هجوم حاد من "النواب" على وزير العدل ورئيس المجلس يتدخل: لا توجهوا أي لوم للحكومة    البورصة المصرية تربح 6.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    تعرف علي موعد إضافة المواليد علي بطاقة التموين في المنيا    اعتماد المخططات التفصيلية لقريتين في محافظة كفر الشيخ    الكرملين: مصادرة الأصول الروسية لن تمر دون رد    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    محمود الخطيب يُعلن قائمته في انتخابات النادي الأهلي    فرصة للزمالك.. فيفا يدرس زيادة الأندية في كأس العالم    مصرع 3 أشخاص وإصابة 7 آخرين إثر انقلاب سيارة نقل بطريق أسيوط الصحراوي    «جسور على الباب» و«عهد السفليين» ضمن عروض مهرجان مسرح الهواة الليلة    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    الصحافة الإنجليزية تكشف موقف عمر مرموش من معسكر منتخب مصر    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    النقل: خط "الرورو" له دور بارز فى تصدير الحاصلات الزراعية لإيطاليا وأوروبا والعكس    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    شقيق عمرو زكى يكشف تفاصيل حالته الصحية وحقيقة تعرضه لأزمة قلبية    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    تصالح طرفى واقعة تشاجر سيدتين بسبب الدجل بالشرقية    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    تزامنًا مع قرب فتح باب الترشح لانتخابات النواب.. 14 عضوًا ب«الشيوخ» يتقدمون باستقالاتهم    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    حب وكوميديا وحنين للماضي.. لماذا يُعتبر فيلم فيها إيه يعني مناسب لأفراد الأسرة؟    أسرة عبد الناصر ل"اليوم السابع": سنواصل نشر خطابات الزعيم لإظهار الحقائق    "الإصلاح والنهضة": صراع النواب أكثر شراسة.. ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    بدء صرف جميع أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمستشفيات الرعاية الصحية بالأقصر    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    رئيس جامعة الأزهر يلتقي الوافدين الجدد    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات مجهولة العنوان!
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 07 - 2010

هل تعلم صديقى القارئ أن الكلمات التالية تتأبى على أى عنوان؟.. نعم هى كذلك متمردة لا أملك حيالها شيئاً، فهى تكتبنى بنفس القدر الذى أكتبها.. إلهام، رصيد معرفى، أو مجرد خواطر تمطر رأسى وتنسكب مداداً فوق صفحاتى.
فى أدراجى مئات الصفحات التى كتبتها ولم تر النور، أو حجب عنها النور، أو قُطع عنها، مقالات عديدة لم يحتملها بعض رؤساء تحرير، وقصص بريئة أرعبت مسئولى صفحات الأدب، وخارج أدراجى ضاعت آلاف الصفحات التى سودتها وفقدتها فى حياة البداوة والترحال الأنيقة التى أحياها، فكم خيمة نصبتها فى بقعة أرض كى أرفعها لأنتقل إلى بقعة أخرى، وخلال مراحل التنقل المختلفة تضيع أشياء.. الزمن، العمر، والآمال.
امتزج حزنى بسخريتى عندما قال لى الصديق العزيز أن مقالى الجديد أعسر من أن تهضمه الصفحات، ولم يكن ذلك هو المقال الوحيد، سألته : كيف ؟.. ضحك.. ولم أشكو.. لمن أشكو ؟.. أن ُيراعى وذراعى هما كل متاعى، وهما السيف والدرع، وهما عصا موسى تطل على ثعابين الحواة.. قلت له فى أسى: خسارة!!.. عشت مخاض هذه الكلمات وميلادها، سامح الله من وأدها.
