«المشاركة فى أى انتخابات عامة كانت طلابية أو نقابية أو محليات أو برلمانية»، هذه هى إستراتيجية الإخوان فى الانتخابات، ومنذ عام 84 تحديدا لم تمر انتخابات إلا شارك فيها الإخوان باستثناء انتخابات برلمان 1990 التى اتخذت فيها القوى السياسية قرار المقاطعة، وانتخابات محليات 2008 التى أعلنت الجماعة مقاطعتها بعد فشل غالبية مرشحيها فى تقديم أوراقهم. ورغم حالة الإخفاق للجماعة فى كثير من المواقع خاصة النقابات مؤخرا، فإن النظام فشل فى جميع المحاولات لتحجيم الجماعة فاتجه لتجميد النقابات أو ما شابه ذلك، ووقف أو تأميم الانتخابات لاتحادات الطلاب، مع صياغة قوانين تزيد القيود على الجماعة تحديداً. الجماعة فى كل انتخابات تدخلها تكون لها أهداف إستراتيجية لعل أولها إثبات الوجود فى الشارع وإحراج النظام، بجانب أن مشاركتها تعد فرصة تاريخية للجماعة فى تدريب كوادرهم على العمل السياسى والانتخابى بشكل علنى وعلى أرض الواقع، بجانب أن موسم الانتخابات أيا كانت صغيرة أو كبيرة فرصة لنشر اسم الجماعة وأهدافها وبرنامجها بطريق شرعى، فضلا عن نشر شعار الجماعة السحرى «الإسلام هو الحل». بعض المراقبين يصف الوضع السياسى وتمرير النظام لعدد من المرشحين فى أى انتخابات من الإخوان ما هو خدمة متبادلة بين النظام والإخوان، تعتمد على استمرار حالة الجمود، بل يذهب كثيرون لاتهام الحزب الوطنى أنه مارس باستمرار عملية قتل الأحزاب المدنية وترك الإخوان تقوى تحت نظر وبعين النظام حتى تحولوا لوحش لكن دون أن يتمرد على ما يريده له النظام، وشبه أحد المنشقين على الإخوان وضع التنظيم بأنه «ميكروب سياسى» يضعفه ويقاومه النظام لكنه لا يريد أن يتخلص منه. وهنا يتضح أن الإخوان رغم الفزاعة التى يريد أن يصدرها النظام للرأى العام والأصوات المحذرة بأنهم البديل الجاهز للنظام أنهم لا يمثلون فى الحقيقة البديل للسلطة، لحرصهم على التنظيم كمسؤولية عظمى لهم وفى المقام الأول، وعندما يشعرون أن هناك قلقا أو مقدمة مواجهة مع النظام تضع التنظيم فى خطر، تنكمش الجماعة وتتراجع، وهو ما تسميه القوى السياسية «ميوعة وانتهازية الإخوان»، وحدث هذا مؤخرا فى واقعتين، فى مارس 2005 عندما خرج الإخوان للتظاهر مع القوى السياسية بالآلاف فى الشوارع ورد وقتها مهدى عاكف، المرشد العام السابق، على رسائل الأجهزة الأمنية بوقف التظاهرات وعدم الخروج للشارع «أعلى ما فى خيلهم يركبوه» فكان وقتها اللواء أحمد رأفت الذى وافته المنية قبل أسبوعين مسؤول التعامل مع الإخوان فاعتقل 3 آلاف فى يومين فقط، وعندها تراجعت الجماعة ولم تخرج مطلقا حتى نهاية الانتخابات الرئاسية. وكذلك فى انتخابات مكتب الإرشاد يتردد أن هناك اتفاقا جرى بين الجماعة والأمن مقابل إجراء الانتخابات الداخلية دون اعتقالات، مما يعنى أن الإخوان رغم حالة التضييق والقيود فهى التيار الأكثر استفادة من النظام، وكذلك النظام أكثر استفادة من الجماعة، لأنه يعرف نهايتها ويعرف ماذا تريد فى حالة التفاوض، فهى إما تريد عددا من مقاعد البرلمان أو الإفراج عن بعض المعتقلين أو غض الطرف عن إجراء معين داخلى كانتخابات مكتب الإرشاد والمرشد، فهم موجودون كما أرادهم النظام وهم قابلون لذلك. أحمد رائف، أحد مؤرخى فترة الستينيات والسبعينيات من تاريخ الإخوان، يصف الإخوان والنظام بأنهما يتعاملان بعشوائية مع غائبى العقل، والنظام يقدم من وقت لآخر خدمات مجانية للجماعة سواء فى الانتخابات أو فى المعالجة لملفات الأمن أو حتى التعامل فى الإجراءات اليومية، معتبرا أن النظام فى يده مفتاح الحل الذى قد يتسبب فى انشقاقات أو هدم الجماعة، إلا أنه يرفضه وهو أن يتيح له فرصة العمل الشرعى وفق قوانين وضوابط، وهنا يكسب الرأى العام ويجعل الإخوان يشنقون أنفسهم لعدم احتمالهم القيود، لكن النظام يصور له البعض من مستشاريه أو صانعى القرار أنهم فى أفضل حال مع منع الإخوان. د.