«الدفاع والداخلية» تبحثان تعزيز التعاون الأمني تزامناً مع احتفالات العام الميلادي الجديد    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    «الإسكان» تعلن بيع محال تجارية وورشا بمدينتي العلمين وبرج العرب الجديدتين    القابضة الغذائية: التنسيق مع تجارية القاهرة لإقامة معارض «أهلاً رمضان 2026»    محافظ المنوفية يطلق التشغيل التجريبي لمشروع صرف صحي تلا.. صور    صعود البورصة بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات من المستثمرين الأجانب    روسيا تدعو لضبط النفس بعد تهديد «ترامب» بضرب إيران    الاتحاد الأفريقى يجدد دعمه لسيادة ووحدة الصومال    الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن الأونروا    الكرملين: محاولة نظام كييف مهاجمة مقر بوتين عمل إرهابى لتعطيل عملية التفاوض    أمم أفريقيا 2025| اليوم.. حسم التأهل والمراكز في المجموعة الرابعة    اتحاد الكرة يعلن مواعيد فترة القيد الثانية للموسم الحالي    صلاح سليمان: كان الأفضل مشاركة الشناوي أمام أنجولا.. وصلاح محسن لم يظهر بالشكل المطلوب    مجلس الزمالك يمنح الأولوية لحل الأزمة المادية بالنادي    راموس يقترب من نيس ليشكل ثنائياً دفاعياً مع محمد عبد المنعم    رفع جلسة محاكمة رمضان صبحى و3 آخرين بتهمة التزوير للنطق بالحكم    ضبط أكثر من 12 طن دقيق مدعم خلال حملات التموين في 24 ساعة    طقس ليلة رأس السنة.. الأرصاد تحذر المواطنين من الأجواء شديدة البرودة مساء    تأخير أسبوعي يربك حركة المترو.. أعمال مفاجئة لشركة المياه تبطئ الخطين الأول والثاني    بهذه الطريقة.. أحمد الفيشاوي يحتفل بالعام الجديد    عاشور: افتتاح مستشفى جامعة الجيزة يجسد رؤية الدولة نحو بناء نظام صحي حديث    وزارة الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بمحافظة الشرقية    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    محافظ بني سويف يتابع استعدادات امتحانات الفصل الأول لصفوف النقل والشهادة الإعدادية    حمدي السطوحي: «المواهب الذهبية» ليست مسابقة تقليدية بل منصة للتكامل والتعاون    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    نقل مقر مأموريتين للتوثيق والشهر العقاري بمحافظتي القاهرة والوادى الجديد    "تبسيط التاريخ المصري القديم للناشئة" بالعدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    الأهلى ينعى حمدى جمعة لاعب الفريق الأسبق بعد صراع مع المرض    الرعاية الصحية: 25.5 مليار جنيه التكلفة الاستثمارية لمحافظات إقليم الصعيد    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة ال105 مُحملة بسلال غذائية ومواد طبية وشتوية لدعم غزة    وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية    كامل الوزير: تكثيف جهود التصدى للتهرب الجمركى والممارسات الضارة بالصناعة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    ترامب يحذّر حماس من «ثمن باهظ» ويؤكد التزام إسرائيل بخطة الهدنة في غزة    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر: آن الأوان لننتقل من فقه الأقليات إلى الإندماج والتعايش الإيجابي مع الآخرين
خلال إطلاقه الملتقى الثانى للحوار بين حكماء الشرق والغرب بباريس
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 05 - 2016

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، أدعو المسلمين في أوروبا إلى أن يعوا جيدا أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدا مع الإندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية
وأكد شيخ الأزهر، خلال إطلاقه الملتقى الثانى للحوار بين حكماء الشرق والغرب بباريس، أنه لا ينبغي أن تكون بعض القوانين الأوروبية التي تتعارض مع شريعة الإسلام حاجزا يؤدي إلى الإنعزال السلبي والانسحاب من المجتمع.
