محافظ دمياط يفتتح مدرسة الجمهورية الابتدائية بالزرقا بعد تطويرها    الرئيس السيسي يوقع تعديل بعض أحكام قانون إنشاء الهيئة القومية للأنفاق    «الوزراء» يوافق على مشروع قانون الضريبة على العقارات المبنية    محافظ الإسماعيلية يتابع أنشطة مديرية الزراعة ويؤكد دعم تنمية القطاع    «حياة كريمة».. نائب محافظ بني سويف يتابع مشروعات القطاعات بببا وناصر    محافظ بني سويف يحذر المخالفين: لا تهاون مع التعديات على الطرق العامة    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    آلاف الفلسطينيين يتوافدون لاستلام المساعدات الغذائية في رفح وسط تدافع وإجراءات أمنية    ابتعد أيها الفاشل، قارئة شفاة تكشف سر صفع ماكرون على الطائرة    مصر تحصد 6 ميداليات في البطولة الأفريقية للسامبو    سلوت يرفض تسلم جائزة الأفضل في الدوري الإنجليزي تضامنا مع ضحايا ليفربول    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    دي بروين يقترب من نابولي بعقد لمدة عامين ومكافأة توقيع 10 ملايين يورو    العثور على جثة طفل بعد إلقائه حيًا في نهر النيل بقنا    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    البوستر الرسمي لفيلم «عائشة لا تستطيع الطيران» ضمن الأفضل بجوائز لوسيول    راغب علامة يلتقي ب الرئيس اللبناني جوزيف عون ويوجه له رسالة    هيئة فلسطينية: فرض النزوح القسرى واستخدام التجويع فى غزة جريمة حرب    9 عبادات.. ما هي الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة؟    نائب وزير الصحة والسكان تعقد اجتماعا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثالثة للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    السبب ميدو| حسين السيد يعتذر عن الإشراف على قطاع الناشئين بالزمالك    وزارة الثقافة تعلن حصاد المرحلة الخامسة من مشروع "مسرح المواجهة والتجوال"    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    خبر في الجول - الجفالي خارج حسابات الزمالك بنهائي كأس مصر    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    «قبل المونديال».. بايرن ميونيخ يتحرك لتعديل عقد نجم الفريق    افتتاح الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط (صور)    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    مطلب برلماني بوضع حلول جذرية لتحديات تنسيق رياض الأطفال بالمدارس التجريبية    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يغنى الأحرار
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 06 - 2010

يغنى البنغال لوطنهم ومزارعهم أغانٍ مليئة بالحب والحماسة والفداء، رغم أن بلادهم وهى جمهورية بنجلاديش المعروفة، هى أفقر دول العالم، ومن أكثرها فساداً، وبالتالى هم أيضا أفقر الشعوب.. ولكن ماذا فعل هؤلاء القوم لتلك البلاد غير الغناء؟. لا شىء.. فقد تركوها وراحوا يضربون فى أطناب الأرض بحثا عن الكفاف، ولا شىء غيره، لأن بلادهم عجزت حتى أن توفره لهم، وهم العاملون الفلاحون.
فهل البنغال أبناء دنيا ويعشقون الحياة فآثروها؟ ورفضوا أن يموتوا فداء الوطن وإصلاحه، لكى يحيا أبناؤهم من بعدهم حياة أكرم من تلك التعيسة التى يعيشونها الآن؟. ربما، ولكنهم إحصائيا يفقدون الآلاف سنويا فى الفيضانات وهم نائمون فى بلادهم، وفى حوادث المناجم وحفر الطرق وهم يعملون خارجها.
فهل فكر البنغال أن يموتوا من أجل إصلاح بلادهم؟ وأن يبدوا استعدادهم للتضحية فداءً للوطن، بدلا من الموت فى إعمار أوطان أخرى؟. حتى الآن لا تبدو الإجابة نعم، إذ مازالت بلادهم فقيرة وحكومتهم فاسدة وأبناؤهم فقراء ورجالهم يهاجرون بالملايين، ولكنهم أيضا مازالوا يغنون للوطن تلك الأغانى الجوفاء.
بالطبع ليس فقط البنغال هم المقصودون، ولا هم فقط من يفعل ما يفعلون. ولكن مثلهم فى ذلك مثل عشرات الشعوب الأخرى، ولكن يبدو ذكرهم هو الأقرب لنا بحكم أنهم مسلمون، وأن الكثير منا عرفهم من خلال العمل فى دول الخليج العربى، الذى يمثلون الآن نسبة كبيرة من سكانه.
ولكن هل لا تغنى شعوب أوروبا ودول العالم المتقدم لأوطانها؟ نعم يغنون للأرض والطيور والحرية، ويتذكرون أجدادهم الذين ضحوا بأنفسهم لكى يصنعوا لهم عالما جميلا.. وفى الماضى غنى هؤلاء الناس أيضا لقراهم ومزارعهم وأطفالهم.. وكانوا يحلمون بعالم سعيد يمكنهم العيش فيه، لا يفرق بين الناس ويعطى لكل ذى حق حقه.. كانوا يغنون للحبيبة وشعرها الذهبى كحقول القمح، ويحلمون ببيت صغير ومزرعة، وأطفال يمرحون.. تلك الأغانى التى غناها هؤلاء لم تكن مجرد كلمات اشترتها "وزارة التوجيه والإرشاد" لكى تخدعهم بها، ولم تكن مجرد أحلام مستحيلة يحول دون تحقيقها حزب أوحد مزوِّر، ولا مستعمر، ولا نظام فاسد، تلك كانت ترنيمات الشعوب الحية، التى تشحذ بها الهمم من أجل تحقيقها، وليس من أجل الاكتفاء بها عن الفعل. فأغانى الأحرار ثورة، وأناشيدهم تغيير وإصلاح.
