بين السلطة القضائية والإعلام بجميع وسائله المسموعة والمكتوبة والمرئية، هناك مبادئ أساسية دستورية وقانونية تحكم العلاقة بينهما، وهذه المبادئ تتمثل فى استقلال السلطة القضائية وفى اختصاص المحاكم القضائية بإقامة العدالة وكذالك بعلنية جلسات المحاكم فى ما عدا الحالات التى يقتضيها النظام العام والآداب بصفة مؤقتة مع ذلك فى جلسة علنية ولابد من احترام حق الدفاع وأن يكون لكل متهم فى جناية محام. من مجموع هذه المبادئ تضمن كذلك قانون العقوبات المصرى مجموعة من الجرائم المعاقب عليها جنائياً والتى تتصل بالمحاكم والقضاة، من أهمها التأثير على القضاة والمساس بهيبة القضاة. وعدم احترام النظام فى جلسات القضاء والمساس بالأحكام التى تصدر من المحاكم والأحكام النهائية الباتة وبصفة عامة عدم احترام نظام الجلسات القضائية وهنا يقرر القانون، سواء المرافعات أو الإجراءات الجنائية، أن حفظ النظام فى الجلسة لرئيس المحكمة وهو الذى قرر العلانية أو السرية ويسمح بالكلام، وهو الذى لديه سلطة العقاب على أى إخلال بنظام الجلسة، وهو الذى يستطيع أن يمنع بقاء من يثير الشغب أثناء المحاكمة. أما بالنسبة للإعلام الذى يفترض فيه أن تكون رسالة جميع أنواعه إعلام الشعب والرأى العام بالأخبار التى تهمه وما يجرى فى المحاكم استناداً للدستور الذى ينص على أن الشعب مصدر السلطات وأن المحكمة تصدر الحكم باسم الشعب الذى له الحق فى مشاهدة ومراقبة ما يجرى فى القضايا المختلفة بناء على مبدأ علانية الجلسات فى المحاكم. كما أن رؤساء المحاكم هم من لديهم تقدير مدى الانزعاج أو الاضطراب فى سير العدالة بالجلسة من رجال الإعلام الذين يفترض عليهم احترام هيبة الجلسة على الجميع، لاحظ أن علنية الجلسات لم تعد مقيدة بالتخلف التكنولوجى الذى كان متواجدا فى القرون الماضية وهو أمر اختفى هذه الأيام، وتتسع دائرة العلنية الممكنة عما يجرى بالجلسات من مجرد الحضور والتسجيل الصوتى لما يجرى فيها ويمكن نقله بالأقمار الصناعية والكاميرات إلى العالم بأكمله ولا يمكن تصور حظر دخول الأدوات الخاصة بالنشر الفضائى طالما كان منظماً تحت إشراف وتحكم رئيس المحكمة بما لايزعج سير العدالة وإنما يكون المحظور هو ارتكاب الإعلام سواء داخل الجلسة أو خارجها فى المؤسسات الإعلامية جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، وكما أنه لايجوز الحظر الشامل الكامل لعملية الإذاعة الفضائية فإنه يجوز كذلك التعليق بلغة محترمة على مايجرى فى هذه الجلسات بما لايمس هيبة القضاة والتأثير على استقلالهم ولا يضر حق الدفاع والمختصمين فى ممارسات دفاعهم ورؤيتهم وسماع أوسع نطاق لهذا الدفاع. المفروض أن هناك معايير موضوعية، فلا يجوز لجهة إعلامية أو غيرها أن تحل نفسها مكان القضاء وأن تمارس عملية إجراءات لسماع الشهود والدفاع وتقرير ما يجب أن يكون عليه الحكم القضائى، فكل هذا محظور بمواد القانون، وهناك بعض برامج «التوك شو» تكاد تكون مدفوعا ثمنها للدعاية إلى بعض القضايا الخاصة برجال الأعمال، لذلك يجب على النيابة العامة أن تطبق نصوص قانون العقوبات فى هذا الشأن لمراعاة أحكام الدستور. وفى هذا السياق فإن رؤساء المحاكم هم المختصون ببث ونشر وقائع الجلسات من عدمه وأن البيان الصادر عن مجلس القضاء الأعلى بخصوص حظر نقل هذه الوقائع إعلامياً ليس له علاقة بإدارة الجلسات، ولا دخل له بسير العملية القضائية، فكل وظيفتهم مراقبة القضاة وانتدابهم ونقلهم فقط، كما أن الإعلام، كما قلت سابقاً، يؤدى رسالته فى نشر الخبر وهى رسالة موازية ولازمة للسلطة القضائية بحكم علنية أداء هذه السلطة ورسالتها فى أداء العدالة، خصوصا وهى مستمدة من الشعب.