أتوكأ على عصا شيخوختى، متأملاً فى القطيع الذى يخب بطيئاً عند سفح الجبل، أعتصر ذاكرة ازدحمت فيها ملايين الصفحات والأحداث والشخصيات، أجذب الحروف جذباً فتختنق بحبلها الصرى الملفوف فوق أعناقها، الكلمات مرتجفة خائفة تخشى مصير ما سبقها، أن تولد وتموت قبل أن تخطو ولو خطوة واحدة إلى العيون والعقول، ولكننى أكتب كما اعتدت على مر نصف قرن فوق هذه الأرض، أكتب السطور وتكتبنى كى تستمر حياتى.
على الساحل الشمالى الذى أكلته الخراسانات وشوهت ساحله البديع ألوان الطلاء القبيحة، أوقفت سيارتى لأرقب الفندق الهادئ القديم الذى حمل ذكريات السنين والأيام، تغتاله الآلات الضخمة الصفراء، وتدمر ما تبقى من ذاكرة أنغام الموجات الناعمة، أترحم على "سيدى عبد الرحمن"، وأواصل الطريق بينما أم كلثوم تغنى فى مذياع السيارة "الأطلال".
نضب معين الدموع، تلوثت آبار المعانى، فمن أين يرتوى الخيال؟.. سألنى الصديق: أين الإبداع القديم؟.. تحيرت، قلت له بعد تفكير عميق: لا أعرف.. "سمعت فى شطك الجميل، ما قالت الريح للنخيل، يسبح الطير أم يغنى، ويشرح الحب للخميل، وأغصن تلك أم صبايا شربن من خمرة الأصيل".. قلت لنفسى: انتحرت المعانى.
كنت دائماً أكتب عن صبية.. نعم لا تزال الكلمات صبية شهية طازجة، عاشت فى نخاع براءة الأيام، دون أن تفقد بهاءها.. كانت أمى وهى تمنحنى من صدرها حليب الصبر الممزوج بالصلابة.. كانت فتاة عابرة ألهمتنى مئات السطور.. امرأة قطعت من عمرى شوطاً، وأخرى نزعتنى من قاعة التراتيل فى كاتدرائية "فينسيا" كى تروى لى قصصاً عن رجال فى حياتها.. الوجه وجه صبية تتألق رغم السحابات التى تخفيه أحياناً، ورغماً عن الليل الطويل فى أحيان أخرى.. فلاحة الشرقية التى هرولت كى تحملنى إلى دارها عندما أصيبت قدمى فى التدريب وسقطت متخلفاً عن رفاقى، راقصة الفلامنجو فى "سانتياجو" التى انضمت إلى مائدتنا بعد انتهاء العرض كى تحكى لنا عن علاقة ذبذبات الجسد مع ذبذبات الروح.. مريم الفلسطينية ولقاء ممتد فى معرض فنان سورى، تروى عن تدريباتها مع "فتح" فى غور الأردن، خيانة زوجها لها مع رفيقة كفاحها، جرحها العميق الذى لم يندمل، ورغم ذلك تدندن ونحن سائرين فى الشارع الذى خبت أضواءه وخلا من المارة، تغنى تحت المطر أغنية فيروز
"يا قدس يا مدينة الصلاة".
قد تنتهى السطور ولا ينتهى عبير تلك الزهور التى عبقت أيامى وأرتشفت منها رحيق إلهامى، إلا أن صبية تجتاز كل السطور كى تتصدر الكتاب، تعيدنى للصبا، تمنحنى جرعة الرغبة فى مواصلة سطورى رغم الحصار.. صبية تعتلى صهوة القرن الحادى والعشرين وتجذبنى معها إلى الأمام حتى لا أنظر خلفى.. هى الترياق الذى أبرأ أسقامى، جاءت بعد طول العسر "ميسرة".
أتأمل إلى أوراقى التى اكتظت متناثرة فى صناديق الرحيل، إلى كتبى التى امتلأ به بيت الأسرة القديم وبيتى الجديد، وأنظر إلى الأوراق التى تحمل أسماء الشهور وأرقام السنين، هل تبقى ما يتيح إعادة قراءة كل هذه الغابات من الأوراق؟.