فى فرنسا.. غنى الفلاحون للحرية، فأشعلوا الثورة عشر سنوات، ضد الجور والاستعباد والضرائب وحكم السادة والنبلاء الفاسدين.. وفقدوا خلالها الآلاف من أبناء الشعب، لتصبح بعدها فرنسا سيدة الديموقراطية والحرية فى كوكب الأرض، وتبعتها فى ذلك بقية شعوب أوروبا، ليسودوا العالم بعد ذلك، ويغنى لهم أحمد شوقى: دم الثوار تعرفه فرنسا وتعرف أنه نور وحق.. وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدق.
ومن العصر القديم إلى العصر الحديث والسنوات القريبة، كان الرومان شعبا فقيرا مقهورا بحكم مستبد فاسد، وكان الناس الذين ذاقوا كل صنوف الذل والقهر عبر سنوات وعقود طويلة، يغنون أيضا للأرض والحرية، ويتطلعون إلى الأفق البعيد خلف جبالها وتخومها وأنهارها، وينشدون غدا أفضل لأبنائهم، ولكنهم لم يكتفوا بالأمنيات والأغانى، فكانت أشهر الثورات الشعبية فى أوروبا عام 1989، التى قام بها الشعب الرومانى ضد الدكتاتور شاوشيسكو، والتى فقد فيها الشعب الرومانى عشرات الآلاف، والبعض يقول مئات الآلاف، وهم مرابطون أمام قصر الدكتاتور حتى داست فوقهم الدبابات أحياء، وأطلق حرس الدكتاتور وشرطته النار عليهم عشوائيا، إلا أن الشعب كان قد أقسم ألا يعيش إلا حرا أو يموت، وألا تذهب أغانيهم للأرض والوطن والحرية أدراج الرياح.. فكانت النتيجة هى أن الشعب عاش حرا، بينما اعتقل شاوشيسكو وزوجته وهما يحاولان الهرب، وتم إعدامهما علنا أمام شاشات التليفزيون، وعاد الشعب ليغنى من جديد أغانى الحرية والنماء.
وفى بلادنا الميمونة، يغنى الناس أيضا للهرم والنيل، ويتغنون بالتضحية والفداء لسماء الوطن وترابه.. ويتغزلون فى كل شىء فيه، ويعشقونه حتى النخاع، فهم أكثر من دللوا وطنهم بالغناء، ولكن للأسف كما يغنى البنغال وأقرانهم، وليس كما غنى أحرار العالم الحقيقيون.
فمصر فى أغانى المصريين هى المحروسة، وهى بهية، وهى أم الدنيا، وهى الحبيبة والأم، وجميع الناس مستعدون أن يموتوا من أجلها إذا تعرضت لخطر خارجى أو عدوان، ولكن ماذا يفعلون الآن وهى مستلبة داخليا، وتتآكل بفعل الفساد والإفساد، وبفعل القمع وسلب الحريات، والتسلط والاستبداد، وتزوير الإرادة، وتشويه الكرامة والتاريخ؟ لا شىء.. وهل مازالوا يغنون لها؟ نعم.. فمازالت مصر هى "تاج العلاء فى مفرق الشرق" كما وصفتها أم كلثوم على لسان حافظ إبراهيم، وهى أيضا كما قالت على لسان عبدالفتاح مصطفى: "المصانع والصوامع والزحام.. والغيطان اللى آخرها المدنة وأبراج الحمام".. فهل المصريون مازالوا على استعداد أن يموتوا دفاعاً عنها ضد أى عادٍ؟ نعم ألف مرة. ولكنهم للأسف لا يفعلون ذلك من أجل إصلاحها، ولا ينتبهون إلى أن الخطر ليس بعيدا بالضرورة، وأن العدوان لا يأتى فقط من خلف الحدود.
فالنيل معشوق المصريين وهم أكثر من غنوا له بين كل الشعوب التى يسقيها، ولكن فى أزمة اتفاقية حوض النيل التى وقعتها دوله مستغلين تهاون الوضع الحالى وهوانه، لم نر فلاحا ممن غنوا للنيل يرفع فأسه مهددا بقطع رأس من يعبث فى مياهه، بل لم نر أى موقف ولو حتى أيضا بالغناء.
وفى كل الأحداث التى تصفع مصر فيها أو تخان، وما أكثرها فى هذا الزمن الردىء، لا نر موقفاً شعبياً بمستوى الحدث، فهل نسى الناس أن تلك البلاد هى التى يغنون لها أبهى الأغانى: "يا دعاء المؤمنين.. فجر بينور سنين.. يا أحن من الحنين..".. "حلوة بلادى السمرا بلادى الحرة بلادى الصبرا بلادى".
فهكذا تذهب أغانى المصريين أدراج الرياح، وتصبح بلا قيمة أو معنى، لأنها مجرد غناء، وكلام لا يعبر عن مشاعر صادقة، ولا يدل على استعداد أو قدرة على تحويل هذا الكلام إلى فعل إذا جد الجد.. فنحن فى تلك السنوات السود من تاريخ مصر، أحوج ما نكون إلى تحويل كل التراث الغنائى إلى واقع، فكما قالت أغنية كامل الشناوى "إن ذا يوما لمن يفتدى مصرَ"، فلابد أن نستدعى كل الأغنيات المحبة والمتحفزة والحماسية والمعادية والمتغزلة فى هذا الوطن.. من رقة نجاة وهى تقول "عطشان يا اسمرانى محبة"، إلى أغنية "الكعكة الحجرية" لأمل دنقل:
أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة
صحفى مصرى يعمل بجريدة المدينة السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.