لأول مرة أدخل فيها مكتبى متأخرا لأجدها تعتلى عرش كرسى الاعتراف الذى يرعب من يجلس عليه، لا تنطق تتحرك عيناها لأهتدى بما تريد أن تقوله من كلمات، تصورت فى غمرة سحرها الذى امتص النبض من عروقى أننى أطير محلقا بلا جناحين وأنه يمكننى أن أمسك بتلابيب رحيقها وأضمها إلى صدرى لكن صدر صوت من ورائى يذكرنى أن فى الحجرة غيرنا. تلومنى نظراتها من تراجعى عنها فأبعد هواجسها الحائرة إلى داخلها وأكتم صدمتى بالغرباء. شق صوتها عنان قلبى وبح أوتار حنجرتى عندما نادتنى سيدى.. أنا اسمى فريدة وهذه أختى منال ولنا أخت ثالثة اسمها مروة.. جئنا نقدم بلاغا فى شقيقنا المهندس هيثم. توقفت لحظات تبتلع ريقها وتمنيت أن أكون إحدى ذراته لأذوب فى جوفها الحنون بلا عودة.. آه من رنة تنهيدتها الحارقة، اقتلعت مشاعرى وشحذت كل غضبى على شخص هيثم رغم أننى لم أعرف بعد جريمته. عرقت جبهتها بشذرات متلاحقة فبدت كأنها سارت فى درب بلا نهاية.. تكومت الكلمات تتثاقل على لسانها. أدركت أنها تخجل من كونها تبلغ عن شقيقها وأن هناك دافعا أقوى مما تحتمله قدرتها على النيل من أخيها. طفرت دموع أحسست بسخونتها بين أصابعى، اقتربت منها وتخيلت أننى أمسح دموعها بيدى لكننى أفقت وفى يدى منديل أمده إليها لتخفى به دموع العار من جريمة لم تتوقع ولا أحد يتوقع أن ينسج خيوطها أخ شقيق لثلاث من الفتيات الفاتنات المتحفظات فى ملبسهن وكلماتهن وحتى حيائهن فى الاعتراف!! جلست على كرسى حتى أستطيع استقبال هذا الكم الهائل من التفاصيل الصادمة.. المفجعة. فمهما كان الخلاف بين الأشقاء لا يكون هذا هو الطريق للانتقام؟! صور فاضحة وتفاصيل محرجة.. وكلمات بذيئة وأرقام تليفونات لبنات لا يعرفن فى الدنيا إلا الحلال وبيت العيلة. لا يخرجن إلا بإذن ولا تعلو أصواتهن عن الطبقة الأولى من الصوت.. ولا يلمح خيالهن كيف تكون اللقطات الجنسية فى الأفلام الإباحية. فريدة ومنال ومروة جريمتهن الوحيدة أنهن لم يوافقن على التنازل عن بعض نصيبهن فى ميراث أبيهن لأخيهن هيثم الذى يمر بضائقة مالية. لم يغفر لهن الأخ تلك الفعلة، اعتبرها جرحا لكرامته وطمعا بلا حدود، فهو سندهن بعدما فقدن السند وبدلا من أن يمد لهن يد العون.. قدمهن على طبق الخيانة والفضيحة، استحل عرضهن الذى هو عرضه.. استباح أسماءهن ليدونها على موقع إلكترونى فاضح أنشأه خصيصا من أجلهن مكافأة غير متوقعة فى زمن نتوقع الغدر فيه من الأحباء قبل الأعداء. جفت دموع فريدة وتجمدت نظراتها وهى تحكى وتحكى بلا رحمة على قلبى الذى انفطر لوعة من أجل براءتها الحالمة. سرت قشعريرة فى جسدى حولتنى إلى وحش كاسر هب من مكانه يزأر بأعلى صوته يأمر فيطاع. أحضروا المتهم حتى ولو كلفنى هذا عمرا يضيفه القدر إلى عمرى.. سأنال منه كما لم أنل من أعتى المجرمين.. فهو قاتل مأجور قتل بلا رحمة، ومازالت جثث القتلى تدب فيها الأرواح تائهة تبحث عن جسد تدارى فضيحتها.. قبض ثمن قتله.. الشرف الذى نحر على بلاط الأخوة الناعمة والكلمات المعسولة.. أحسست أن كلمات المحضر فى الأوراق الرسمية قد ذابت حروفها من شدة الظلم وحنق التفاصيل وسخونة الكارثة.. تمنيت من قلبى للحظة أن يكون أحد آخر غير هيثم من ارتكب الجريمة فربما يخفف الغريب صدمة الواقع.. لسعتنى برودة نظراته ونزلت كلماته التائهة بعد الضغط والمراوغة فى حلقى كالسكين يجز رقبتى جزا.. فلم أشعر بنفسى إلا وقد انهلت عليه ضربا وركلا لأفيق على يد الصول فتحى تمنعنى من المزيد فمازال هناك العدل الذى هو أقوى من كل البشر. فليأخذ القانون مجراه. للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا