خيمة كبيرة تتوسط ساحة المولد مرصعة بمصابيح ملونة تضىء وتنطفئ فى تسلسل متناغم ومعلق على مدخلها لوحة قديمة تغيرت ألوانها فبدت كما لو كانت بيضاء واسودت بفعل المناخ ومكتوب عليها (مسرح تاج العلاء) بخط أحمر باهت كاد أن يمحيه الزمن، كان صخب وضجيج الجمهور الصادر من الداخل ينم عن عدم رضا بما يتم تقديمه من عروض، خرج أيوب مندفعاً وربما مدفوعاًً فى خطا متسارعة مثيراً سحابة من غبار طريق الخروج الغير معبد وانتحى جانباً محاولاً إعادة ترتيب هندامه، التفت إلى يساره حيث وصل الى أسماعه وقع أقدامها فوجد أمرأة جميلة الملامح.. أنيقة المظهر.. تفيض هدوءً ووقاراً تتقدم نحوه فارتفع حاجباه دهشة وارتسم الارتياح على محياه ثم مد يده لتحيتها فمدت يدها وما كادت أن تفعل حتى تشبس بها كالغارق الذى وجد طوق النجاة ثم بادرها سائلاً. أيوب: أنا موش مصدق عينى!!.. مدام إصلاح كامل؟!.. انت فين من زمان يافنانة؟.. معلهش معرفتكيش بنفسى.. أنا أيوب صابر.. واحد من المعجبين بفنك الأصيل، شايفة مسرح (تاج العلاء) بقى عامل ازاى؟ إصلاح: المسرح ده كان أحسن مسرح فى المنطقة وكل المسارح اللى حواليه كانوا بيتعلموا منه ويقلدوه، كان بيقدم فقرات حلوة ومتنوعة، ليه الجمهور دلوقت ما بقاش راضى؟ أيوب: الظاهر يا فنانة إن مشاغلك كتير وموش متابعة أخباره.. تصدقى إن المدير خلى العرض عبارة عن فقرتين بس.. واحدة عبارة عن أوبريت تراجيدى مأساوى بعرايس الماريونت بيحركها هو من ورا الستارة والفقرة التانية عبارة عن وصلة غنائية بصوته اللى مافيهوش طرب.. وكل يوم زى اللى قبله من غير تجديد.. لا عايز يغير العرايس اللى دابت ولونها بهت.. ولا حتى عايز يشرب يانسون يمكن صوته يروق.. تعالى يا فنانة شوفى كده. جذبها أيوب من يدها متجها نحو باب الخيمة بينما لم تبد هى أى مقاومة أمام حماسه المتوهج، وما إن دخلا حتى صمت آذانهما صيحات الجمهور الذى كانت نظراته متجهه نحو خشبة المسرح هاتفاً بعبارات الشجب والاستهجان مطالباً بالتغيير، بينما يغنى المدير بصوت أجش مثل فريد شوقى فى فيلم بداية ونهاية المدير: ( مغنياً ) والله زمان.. زمان والله الجمهور: ما تنقطنا بسكاتك بقى ياجدع انت المدير: (مغنياً بإصرار) والله زمان.. زمان والله الجمهور: ده إيه القرف ده؟، انت ح تطفحنا اللقمة اللى بناكلها ولا إيه؟ ثم أخيراً صاح المدير مقدماً الفقرة التالية وهى أوبريت مأخوذ عن فيلم قديم اسمه (يوم بلا غد) بطولة زكى رستم ومريم فخر الدين والذى يحكى عن طفلة يتيمة يتولى زوج أمها كافة أمورها ومع الوقت يمنعها من أن تحب أحد غيره حتى تنكشف نواياه ورغبته فى اغتصابها والاستحواذ عليها المدير: والآن مع أوبريت (يوم بلا غد) الجمهور: سيما أونطة.. أخذوا فلوسنا وضحكوا علينا شق أيوب وإصلاح طريقهما فى اتجاه خشبة المسرح بين الجمهور الغاضب الذى ما ان رآهما حتى أفسح لهما الطريق هاتفا (عايزين إصلاح .. عايزين إصلاح) أزاحت أيدى أيوب الغاضبة تلك العرائس البالية من فوق خشبة المسرح بمجرد وصوله هناك داعياً إصلاح لاعتلائه لتقديم فنها.. لم تجد إصلاح بداً من ذلك فأمسكت بيدها مكبر الصوت وبدأت تشدو والجمهور يردد معها طرباً (وقف الخلق ينظرون جميعا * كيف أبنى قواعد المجد وحدى * وبناة الأهرام فى سالف الدهر * كفونى الكلام عند التحدى * أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق * ودراته فرائد عقدى.. قل لمن أنكروا مفاخر قومى * مثل ما أنكروا ماثر ولدى * هل وفقتم بقمة الهرم الأكبر؟ * يوما فرأيتم بعض جهدى؟ * استبينوا قصد السبيل وجدوا * فالمعالى مخطوبة للمجد).