إشادة برلمانية وحزبية بكلمة السيسي في ذكرى تحرير سيناء.. حددت ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية.. ويؤكدون : رفض مخطط التهجير ..والقوات المسلحة جاهزة لحماية الأمن القومى    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    على مدار 3 أيام، ثبات سعر اليوان الصيني في البنك المركزي    أسعار اللحوم اليوم 26-4-2024 بعد انخفاضها بمحال الجزارة    الذهب يتجه عالمياً لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    لمناقشة إصلاح العدالة الجنائية، هاريس تستضيف كيم كارداشيان في البيت الأبيض    طيران الاحتلال يشن غارات على حزب الله في كفرشوبا    الطلاب المؤيدون ل غزة يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومبيا الأمريكية|شاهد    فرنسا تهدد بعقوبات ضد المستوطنين المذنبين بارتكاب عنف في الضفة الغربية    عودة نيدفيد.. مصراوي يكشف تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة مازيمبي الكونغولي    «شرف ليا ولكن».. رمضان صبحي يكشف موقفه من الانضمام للأهلي أو الزمالك في الصيف (فيديو)    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 27 أبريل 2024 | إنفوجراف    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    166.7 مليار جنيه فاتورة السلع والخدمات في العام المالي الجديد    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    مبادرة مقاطعة الأسماك: التجار حاولوا لي ذراع المواطنين فقرر الأهالي المقاطعة    القومي للأجور: جميع شركات القطاع الخاص ملزمة بتطبيق الحد الأدنى    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    الإنترنت المظلم، قصة ال"دارك ويب" في جريمة طفل شبرا وسر رصد ملايين الجنيهات لقتله    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 26/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    هل تتغير مواعيد تناول الأدوية مع تطبيق التوقيت الصيفي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الرابع
نشر في اليوم السابع يوم 26 - 06 - 2008


الفقهاء وعهد القيود والسدود
الفقهاء القدامى
عوامل عديدة أدت لأن ينتهي مع نهاية الحقبة النبوية والخلافة الراشدة عهد تحرير المرأة وحصولها على حقوق وضمانات ومشاركتها في الحياة العامة ثقافية أو سياسية ، وأن يبدأ عهود القيود والسدود ..
من هذه العوامل :
(1)أن تقاليد الجاهلية وعاداتها كانت شديدة التغلغل في أعماق المجتمع العربي ، ولم يكن من السهل على الإسلام اقتلاعها أو استئصالها حتى وإن أمكن التأثير عليها أو القضاء على أسوأ مظاهرها وقد قال عمر بن الخطاب "والله ما كنا نعد النساء شيئا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل" وهو اعتراف لا يتضمن صراحة الترحيب بما أنزل الله أو الاطمئنان القلبي له ، حتى وإن شمل الرضوخ له ، وقد يصور ذلك أن الرسول أمر بأن لا يمنعوا النساء من شهود الصلوات بالمساجد ، ولكن هذا لم يكن موضوع الترحيب ، وقد ذكر عبد الله بن عمر هذا الحديث وسط أبنائه فقال أحدهم له " بلى والله لنمنعهن" ! وفي رواية "لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلاً" ، مما يفيد الشك والظن إلى جانب الرفض ، وما يصور عمق الجذر الجاهلي ، وإن كان إيمان عمر بن الخطاب والزبير بن العوام حال دون منع زوجتيهما (1) ، من شهود الصلاة بالمسجد فإنهما حاولا ذلك بالطرق الودية ، وتوصل إليه الزبير بالحيلة وهو ما يصور أن توجيهات الإسلام بالنسبة للمرأة لم تنزل من العرب منزل الرضا والترحيب ، وأنه كان هناك عرق ينزع نحو تقاليد الجاهلية .
وقد يصور ذلك أن أبا بكر وجد عند زوجته أسماء بنت عميس رجالاً من بني هاشم فكره ذلك وذكره للرسول  فنفى عنها الرسول  أي مظنة سيئة وقال "إن الله برأها من ذلك" ثم اعتلى المنبر وأمر بأن لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو أثنان ( رواه مسلم) .
