مايو تم نقله إلى أمن الدولة فى طنطا، حيث قال إن الضباط عذبوه مجدداً وحذروه من التحدث إلى الصحفيين الأجانب، قبل أن يفرجوا عنه فى وقت متأخر من الليلة نفسها. والبحيرى مصاب حالياً بألم فى الساق، وفقدان للذاكرة وألم فى الرأس، ويكابد صعوبات فى تناول الطعام. وقال ل"هيومن رايتس ووتش" بأنه يتلقى تهديدات بأنه سيخسر عمله فى مصنع نسيج المحلة. وقالت سارة ليا ويتسن إن "الإفلات من العقاب جراء التعذيب يستمر فى تقويض سيادة القانون فى مصر". ومصر ملزمة بتقديم كل من يُحتجز على ذمة أعمال جنائية للمحاكمة، خلال فترة زمنية معقولة أو أن يتم إطلاق سراحه بانتظار محاكمته، بحسب المادة 9 (3) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذى صدقت عليه مصر فى عام 1982. كما أن مصر ملزمة باحترام حقوق الأفراد فى الحرية والأمن وكذلك عدم التعرض للاعتقال التعسفى، بموجب المادة 9(1) من العهد ذاته. ويشمل الاحتجاز التعسفى أن يتم احتجاز الشخص رغم أمر من المحكمة بإخلاء سبيله. وتم تأسيس محكمة أمن الدولة العليا بموجب قانون الطوارئ لسنة 1980، وهى تتبع إجراءات تنتهك المعايير الدولية المعترف بها الخاصة بالمحاكمة العادلة. وفى انتهاك لضمانات استقلال القضاء، يمكن أن يفصل فى الأحكام قاضيان عسكريان، إلى جانب القضاة المدنيين الثلاثة الذين يشكلون هيئة المحكمة الأساسية. وعلى مصر، وفاءً بالتزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان، أن تفرج فوراً عن الرجال الستة المحتجزين دون اتهامات، وأن تلغى إحالة 49 قضية إلى محكمة أمن الدول العليا، وأن تحقق فى مزاعم التعذيب بحق مرعى والبحيرى. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن مصر هى ثانى أكبر دولة متلقية للمساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية بعد إسرائيل. وعلى الولاياتالمتحدة أن تضمن أن أية مساعدة ترسلها إلى جهاز أمن الدولة المصرى تكون مشروطة بالتزام السلطات المصرية بقانون حقوق الإنسان واحترام إجراءات التقاضى السليمة، ووضع حد للتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية، وكذلك مقاضاة الجناة مدنياً.