عصام العريان، المتحدث الإعلامى باسم الجماعة، يعترف بأن الحكومة بدأت تتحسس فى تعاملها مع الإخوان فى الانتخابات، خاصة بعدما استحوذ الإخوان على غالبية النقابات المهنية. رغم هذا التواجد فإن كثيراً من المراقبين يعتبرون أن الجماعة لم تحقق شيئاً ملموساً لا رقابياً ولا تشريعياً، وهو ما يرد عليه العريان بأن هذا النقد يصدر من مراقبين لا يريدون للتيار الإسلامى بوجه عام أن يكون له صوت، كما أن الإخوان أضافوا للبرلمان من حيث أنهم أدخلوا على البرلمان اتجاه جديد ومناقشات من منظور إسلامى. هذا التحرك أعطى للإخوان ثقلا حتى فى الجامعات التى كانت لا تمثل فيها شيئا فى السبعينيات والثمانينيات، حتى جاءت حقبة التسعينيات فاستولى التيار الإسلامى «الإخوان» الذى ورث الاسم من الجماعة الإسلامية فى الجامعات على مقاعد اتحادات الطلاب، ووصل الأمر لمواجهات دامية فى عام 2006 فى جامعة عين شمس بسبب ما سمى بتجربة «اتحاد الطلاب الحر» الذى ابتدعوه ليكون موازيا للاتحاد الذى سيطرت عليه الحكومة. وكانت الثمانينيات بداية تجربة جديدة للإخوان فى النقابات المهنية، حيث فازوا عام 1985 بغالبية مقاعد نقابة المهندسين، وفى 1986 بنقابة الأطباء، و1987 اكتسحوا للمرة الثانية نقابة المهندسين، وعام 1988 استحوذوا على غالبية نقابة الصيادلة، وفى 1989 سيطروا على نوادى هيئات التدريس فى الجامعات الكبرى مثل القاهرة وأسيوط، وبعدها فازوا فى انتخابات نقابات المحامين والتجاريين. وكان الرد الحكومى هو فرض الحراسة على نقابات المهندسين منذ 16 عاما، والمحامين لمدة 7 سنوات، وإصدار قانون 100 لسنة 1993 الذى تسبب فى وقف الانتخابات بنقابات الصيادلة والتجاريين والأطباء وغيرها، وأفرز فى النهاية تجميدا جزئيا لنشاط هذه النقابات، أما اللعبة الدائمة للإخوان فى الانتخابات العامة أو النقابية فهى التحالفات الشكلية التى تجريها، والتنسيق الذى جعل أغلب الأحزاب والشخصيات البعيدة عن الحزب الوطنى تجرى خلفهم طمعا فى أصوات أنصارها، أو على الأقل ضمان عدم دخول منافس لهم، إلا أن تجربة 2005 وما حدث فى رفض الجماعة التنسيق مع الجبهة الوطنية والتحجج بأنهم اختاروا مرشحيهم مبكراً أثر سلباً على علاقة الجماعة بالأحزاب، وأدى لرفض أحزاب مثل التجمع والوفد والناصرى التنسيق أو حتى التعاون معهم، مما اضطر الإخوان عندما شعروا بأنهم فى حاجة للأحزاب لأن يقودوا حملة جديدة لطرق الأبواب للأحزاب الكبيرة فى أبريل الماضى ومستمرة حتى الآن. ضياء رشوان، خبير الحركات الإسلامية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، يرى أن هناك إحساساً يغلب على الإخوان بأنهم مستهدفون لعزلهم خلال الفترة المقبلة، وأنهم سيدفعون ثمن توافقات بين الحكم وأحزاب المعارضة، لذا فهم حريصون على عمل عكس ما هو متوقع، ووأد أى محاولات لعزلهم، مضيفا أن الجماعة معتادة فى بعض المواقف مثل المقاطعة المطروحة على الساحة حاليا أن تلقى الكرة فى ملعب الآخرين، ويتخوفون أن يتحملوا النتيجة وحدهم، وفى الغالب يشاركون بدعوى إخفاق المعارضة فى الإجماع على المقاطعة.