وقد يصور هذا أيضا ما روى عن المغيرة بن شعبة لما أراد أن يتزوج من الأنصار فقال له الرسول "انظر إليها فإنها أحرى أن يؤدم بينكما" .. فأتى أبويها فأخبرهما بقول رسول الله فكأنما كرها ذلك فسمعت بذلك المرأة وهي في خدرها فقالت إن كان رسول الله أمرك أن تنظر فانظر قال المغيرة فنظرت إليها فتزوجتها" رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وابن حبان والدارمي فانظر كيف أن أبويها "كرها" أمر الرسول بالنظر ، وأن الفتاة هي التي سمحت بالنظر إما تقديرًا لأمر الرسول ، وإما لأنها صاحبة المصلحة .
ومرة ثالثة قد يصور هذا ما أورده صاحب الأغاني من أن الدلال ، وهو أحد المتهتكين كان ملازمًا لأم سعيد الأسلمية ، وبنت يحي بن الحكم بن أبي العاص ، وكانتا من أمجن النساء ، كانتا تخرجان فتركبا الفرسين فتستبقان عليهما حتى تبدو خلاخيلهما ، فقال معاوية لمروان اكفني بنت أخيك بنت يحيي بن الحكم فقال أفعل فاستزارها ، وأمر ببئر فحفرت في طريقها وغطيت بحصير فلما مشت عليه سقطت في البئر فكان قبرها .
فهذا الحادث لا يختلف عن الوأد الجاهلي القديم بل هو أشد لأنه حدث بعد الإسلام ، وبالنسبة لشابة كبيرة ، وكان يمكن تفهيمها "بالحكمة والموعظة الحسنة" ولكن حمية الجاهلية ونعرتها تحكمت وأدت إلى القتل الذي حرمه الله تحريمًا غليظًا فأين يذهب من الله هذا القاتل .. إذا سئلت هذه المؤودة بأي ذنب قتلت ؟
هذه الشواهد كلها تثبت أن المجتمع العربي أيام الرسول  وحتى بالنسبة للصحابة كان متأثرًا بتقاليد الجاهلية في حجب المرأة ولم يستوعب تمامًا أثر الإسلام على هذه التقاليد أو يزيل هيمنتها على نفوس بعضهم .
فإذا كان هذا هو الحال في العصر الإسلامي الأول، فلنا أن نتصور الدرجة التي تدهورت إليها منزلة المرأة مع تدهور المجتمع الإسلامي شيئًا فشيا .
(2)اتسمت الفترة التي تلت الخلافة الراشدة بظهور قوتين هيمنتا على المجتمع الإسلامي، الأولى قوة الملك العضوض ، هذا الملك الذي لا يعني بشيء إلا بالاحتفاظ بالسلطة ، وفي سبيل ذلك يسلك كل صور العسف والقهر ، وبعد أن كان الخليفة يحمد الله أن وجد في المجتمع من يقول له "إن وجدنا فيك إعوجاجًا قومناه بسيوفنا" ويقول : "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها" وجد الخليفة الذي يقول : "من قال لي اتق الله قطعت عنقه ...." ، هذه هي القوة الأولى ، ولا جدال أنها قوة هدم وتخريب في المجتمع لحساب السلطة .
أما القوة الثانية فقد تمثلت في الفقهاء الذين آلت إليهم أمور الدين ، والفقهاء فئتان : فقهاء الأصول الذين وضعوا أصول "العلوم الإسلامية" من فقه وحديث وتفسير خلال القرون الأربعة الأولى ، وفقهاء الفروع وهم الذين تلوهم عندما أغلق باب الاجتهاد من ناحية ، واشتد تدهور المجتمع الإسلامي من ناحية أخرى وظل فكرهم ساريًا حتى مشارف النهضة الحديثة .
والفقهاء أصلاً رجال قانون فهم مقننون وتختلف طبيعة المقنن عن طبيعة المشرع (وهي الطبيعة التي اتسمت بها المرحلة النبوية) فالمقنن يعني بوضع الحدود بين ما يُسمح به وما لا يسمح به ويغلب عليه عادة نوع من الحذر والحفاظ ، ومن ثم فقد يميل للتقييد أكثر مما يميل للتحرير ، وقد وجد الفقهاء الأول أنفسهم أمام بحار من الاجتهادات المتلاطمة والآراء والتحريات التي ذاعت في الصدر الأولى ، وكان عليهم تنظيم هذا كله ووضعه في أطر محكمة تصلح لاستخلاص الأحكام وإقامة القانون والنظام ، كانت الفترة هي فترة التنهيج فوضعت أسس التفسير ، ورواية الحديث النبوي وأسس الفقه .
بعد القرن الخامس بدأ المجتمع الإسلامي يدخل في مرحلة التقهقر ، ولم تكن هذه المرحلة عامة في كل دول العالم الإسلامي ، كما لم تكن بدرجة واحدة من الكثافة والسواد ، ولم يخل المجتمع حتى في أشد مراحل تقهقره من ظهور شخصيات بارزة كانت تلمع في الظلام كما يلمع الشهاب الثاقب في السماء ، ولكن في الموضوع الذي نحن بصدده وهو موضوع المرأة فإن التقهقر كان عامًا وشاملاً وأطبقت عليه ظلمات مكاثفة ، فحُبست المرأة في دارها ولم تعد تخرج إلا عند الضرورات ملفوفة داخل الملاءات الكثيفة وواضعة النقاب الذي يخفي وجهها ولا يسمح إلا بثقبين للعينين ، ولم نعد نسمع أبدًا عن شخصيات نسائية لها شأن في حركة المجتمع أو مساهمات في أدب أو فن وزاد في انعزال المرأة وانفصالها عن عالم الرجال التقاليد التركية التي أوجدت "الحرملك" و" الحريم" .. الخ .
وظلت هذه الحالة طوال عشرة قرون تقريبًا . كان المخلص الوحيد للمرأة في الحضر هو التركيز على أمومتها وأن شظف وقسوة الحياة في الريف محت الفروق بين الرجل والمرأة وحافت على أنوثة المرأة . وقد يتساءل البعض هل يمكن للمجتمع الإسلامي خلال هذه القرون العديدة أن يمضي حياته عطلاً عن الفن والجمال ، وهل لم يفتقد ما تثيره المرأة في المجتمع من عواطف ومشاعر مكتفيًا بما يجده في بيته من زوجته ؟
إن من العسير على إنسان العصر الحديث أن يتصور ذلك ولكن شظف الحياة وقسوتها ، وسيادة الأمية والجهالة ، وسطوة الحكام وما فرضوه على الجماهير من عنت ، كل هذه العوامل التي تحكمت في العالم القديم لم تدع للناس وقتا أو فكرًا للاستمتاع والتذوق الفني أو حتى تسمح بوجود حاسة لذلك ، ويجب أن لا ننسى أن معظم مظاهر الحياة الحديثة لم تكن موجودة قبل مائة عام ، وأن الناس كانوا يعيشون عيشة العصر القديم فيركبون البغال والحمير ويعيشون في حواري مغلقة يقفل بابها بعد صلاة العشاء ولم توجد من وسائل الإضاءة سوى الشموع ، وكان غروب الشمس إيذانا بالخلود إلى النوم .
ومع هذا كله فقد كان لهذا المجتمع وسائله الخاصة للاستمتاع أو التعبير عن نفسه كالروايات الشعبية مثل ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن والأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس وعنترة وأبو زيد الهلالي سلامة .. الخ ، التي كانت تشيع جوًا أسطوريًا فيه كل ما تطمح إليه نفوس المحرومين ، وقامت الطرق الصوفية بدور في إشباع الوعي الديني وأوجدت نظمها وتقاليدها وأولياؤها مناخًا يشغل الناس عن واقعهم وينقلهم إلى عالم الكرامات ويسمح بهامش من الاختلاط أو ببعض الصور الساذجة للفنون من موسيقى أو رقص .
فهذه المجالات كانت طاقات مفتوحة وكانت هي وسائل إشباع الإحساس الفني والطموح النفسي ، وإن خلت من الجمال بصورة مباشرة . المنفذ الوحيد الذي كان له طبيعة جمالية فنية كان هو وجود الجواري اللائي استجلبن نتيجة للحروب أو لنشاط النخاسين . ومع أن الإسلام كاد أن يجفف منابع الرق عندما قرر القرآن مبدأ : "فإما منًا بعد ، وإما فداء" ، وأن الرسول حرر كل الأسرى ، إلا أن أوضاع المجتمع كانت تتطلب الرق ، وتجوهل النص القرآني والممارسة النبوية وشجع بالذات استجلاب الجواري لأنهن كن يمثلن المرأة المتحررة التي أعفتها النصوص الفقهية نفسها من قيود المرأة الحرة ، ونحن لا نتحدث عن جواري هارون الرشيد ، ولكن عن الجواري في الحقبة التي بدأت مع القرن الخامس تقريبًا وظلت حتى مشارف العصر الحديث ، ففي هذه الفترة كان يمكن للجواري أن يشبعن إلى حد ما الإحساس الفني والجمالي ، وأن يمثلن المرأة التي تخرج من الجدران الأربعة للحجرة المغلقة إلى مجتمع محدود ، أو تسمح لها بقدر من التحرر لا يسمح به للزوجة .