وأضاف شيخ الأزهر، أنه يجب أن تكون نظرتنا الجديدة للغرب موضوعية مبنية على مبدأ التأثير والتأثر، حيث لم يعد أي من الشرق والغرب اليوم بمعزل عن الأخر فكلاهما يؤثر في الأخر ويتأثر به، مشيراً إلى أن العولمة مثلت مرحلة جديدة على طريق الصراع العالمي ولابد من استبدالها ب"العالمية"، والعولمة أدت إلى تدمير هوية الشعوب وخصاصها التي خلقها الله عليها
وأوضح شيخ الأزهر، أن العالمية عبر عنها شيوخ الأزهر في القرن الماضي بانها الزمالة العالمية أو التعارف كحل لانقسام العالم وتكريس الثنائيات الحادة التي تنتهج الصراع وتشعل الحروب، مؤكداً أن عالمية الإسلام تنظر إلى العالم كله على أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسئولية الأمن والسلام على الجميع، مشيراً إلى أن العدل والمساواة والإخوة بين البشر هي حدود كونية لله على هذه الأرض، حيث إن العالمية تفرض علينا أن نعيد نظرتنا في فهمنا للغرب لتوظيف المشترك الإنساني
وطالب شيخ الأزهر، جميع صانعي القرار والمؤثرين فيه تحمل مسئولياتهم لصد الإرهاب العالمي .. وأيضا التصدي لمحاولات تهويد القدس، وضورة توفير حل القضية الفلسطينية يمثل مفتاح المشكلات الكبرى التي تعيق إلتقاء الشرق بالغرب وتباعد ما بين الشعوب وتؤجج صراع الحضارات.
وفيما يلي نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
السادة الأجلاء من أهل العلم والفكر والسياسة ومن رجال الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
فيسرني باسمي وباسم مجلس الحكماء أن أرحب بكم هنا على أرض فرنسا وفي عاصمتها العريقة، عاصمة الأدب العالمي والفكر الحر، ومهد الثورة الكبرى التي انطلقت من أرضها الثائرة على الظلم والقهر، منذ أكثر من قرنين، وبإرادة شعبها الذي حرر أوروبا من أغلالٍ وقيودٍ كبَّلتها قرونًا طوالا، واستعبدتها مرة باسم السلطان، وأخرى باسم الدَّين، وثالثةً باسم الإقطاع، حتى باتت الثورةُ الفرنسية مَعْلمًا من أهم معالم التاريخ ومرجعًا لفلسفة الحرية والحضارة، وتنوير العقل الأوربي وانتشاله من طَورِ الرُّكود والجمود إلى التحليق عاليًا في آفاق الإبداع والعلم والثقافة والفنون.. وحتى باتت أوروبا المعاصرة بكل ما تَزخَرُ به من تقدم مذهلٍٍ في العلم والمعرفة والرقي الإنساني، والديمقراطية وحقوق الإنسان، مدينة للثورة الفرنسية، ولفرنسا والفرنسيين.. فتحيةً لهذا البلد، وتحيةً لأهله، ولكلِّ محبي السلام والعدل والمساواة بين الناس.
أيها السادة!
هذا هو اللقاء الثاني بين حكماء الشرق وحكماء الغرب ..، بعد اللقاء الأول الذي عُقد في مدينة فلورنسا، مدينة الحوار والفن والثقافة: في الثامن من يونيو من العام الماضي (8 يونيو 2015م)، والذي أظلَّه –حينذاك- أملٌ قويٌ في ضرورة أن يبحث حكماء الغرب وحكماء الشرق عن مخرج من الأزمة العالمية التي وصفْتُها في كلمتي في فلورنسا بأنها «إن تُركت تتدحرج مثلَ كرة الثلج فإن البشرية كلَّها سوف تدفع ثمنها:
خرابًا ودمارًا وتخَلُّفًا وسَفْكًا للدِّماء؛ وربما بأكثر مما دفعته في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي»، ولم تمضِ شهورٌ ستَّةٌ على هذا التخوَّف الذي شابته مسحة من التشاؤم، ربما غير المشروع، حتى شهدتْ باريس الجميلة المتألقة، ليلةً سوداء، فَقَدَت فيها من أبنائها قَرابةَ مائة وأربعين ضحية، سُفِكَت دماؤُهم في غَمْضةِ عين، إضافة إلى ثلاثةِ مائة وثمان وستين آخَرين، في حادثة إرهاب أسود لا يختلف اثنان في الشرق ولا في الغرب في رفضه وازدراء مُرَّتكِبِيِه، وتنَكُّبهم للفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية وكل تعاليم الأديان والأعراف والقوانين.