اختار ورقة بهتت الكلمات على سطورها، كتبتها فى صالة الترانزيت فى مطار روما، أتذكر اللحظة وكأننى عدت بشحمى ولحمى ومشاعرى إليها، تدمع عينى فأفرح بإعادة اكتشاف نبع دموعى، رغم أننى لم أفهم تماماً لماذا كتبت وأنا جالس فى مطار روما عن رفاق السلاح الذين استشهدوا فى حرب أكتوبر، فكل ما كنت أفعله فى روما هو تمثيل مصر فى مؤتمر بمعهد القانون الدولى الخاص لمراجعة اتفاقية حول إعادة الآثار، وكانت المناقشات مع باقى الوفود حادة ومرهقة، ونجحت فى تمرير بعض الصياغات.. ربما كانت العلاقة الخفية هى ذلك الرباط الوثيق مع شرف الوطن.
وجدت ورقة أخرى مضغوطة بين بعض الكراريس، وتاريخها يعود إلى يوليو 1968، سطور حماسية مدهشة، وأفكار جريئة مقتحمة، وحديث عن الثأر والخلاص، ورغبة مؤكدة فى الشهادة، وبها تسجيل لحوار دار بينى وبين صديق أسمه ناجى ( أين هو الآن؟)، كان يقول لى : ماذا بمقدورنا..؟، قلت له: يجب أن نستجيب لقدرنا.. وسوف ننتصر.
أوراق بلا تواريخ لملخصات مواقف تفاوضية، ولقاءات عديدة، وأوراق تحمل ترتيبات الإعداد للسفر بتفاصيل تبدو الآن مضحكة، مثل "لا تنسى وضع علبة الأسبرين فى الحقيبة الصغيرة "، و"المفاتيح فى جيب شنطة الأوراق".
فكرت لوهلة أن أبادر بإعدام الجزء الأكبر من هذه الأوراق، على الأقل كى أتفادى شكوى زوجتى المستمرة من زحام أوراقى وكتبى، ولكننى تمهلت قبل الإقدام على هذه المذبحة وحملت قلمى كى أكتب السطور السابقة، وبدأتها وأنا أفكر متشككاً فى جدوى الكلمة أو السطور خاصة حين تطاردها أشباح القبح والخوف والرداءة، ولكننى الآن بعد هذه الرحلة القصيرة مع خواطرى أتراجع عن الإقدام على هذه الجريمة، فهذه الأوراق وتلك السطور هى جزء منى، بل هى روح أيامى، فكيف تستمر حياتى إذا فقدت روحها؟.
وقد يسأل سائل أو منتقد: مالنا نحن وأيامك وروحها؟، ومن المؤكد أن سطور كهذى لن تجد ناشراً لها، ولا أجد إجابة على ذلك سوى أن هذه السطور تكتبنى كما أكتبها، وهى لا تبحث عن شهرة أو قارئ، ولا تبالى بعين أو مقص الرقيب، أنها ظلى على الأرض الذى قد يبقى بعد رحيلى، ربما وجد فيه أحد فائدة ما، حتى ولو كان الاحتماء به زمن القيظ أو ارتشاف بعضاً من قطراته.
وإذا كان القارئ العزيز قد وصل معى إلى هذا السطر، فلعله يتفق معى الآن أن أفضل عنوان لهذا المقال هو ألا يكون له عنوان، مثل الحياة التى نعيشها والتى نمر فيها مر السحاب، مثل شذى بستان نمر عليه فلا نعرف أى وردة فيه تمنحنا ذلك العطر الجميل، أنها خفقات قلب يمشى فى شارع الصور، يستعرض متعجلاً انعكاسات ضوء الزمن، يحاول أن يتخلص من " كولوسترول" الأغبياء الذى يرمى بدهونه فى شرايين الأيام.
* عضو اتحاد الكتاب المصرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.