ولكن الجواري لم يقمن بهذا الدور قيامًا سليمًا ، ولم يتحررن هن أنفسهن ، في الوقت الذي تركت الزوجات "عوان" أسيرات لحكم الحجاب .
وهناك نقص آخر هو أن الجواري كن وسيلة الطبقة المترفة أو الوسطى ، ولم تكن متاحة للجمهور الكادح الذي لا يكاد يحصل على الأود أو يسد الأفواه الجائعة .
ويمكن القول إن نقص الإحساس بالجمال كان في أصل "توصيف" قضية المرأة ، وسببًا في حجبها وإبعادها عن المجتمع ، واعتبار كل أحاسيس جمالية "فتنة" وشهوة ، وتفاعل السبب مع النتيجة على ممر الأجيال ، فالسبب وهو التقاليد الجاهلية القديمة أقصى المرأة من المجتمع وأوجد غربة ما بين المجتمع وبين الإحساس بالجمال ، وعندما تم هذا ، فإن هذه النتيجة أصبحت بدورها سببًا في تعميق البعد عن الجمال وهلم جرا .
وحاول الرسول غرس بذرة الجمال في المجتمع على ما شرحنا ، ولكن العهود التي تلته قضت عليها ، وجاء الفقهاء فأعطوا هذا الوضع العقيم شكلاً شرعيًا انطبق على المرأة وعلى الفنون من غناء أو موسيقى بحيث سدوا كل الروافد التي يمكن أن تزود المجتمع بالحاسة الجمالية التي هي أحد مضامين العلاقة بين الرجل والمرأة . إننا وإن كنا لا نبرئ فقهاء الصدر الأول الذين وضعوا الأصول من المساهمة في الحيف على المرأة وانتقاص منزلتها بما سمحوا به من أحاديث ركيكة أو موضوعة ، فإننا لا نجد فيهم الإسفاف الذي نجده عند فقهاء الفروع الذين جاءوا بعد قرون من إغلاق باب الاجتهاد وتدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي نتيجة نظم الحكم العسكرية التي زحفت عليه من أتراك أو ديلم .. الخ .
وكلما كان العهد يمضي بهم كان الإسفاف يزداد فيهم ، ولم ينقذ العالم الإسلامي منهم إلا النهضة الحديثة . وأهمية فقهاء الفروع أن كتاباتهم عادة هي التي تدرس ، ليس فحسب بالمعاهد الأزهرية ، بل لطلبة الكليات ، وأنها هي الأصل في إصدار الأحكام ، ذلك أن الفقهاء ألفوا العودة إلى هذه الكتب أكثر من العودة إلى كتب أئمة الصدر الأول .
ولم يكن إسفاف فقهاء الفروع والانتقاص من منزلة المرأة إلا صورة من تدهور المجتمع الإسلامي ، وليس أدل على هذا من أننا مع التزمت الشديد في موضوع المرأة نرى خلال السطور نصوصًا صريحة عن عقوبات لأسوأ صور الشذوذ الجنسي التي يفترض أن لا توجد في مجتمع دفعه "خوف الفتنه" إلى حبس النساء وراء الجدران . والأقاويل العديدة التي تحذر من مصاحبة (1) الأمرد أو التي تقرر عقوبة اللواط شاهدة على ذلك ، ومن المؤسف أن جزءًا من هذا الإسفاف قد بني على أحاديث وردت في كتابات أئمة الفقه في الصدر الأول ، وهو السبب الذي جعلنا لا نبرئهم من المسئولية .
وأورد الطبري في تفسيره لآية "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ" آراء عديدة عن سعيد بن جبير والحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وابن عباس وابن عمر أن السفهاء هم النساء والصبيان ، ولم يكن هناك داع لهذا لأن السفهاء هم الذين تتوفر فيهم صفة السفه رجالاً ونساءً ، كبارًا وصغارًا ، وسورة النساء التي فيها هذا النص كلها دفاع عن النساء واليتامى (تفسير القرطبي ج 4 ص 165) .
وهذا يهون أمام تفسيره لكلمه "فاهجروهن" إذ ذهب إلى أن "الهجر" هو ربط المرأة في المضجع ! وقد انتهى إلى هذا الرأي العجيب بناء على بيت من الشعر جاء فيه هجر بمعني ربط البعير واستبعد لهذا كل المعاني الأخرى والمعرفة للكلمة ، وقال : "فإذا كان في كل هذه المعاني ما ذكر من الخلل اللاحق فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قولة "واهجروهن" موجهًا معناه إلى معنى الربط بالهجار على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا هجره فهو يهجر هجرًا" (تفسير القرطبي ج 5 ص 43) .