ولعلكم تتفقون معي في أن هذا الحادث الأليم، ومثلُه حوادثُ أخرى دموية وقعت في بلجيكا، بل حوادث أشدُّ دمويةً وأكثر وحشيةً، تحدُث كل يوم في الشرق الذي غَرِقَ إلى أذنيه في مستنقعات الدَّمِ والثُّكْل واليُتْم والتهجير، والهروب إلى غير وِجْهةٍ في الفيافي والقفار، بلا مأوى ولا غِذاءٍ ولاَ غطاء.. هذه الحوادثُ تَفرِضُ فرضًا على أصحاب القرار النافذ والمؤثرِ في مجريات الأحداث، أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملةً أمامَ الضَّمِيِر العالمي والإنساني، وأمامَ التاريخِ، (بل أمام الله يوم يقوم الناس لرب العالمين)، في أن يتدخَّلُوا لصد هذا الإرهاب العالمي، ووقف حمامات الدماء المسفوكة وأكوام الأشلاء المتناثرة من أجساد الفقراء والمساكين، وأطفالهم ونسائهم، والتي يقدِّمونها كل يوم قرابينَ على مذابح العابثين بمصائر الشعوب، والغافلين عن قِصاصِ السَّماءِ وعدالتها، التي قد تُمهل قليلاً، لكنها بكلِّ تأكيدٍ لا تُهمِلُ ولا تنسى.. وفي هذا السياق تلزم مطالبة العالم أيضًا بالتصدي لمحاولات تهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى المبارك، وحل القضية الفلسطينية حلا عادلاً شاملاً، لأن حل هذه القضية –في نظرنا-هو مفتاح المشكلات الكبرى التي تعيق التقاء الشرق بالغرب، وتباعد ما بين الشعوب، وتؤجج صراع الحضارات.
أيها الحكماء الأجلاء..
لم يعد أيٌّ من الشرق والغرب اليوم بمَعْزِلٍ عن الآخَر، كما كان الحالُ في القرن الماضي، ولم يعد الشرقُ هو هذا المجهول المُخيف، الذي تترامى أطرافُه فيما وراء البحارِ كما كان يتصوَّرُه الغربيون من قبل، كما لم يعد الغرب هو النموذج الغريب الذي يستطيع الشرقيون من مسلمين ومسيحيين أن يتجنبوه، ويُغلِقُوا أبوابهم دونه، ليستريحوا من خَيرِه أو شرِّه، فقد تقارب ما بينهما، وانطوت مسافةُ البعدِ وتلاشتِ الحواجزُ، وهاجر المسلمون واستوطنوا الغربَ، ولم يعُد لهم من وطن غيرُه، وهاجرت فلسفات الغرب السياسيةُ والاجتماعية وأنماطُ حياتِه اليومية واستوطنت عقولَ المسلمين، فأثَّرت في رؤاهُم وأنظارهم، وسيطرت على مساحة –لا يستهان بها- في مناهج تفكيرهم وطرائق سلوكهم وتصرُّفاتهم، ولا تزال المذاهب الاجتماعية الغربية كاللّيبرالية، والقومية، واليسارية تعمل عَمَلَها في أذهانِ كثيرٍ من المفكِّرين والسياسيين الشرقيين، ربما بأقوى ممَّا تعملُ في أذهان أهلها من الغربيين، بعد أن بدأت هذه المذاهب تتراجع في الذهنية الغربية بتأثير العولمة، التي تُبشِّرُ العالَم بل تَسُوقُه بفلسفة النواة والمركز والأطراف، والتي لا تَسمحُ بتقسيم العالم إلى شرقٍ وغربٍ، يتميز كل منهما عن الآخَر بثقافته، وحضارته، وأكاد أقول: بِدينِه وِلغته.. وفيما أعتقد فإن هذه العولمة لا يمكن أن تكون حلاً لعلاقات التوتر والتربص المتبادلة بين الشرق والغرب، أو تُشكِّلُ خطوة على طريق التقائهما وتعاونهما من أجل تحقيق السلام العالَمي، وتوفير السعادة للإنسانية جمعاء.. بل هي بكلِّ تأكيد مرحلةٌ جديدةٌ على طريق الصِّراعِ العالمي، بما تتأبَّطه من تدمير لهُويَّاتِ الشعوب وخصائصها التي خَلَقَها الله عليها، والتي لا يمكن لأيً شعب منها أن يُفرِّطَ فيها قبل أن يفرط في حياته وكل ممتلكاته.