وجاء في تفسير ابن كثير وهو من أكثر كتب التفسير انتشارًا في تفسيره للآية "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ" .. الخ (الأحزاب 59) .
قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس إذا خرجن من بيوتهن أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ويبدين عينا واحدة ! .
وكتاب البخاري الذي يقولون عنه "أصح كتاب بعد كتاب الله" يتضمن عددًا كبيرًا من النصوص التي لا نشك مطلقا في أنها موضوعة مثل حديث "لولا بنو إسرائيل لم يخنز [أي يتعفن] اللحم ولولا حواء لم تخن أنثي زوجها" ، فالحديث واضح الركاكة وأنه لا يستقيم فليس هناك علاقة بين إسرائيل وتعفن اللحم ، كما أنه ليس هناك علاقة بين حواء وما ألصق بها ، والملايين من النساء من مظنة الخيانة .
وقال ابن حجر في شرح الحديث "فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل ، أو بالقول ، فهي جبلت على ذلك" (1) ، كذلك ما جاء في كتاب النكاح في البخاري أيضًا تحت باب ما يحل من النساء وما يحرم وجاء فيه .
"فيمن يلعب بالصبي إذا أدخله فيه فلا يتزوجن أمه" ، وقال الدكتور محمد السعيد مشتهري الذي آثار هذه النقطة شرحًا لها "تأمل كيف يتحدث بأسلوب الضمير عن توصيف واقعة اللواط فيقول إن أدخله فيه وكأن القارئ للرواية يعرف ما الذي دخل وأن هذا الواقع متعارف عليه وشائع (تأمل قوله : يلعب بالصبي) ، ولم يبق من المشكلة إلا أن يبحث الفقهاء الجهابذة مسألة تزويجه من أم الصبي من عدمه ودخلت المسألة دائرة الخلاف الفقهي وكأن الفقه لا يعنيه في شئ إفساد جيل من المسلمين باللواط والغريب في الأمر أن تجد انتشارًا للفتاوى التي تبحث الأوضاع الشرعية لمن يأتون البشر والحيوانات أحياء وأمواتنا في الدبر في كتب السلف بشكل ملفت للنظر بل والأحكام الشاذة في مسألة الزنا أيضًا فهذا المذهب الشافعي يبيح للرجل إذا زني بامرأة وحملت منه سفاحًا وجاءت ببنت فله أن يتزوج هذه البنت !!
وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في كتاب النكاح قول الشافعية إذا زني رجل بامرأة وحملت منه سفاحًا وجاءت ببنت فإنها لا تحرم عليه لأن ماء الزنا لا حرمة له وكما تحل له تحل لأصوله وفروعه ..." .
وجاء في فتح الباري "باب واذكر عبدنا داود" يقول عند قول الله تعالي : "إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً" ، "يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضًا شاة ، وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية "والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة وقد يكني عنها بالبقرة أو الناقة لأن الكل مركوب" (1) .
وفي حلقة أخرى عرض الدكتور محمد السعيد مشتهري ما جاء في كتاب "تيسير نور الإيضاح" إصدار الإدارة العامة ، للمعاهد الأزهرية وهو مقرر على طلاب الصف الإعدادي المذهب الحنفي فصل في الاستنجاء ص 10 .
"والاستنجاء هو إزالة النجاسة بالماء أو تقليلها بالأحجار (وهي سنة مؤكدة) من نجس من السبيلين ما لم يتجاوز المخرج وإن تجاوز ولكن قدر الدرهم وجب إزالته بالماء ، وإن زاد على الدرهم افترض ، وأن يستنجي بحجر منق ونحوه والغسل بالماء أحب والأفضل الجمع بين الماء والحجر فيمسح ثم يغسل ويجوز الاقتصار على الماء أو الحجر والسنة اتقاء المحل والعدد في الأحجار مندوب لا سنة مؤكدة فيستنجي بثلاثة أحجار ندبا إن حصل التنظيف بما دونها وكيفية الاستنجاء أن يمسح بالحجر الأول من جهة المقدم إلى خلف وبالثاني من خلف إلى قدام وبالثالث من قدام إلى خلف إذا كانت الخصية مدلاة وإن كانت غير يبتدئ من خلف إلى قدام والمرأة تبتدئ من قدام إلى خلف تلويث فرجها ، ويصعد الرجل إصبعه الوسطى على غيرها في ابتداء الاستنجاء ثم يصعد بنصره ولا يقتصر على إصبع واحدة والمرأة تصعد بنصرها وأوسط أصابعها معًا ابتداء خشية حصول اللذة ويبالغ في التنظيف حتى يقطع الرائحة الكريهة" .