ولا مَفَرَّ –أيها الحكماء الكبار-من التفكير في «العالمية» بدلاً من «العولمة»، وهي العالمية التي عبَّر عنها شيوخ الأزهر -في القرن الماضي بعد الحربين العالميتين -بالزمالة العالمية أو التعارف، كحَلٍّ لانقسام العالم وتكريس الثُّنائيات الحادة التي تنهج الصراع وتُشعِلُ الحروب.
ويطول الحديث في بيان «عالمية الإسلام» ونظرته للعالم كله على أنه مجتمع واحد، تتوزع فيه مسؤولية الأمن والسلام فيه على جميع أفراده، وقد يلخص ذلك ما يحضرني في هذا المقام من حديث لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذين في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعًا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعًا».
ولا ينبغي أن يقتصر فهمنا لحدود الله في الحديث بالمعنى الضيق الذي ينطبق على المجتمعات الإسلامية، وأعني به الأحكام الشرعية الفقهية، بل ينبغي فهم هذه الحدود بالمعني الأعم الذي يؤكد مبدأ «العالمية» في الإسلام، فكما لله حدود شرعية جزئية، فله أيضًا حدود كونية على هذه الأرض، في مقدمتها: العدل والمساواة بين البشر، وتقرير الأخوة بينهم؛ لأنهم جميعًا يلتقون في أب واحد وأم واحدة، وأن ما بينهم من فروق واختلافات فطرهم الله عليها هي اختلافات التنوع والتعارف والتآخي، وأن من يخرج منهم على حدود الله في كونه فعلى الباقين أن يأخذوا على يديه، وإلا فسوف تغرق سفينة الإنسانية ويكون مصيرُها الهلاك والدَّمار، وهذا ما يخشاهُ ويحاذِرُه عُقلاء السياسة وأرباب العلم والفكر –الآن- شرقًا وغربًا .
على أن العالمية التي نتطلع إليها كبديل عن «العولمة » لإنقاذ العالم من المآسي التي يتردى فيها شطره الشرقي: الأوسط والأقصى – تفرض علينا نحن الشرقيين إعادة النظر في فهمنا للغرب وتقييم حضارته، واكتشاف ما يسكن هذه الحضارة من قيم إنسانية مشتركة، لا يتفاضل فيها شرق ولا غرب، وكذلك توظيف المشترك الإنساني في علاقات دولية تقوم على التعاون وتَجنب الحروب، وأن تكون نظرتنا الحديثة للغرب نظرة موضوعية تتأسس على مبدأ التأثير والتأثر، وفلسفة التعارف والتكامل، وتطبيق القاعدة الذهبية في أمر العلاقة بين المسلمين وغيرهم في الوطن الواحد، والتي يحفظها التلاميذ في المدارس، وهي قاعدة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».
أيُّهَا الإِخوة!
يَضِيقُ الوقت المُحَدَّد لكلمتي هذه عن بيانِ القضيَّة التي أراها مدخلاً مناسبًا لالتقاء الشرق بالغرب، وأعني بها قضية «اندماج المسلمين» في أوطانهم الأوروبية، وانفتاحهم على مجتمعاتهم، التي وُلدوا فيها وصاروا جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الوطني بكل أبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية، لكنها أصبحت تُشَكِّلُ عقبةً على طريق المواطنةِ الكاملةِ الَّتِي تُمثِّلُ عنصرَ ثراءٍ وقوَّةٍ للمجتمع الأوروبي.
وقد خضعت ظاهرة «الاندماج» الإيجابي هذه لدراسات عدة، وعُقد من أجلها أكثر من مؤتمر، وكتب فيها الكثير من المقالات والكتب، وكلها ترصد تردُّدَ كثيرٌ من المسلمين عن الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، خوفًا على هُويتهم الدِّينية من الذوبان، وأيضًا توجُّس المجتمع الأوروبي من تفكُّكِ مكتسباته الحضارية إذا ما فتح الأبواب للمختلفين عنه دينًا وثقافة، وقد رصَدَ المُحَلِّلون بعض العقبات على الجانبيين: الإسلامي والأوروبي، لا تزالُ تعملُ عملها في إقامة الحواجز والفواصل، والتهميش الذي كان أحد الأسباب في انضمام كثير من الشباب الأوروبي المسلم إلى حركات العنف والإرهاب المُسَلَّح.
وتأتي في مقدمة معوقاتِ الاندِمَاج من جانبِ المسلمين-الانتماءاتُ الإقليمية والولاءات العِرقيَّة والاختلافات الطائفية والمذهبية، التي تلازمهم في أوروبا ملازمة الظل، وتجعل من الصعب عليهم الانخراطَ في مجتمعاتهم، بل كثيرًا ما تصعِّب عليهم الاختلاطَ بغيرهم من المسلمين الذين يعيشون معهم ويعتقدون معتقدهم، لكنَّهم لا ينتمون إلى اقليمهم، ولا ينتسبون إلى هويتهم العرقية والطائفية، .. ومن أهم المعوقات من جانب المسلمين أيضًا هذه الدعوات التي يُطلقها البعض باسم الدين وتدعوا إلى مفاصلةِ المجتمع الأوروبي نفسيًّا، والاقتصار في مخالطته على الضَّرورات.
وعلى الجانب الأوربي تأتي، في مقدمة هذه العقبات، المواد الإعلامية السلبية التي تسيء للمسلمين، وتصورهم للشارع الأوروبي على غير حقيقتهم، ومن ذلك الرسوم المسيئة لنبيهم –صلى الله علي وسلم-عن وعي وقصد وجهل تام بمكانة الدِّين ومنزلة الأنبياء في قلوب المسلمين شرقًا وغربًا، والخلط بين الصورة الحقيقية للمجتمعات الإسلامية الشرقية، وبين ما يحدث في مناطق الصراع والتوتر من صُور الدماء والأشلاء، .. ومما يرصده الباحثون من عوائق على هذا الطريق تسييس الوجود الإسلامي في أوروبا، والمضاربة به في بورصة الانتخابات لجذب مزيد من الأصوات مما ينعكس سلبًا على علاقات الأوربيين بمواطنيهم.
لذلك أقترح أن تكون قضية «الاندماج الايجابي»، هذه هي موضوع اللقاء التالي، وهو اللقاء الثالث بين حكماء الشرق والغرب، في المكان والزمان اللذين يعلن عنهما فيما بعد، إن شاء الله.
وإلى أن نلتقي -بإذن الله تعالى -حول هذا الموضوع أدعو المواطنين المسلمين في أوروبا إلى أن يعوا جيدًا أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم، وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدًا مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية، ولكم –أيها المسلمون الأوربيون – في أنموذج المدينة المنورة بقيادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الأسوةُ الحسنة، حيث أسست وثيقة المدينة، وهي أول دستور عرفته الإنسانية، أسست مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المختلفين دينًا وعرقًا.
اجزًا يؤدي إلى الانعزال السَّلبي، والانسحاب من المجتمع، فهذه القوانين لا تفرضها الدولة على الناس – وإذا ألزمت بعضُ القوانين المسلمين بما يخالف شريعتهم فعليهم حينئذ الالتزام التام باللجوء إلى القوانين التي تكفُلُ لهم حق التضرر من هذه القوانين والمطالبة بتعديلها.
وكلمة أخيرة أوجهها إلى الدعاة الأئمة وكل من يشارك في خطابات المسلمين وإرشاداتهم هنا في أوروبا: أنه قد آن الأوان لأن ننتقل من فقه الأقليات إلى فقه الاندماج والتعايش الإيجابيين.. وعليكم أن تتذكروا -وتذكروا-قواعدنا الفقهية الجامعة، التي تقرر أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وأن التكليف بحَسبِ الوسع، وأن دين الله يسر، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق اتَّسَع، وأنه لا تحريم مع الاضطرار، ولا وجوب مع العجز، والمؤمن مُلْزَمٌ بوفاء العهود والعقود.. ولا دِينَ لمن لا أمانة له .. وأعلم أيها المسلم في كل مكان أن الناس إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية.
شكرًا لحسن استماعكم. والسَّلامُ عليكُم ورَحمة الله وبركاته؛
اخبار متعلقة..
"الأوقاف" تتجاوز الجوامع ال1000 وتسمح بالاعتكاف فى مساجد السلفية لكثرة العدد.. تعيين إمام أوقاف بمساجد الجمعيات وتقديم صور الهويات الشخصية.. ومنع إدخال أجهزة طهى الطعام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.