وتحت عنوان : فصل في نواقض الوضوء يقول : ينقض الوضوء اثنا عشر شيئًا : ما خرج من السبيلين (القبل والدبر) إلا ريح القبل في الأصح ، ثم قال أخيرًا : ومس فرج بذكر منتصب بلا حائل . ثم في صفحة (16) يقول : فصل في بيان ما يوجب الغسل .. يفترض الغسل بواحد من سبعة أشياء : خروج المنى إلى ظاهر الجسد إذا انفصل عن مقره بشهوة من غير جماع وتوارى حشفة أو قدرها من مقطوعها في أحد سبيلي آدمي حي وإنزال المنى بوطء منية أو بهيمة انتهي الاستشهاد من ملاحظات الدكتور مشتهري .
وجاء في كتاب تقريب فتح القريب :"المقرر على الصف الثالث الإعدادي الأزهري ، أي لطلبة وطالبات في سن المراهقة" أحاديث غثة كريهة عن أن دية المرأة الحرة ، والخنثى نصف دية الرجل المرافق لها في الدين ودية جنين الجارية بأنه عُشر ثمن أمه في السوق وقت وقوع الجناية وحكم اللواط ومن أتى بهيمة في قبلها أو دبرها سواء كانت مأكولة أو غير مأكولة ، ومن استمتع بأجنبية فيما دون الفرج ..الخ .
ونجد في تحفة الفقهاء وهو أحد مراجع الحنفية أن الزواج لا ينعقد "عند أصحابنا إلا بلفظ موضوع للتمليك ثم اختلف المشايخ قال عامتهم لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك الأعيان كالبيع والهبة ، ولا ينعقد بلفظ موضوع المنافع كالإجارة والإعارة" . وقال الكرخي ينعقد لفظ وضع للتمليك مطلقا ، سواء كان لتمليك الأعيان أو لتمليك المنافع حتى ينعقد بلفظ الإجارة والإعارة عنده .
وأما بلفظ الإحلال والتحليل والإباحة فلا ينعقد لأنها لا تقضي التمليك" .
ومبرر الإنفاق لديهم هو الاحتباس ، ولو مرضت الزوجة بحيث لم يستمتع بها زوجها ، فلا تحق لها نفقة عند بعضهم فأين هذا الكلام الغث الكريه من قول الله تعالى : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21) .
وأما أحاديثهم عن الطلاق . وتفننهم في الألفاظ التي يحتمل أن يتم بها الطلاق والعبارات التي لا يصل إليها إلا خيال مجنون أو معتوه أو سكير أو حشاش فقل عنها ولا حرج ، وهذه عينة منها :
"إذا قال لزوجته : أنت طالق نصف طلقة ، وفي أثنائها : إذا قال : أنت طالق ثلاثًا إلا نصف طلقة ، إذا قال لزوجتيه : إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان ، إذا قال لزوجته إذا قمت فأنت طالق ، إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق وطالق ، وفي أثنائها : إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ، وإذا قال لزوجته / أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة ، وفي أثنائها : إذا قال أنت طالق اثنتين إلا اثنتين ، وفيها أيضًا لو قال : أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة .
إذا قال لزوجاته الأربع ، أوقعت بينكن ، أو عليكن ثلاث طلقات ، وفي أثنائها : إذا قال : أوقعت بينكن أو عليكن طلقة وطلقة وطلقة ، إذا قالت له زوجته التي لم يدخل بها ، طلقني بألف فقال أنت طالق وطالق وطالق ، إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء زيد ، إذا قال لزوجته : إن قمت فقعدت فأنت طالق ، إذا قال لزوجته قبل الدخول : أنت طالق فطالق ، إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم طالق ، ثم طالق ، إذا قال لزوجته : إن قمت ، ثم قعدت فأنت طالق ، إذا طلق زوجاته دون الثلاث ، وتزوجت ثم عادت إليه بنكاح جديد هل تعود على ما بقي من طلاقها أو لا ؟ ، إذا قال لزوجته : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث ، إذا قال : أنت طالق إلى مكة ، إذا قال لزوجته : إن خرجت إلى العرش ، أو إلى الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت إلى ذلك بقصده ولم تصل إليه ، تنبيه : لفظه "إلى" قد تكون لابتداء الغاية .
مثال ذلك : إذا قال لزوجته : أنت طالق إلى شهر ، إذا قال لزوجته أنت طالق في ويوم كذا ، أو شهر كذا ، إذا قال : أنت طالق يوم كذا إذا قال : أنت طالقة طلقة في اثنتين ، إذا قال رجل : امرأة فلان طالق : فقال زوجها ثلاثا ، إذا قال الرجل لزوجته المدخول بها أنت طالق أنت طالق ، إذا قال : أنت طالق ، وطالق ، وطالق ، وطالق .
وأراد التأكيد ، إذا قال : أنت طالق ، وطالق ، ثم طالق أو طالق ثم طالق وطالق . أو طالق فطالق إذا قال : أنت طالق أنت مسرحة ، أنت مفارقة . وأراد التأكيد ، ولو قال أنت مطلقة ومسرحة ومفارقة ، ما ذكره الطوفي في إرسال الطلقات ، هل هو بدعة أو لا ؟ ، إذا قال لزوجته : إن خالفت أمري . فأنت طالق ، ولا نية له ، ثم نهاها فخالفته ، هل يصح الاستدلال على مراجعة الحائض بأمر النبي لعمران يأمر ابنه بمراجعة زوجته لما طلقها وهي حائض ، إذا قال الزوج الطلاق يلزمني ، وفي أثنائها قوله : أنت على حرام ، أعني به الطلاق ، وفي ضمنها : لو قال : الطلاق يلزمني لا أفعل كذا وفعله ، وله أكثر من زوجة .
وبعدها : لو قال : إن فعلت كذا فامرأته طالق ، أو قال : على الطلاق لأفعلن كذا ولم يذكر المرأة . أو قال : فلانة طالق لأفعلن كذا فمات أو طلقها ، ثم تزوج أخرى ، إذا قال الزوج امرأة القاضي طالق ، إذا قال : إن كان حملك ذكرًا فأنت طالق طلقة ، وإن كان أنثى فطلقتين فولدت ذكرًا وأنثى ، إذا قال : زوجتي طالق وله زوجات ، إذا قال لامرأته إن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين ، فولدت أنثى ثم أنثى إذا قال الرجل : إن دخل أحد الدار فامرأتي طالق ، فدخل هو ، هل تطلق ؟ إذا خالعت الأمة بإذن سيدها ، طلاق العبد ، إذا صح الإيلاء ، فهل العبد كالحر ؟ إذا قال لزوجته : أنت طالق واحدة إلا إن شاء ثلاثًا ، إذا قال امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة ، ولم ينو شيئًًا . وكان يملك أكثر أو أقل ، تنبيه : قوله لامرأته أنت طالق إن شاء الله ، تنبيه : حيث قلنا : يفيد الاستثناء بالمشيئة ، فإن كان مقدمًا أو مؤخرًا فإذا قال لزوجته : إن شاء زيد ، فأنت طالق يصح الاستثناء ؟ .. الخ (1) .
لقد قال الرسول "أيلعب بكتاب الله وأنا ببين أظهركم" عندما بلغه أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فماذا عسى أن يقول لو اطلع على هذا الهراء الذي تتضمنه كتب فقه الفروع .
إن البلوى بهذه الكتابات لا تقتصر على أنها تمثل لنا مرحلة مظلمة من تاريخ المجتمع الإسلامي تدهورت فيها القيم ، ولكنها تضم أيضًا أنها تدرس على الطلبة والطالبات اليوم !! وكأنه يعز على أولى الأمر أن يحرم طلبة هذا العصر من قمامة وكناسة فقه الفروع .
وأخطر من هذا وأسوأ أنها زحفت على الكتابات الحديثة ، وتأثر بها ليس فحسب الفقهاء ولكن رجال القانون الذين تخرجوا من الجامعات ويشغلون أعلى المناصب القضائية بحيث يكررون ما جاء من هذا الفقه الغث دون استشعار أي حرج ودون أن تثير في أنفسهم كلمات "الملك والتمليك" أي حساسية .
وقد جاء في باب "اسألوا الفقيه" بجريدة الأهرام (يوم 14 نوفمبر1997) صفحة (11) إجابة المستشار عبد المنعم إسحاق نائب رئيس هيئة قضايا الدولة على سؤال تقدمت به قارئة :
هل يجوز لي أن اتفق مع زوجي على إسقاط حقه في أن يراجعني إلى عصمته إذا ما طلقني طلاقا رجعيا ، فلا يستطيع أن يعيدني إلى عصمته ما دمت في فترة العدة ، بحيث إذا فعل ذلك أستطيع أن ألجأ إلى القضاء للحكم بإبطال مراجعته لي ؟
لا يجوز ذلك شرعًا ولا قانونًا ، إذ أن حق إيقاع الطلاق قد أسنده الله سبحانه وتعالى إلى الزوج وأباحه له بإرادته المنفردة دون توقف على رضاء الزوجة وقبولها له ، وإذا أوقع الطلاق رجعيًا فإنه لا يرفع الحل ولا يزيل الملك الذي ثبت بعقد النكاح ‘ وإنما يكون أثره هو نقصان هذا الملك بحيث تنقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على الزوجة ولا يتحقق هذا الزوال إلا بإنقضاء العدة ، ففي هذه الحالة يمتنع على الزوج أن يعاشر زوجته إلا بعقد جديد ومهر جديد وفي هذه الصدد قضت محكمة النقض بأنه "لئن كانت الرجعة عند الحنفية هي استدامة ملك النكاح بعد أن كان الطلاق قد حدده بانتهاء الهدنة ، وهي ليست إنشاء لعقد زواج بل لزوجية قائمة وتكون بالقول أو بالفعل ، إلا أنها حق ثابت مقرر للزوج وحده دون سواه ولا يملك إسقاطه ، ولا يشترط لصحتها رضا الزوجية أو علمها بها ، ولو بدر من الزوجة ما يفيد الرجعة فلا تكون ثمة مراجعة لأنها حق للزوج لا لها" (طعن نقض رقم 17 لسنة 43 قضائية أحوال شخصية) انتهى .
وفي نظرنا أن هذا الرد بالإضافة إلى تكراره لكلمة "الملك" فإنه لا يستقيم ، وليس صحيحًا ما ذهب إليه من أن حق إيقاع الطلاق قد أسنده الله سبحانه وتعالى إلى الزوج وأباحه له بإرادته المنفردة دون توقف على رضا الزوجة وقبولها له أو علمها" ، فإذا كانت بعض التعبيرات في القرآن قد أوحت إلى الفقهاء بهذا المعنى ، فهناك تعبيرات أخرى عديدة تخالفه فضلاً عن روح الإسلام وما قرره القرآن من حقوق للمرأة تماثل حق الرجل باستثناء القوامة المنزلية بحكم إنفاقه ، وما أوجبه من تحكيم حكمين "إن خفتم شقاق بينهما" والشقاق أهون من الطلاق ، وفضلاً عن اشتراط الآية 2 من سورة الطلاق الإشهاد على الطلاق . وإيقاع الطلاق ثم الرجعة دون إثبات باعتباره حق الزوج يفتح الباب لصور عديدة من إساءة الاستغلال ومن الغريب أن لا يشترط الكاتب رضى الزوجة و"علمها" كما لو أنها ليست "شيئًا مذكورًا .
ويمكن القول إن قوانين الأحوال الشخصية في مصر المستمدة من أحكام فقهاء وضعت من ألف عام تعد سُبة في معايير العدالة ويتعين تغييرها بما يتفق مع القرآن الكريم ومبادئ الفقه الجديد .
◄الجمعة الفصل الخامس "الفقهاء المعاصرون"
◄أثر كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة"
◄المرأة والعمل السياسي
◄الفقهاء وقضية الحجاب
◄المصافحة واللامساس
************************************************************************************
(1)هي عاتكة بنت زيد وقد تزوجها الزبير بن العوام بعد مقتل زوجها الأول عمر بن الخطاب (راجع ص 89) .
(1)جريدة الأحرار عام 1993 ، الدكتور محمد السعيد مشتهري .
(1)جريدة الأحرار عام 1993 ، الدكتور محمد السعيد مشتهري .
(2)جريدة الأحرار في 9/8/1993 "حوار العقل" للدكتور محمد السعيد مشتهري .
(1)جريدة الأحرار في 24/5/1993م .
(1)القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية (الشيخ أبي الحسن علاء الدين بن اللحام) على بن عباس البعلي الحنبلي (752 803ه) ، مكتبة السُنة المحمدية ، ص 1617 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.