رلى الحلو صحفية لبنانية أمل الشريف فتاة شابة طموحة، تعمل فى التصميم الفوتوغرافى فى إحدى المجلات الاقتصادية، تعيش فى صلب ساحة الصراع... التقيتها، كلها غضب، تعتريها الثورة، يسكنها التوتر، وجدتها خير مثال لتنقل لنا الواقع بموضوعية الواقع الذى يعيشه اللبنانيون عامة وأبناء بيروت الخاضعة لانقلاب مسلح ليس وليد الصدفة بل هذا ما اختاره حزب الله وباقى أتباع المعارضة وهذا ما اختارته الحكومة الحالية من جراء عدم اتفاقهم على التحاور وحل المشكلة الحاصلة فى وطنى الحبيب "لبنان"، كيف يعيش البيروتيون؟ ما هواجسهم؟ ما معاناتهم بعد هذا الحصار المؤلم؟، فلنسمع صوت الشباب فى حوارنا مع أمل علنا نأمل فى غد لبنان إشراقة جديدة وإطلالة سلمية مستقبلية. كيف علمت أن الحصار بدأ يلف بيروت؟ بدأ كل شىء يتغير بعد ظهر الثلاثاء، من أجواء مريحة وسلسلة إلى جو مختلف كلياً ومتوتر، بعد أن عادت أختى إلى البيت من عملها فى الضاحية الجنوبية إذ كنت أنتظر صديقاً لى سيأتى من خارج لبنان، لديه عمل فى بيروت. شعرت حينها بحيرة وتوتر شديدين. ما العمل؟ هل أتصل بالصديق وأخبره بأن الوضع قابل للانفجار بلبنان؟، كل المعلومات التى كانت لدى هو إضراب عمالى لا شىء، وإذ بى أفاجأ بأن هناك شيئاً أكبر من إضراب، عادت أختى متوترة وخائفة. مما زاد من توترى وخوفى. بمن أتصل للتأكد مما يحصل أو سيحصل؟. اتصلت بالفندق لأستعلم إذا ما كانت الحجوزات لا تزال قائمة؟، تحدث إلى موظف الاستقبال بكثير من الصراحة. إذ لم تكن حيرته أقل من حيرتى. فبحثت عن رقم هاتف استعلامات المطار واتصلت بالمطار لأستعلم عن حالة وضع المطار والرحلات فى اليوم التالى. فبلغتنى عاملة الاستعلامات بأن الوضع فى المطار سيكون عادياً والمطار لن يغلق كل ما هنالك ستتأخر الرحلات فقط لا غير. الوقت يتقدم وتوترى يزداد، لدرجة أنى لشدة توترى وشدى على أسنانى انكسر ضرسى وأعانى الآلام لكونى محاصرة فى المنزل منذ يوم الثلاثاء، فى وقت متأخر من ليل الثلاثاء بلغت صديقى بإلغاء رحلته إلى بيروت لأنى لا أستطيع أن أضمن له بالخروج مجدداً من بيروت، لا أحد لديه أجوبة عن الوضع المتأزم فى لبنان، نمت فى تلك الليلة وكلى أمل بأن الوضع لن يتجاوز التظاهر والاعتراض، هكذا تأملت. كيف بدأ صباح الثلاثاء السابع من مايو؟ فى الصباح أختى فى المنزل لم تذهب إلى عملها فى الضاحية لأنها أبلغت منذ اليوم السابق من قبل أشخاص من حركة "أمل" وعناصر أمنيين بأن الوضع سيتفجر وستطول الأزمة فخرجت إلى الشرفة لأنظر وأطمئن إلى حركة الشارع، كان الشارع ما زال مشرعاً أمام حركة السير، ولكن الوجوه التى تتجول فى الشارع نظراتها مخيفة، شباب على دراجات من خارج المنطقة تتأمل النوافذ بتفحص وريبة، شبان يتجولون ذهاباً وإياباً وبعد ساعات عدة، نتفاجأ بصوت قوى يصم آذانى، أطل من النافذة لأفاجأ بمستوعب من الأتربة والنفايات يقطع الشارع، أخرج وأمعن النظر، تم قطع الشارع من جهتين غير مقعول، أصاب بالصدمة لا يعقل أن نحاصر ضمن تقاطع شارعين، وعاد الشبان ذاتهم الذين كانوا يرمقوننا بنظراتهم فى الصباح عادوا مجدداً ولكن مدججون بالسلاح، تأزم الوضع، وبدأنا نسمع طلقات نارية تقترب أكثر فأكثر، أصيبت أمى بهلع شديد وهى تعانى مرض السكرى، طلبت منها الاسترخاء وعاد والدى إلى المنزل، التوتر ساد داخل منزلنا أمى تريد أن تطمئن على أخى، طلبت منها الاسترخاء. كيف كان منظر الشارع؟ توالت الأحداث وتداخلت الأيام، أصوات المسلحين فى الشارع تصم الآذان، تلاسن ملسح مع امرأة مسنة تقف على الشرفة وتسأله ببراءة: هل أنت جيش؟!، لماذا تفعل بنا هكذا؟! أليس ذلك من العيب والظلم؟!، وكان الرد عنيفاً من المسلح مهيناً ومعنفاً، أمى تسمع الأصوات وتتوتر وتبدأ تلعن الزمن الذى وصلنا له. هل تستطيعون الخروج لشراء حاجياتكم الأساسية؟، هل الأكل والمواد الأولية مؤمنة؟ فى حال فتحت المحلات وهى أصلاً ممنوعة من ذلك يسمح لنا بالخروج حسب مزاجية المسلحين، لكن الآن المحلات بدأت تفرغ من البضاعة كونها لا تتمكن من استلام بضائع جديدة بسبب الطرقات المقفلة، الخبز متواجد ولكن هناك زحمة قوية على الأفران. وهل الطبابة والدواء متوفران؟ الصيدليات لا تعطى دواء إلا لمن هم يعانون مرضاً خطيراً، ومن هو بحاجة للذهاب إلى طبيب لا يستطيع لعدم تمكنه من الوصول. يعنى المريض يمكن أن يتعب ولكن من الصعب أن يذهب إلى الطبيب أو أن يأتى الطبيب إلى المنزل. فى حال الاضطرار للذهاب إلى المستشفى يتم التفاوض مع المسلحين للسماح بخروج السيارة من الحصار المفروض وفتح الشارع. ما الشعور الذى يتملك لبنانياً يحارب لبنانياً ومسلماً يحارب مسلماً؟ لقد شعرت بالحقد عند الناس وأن هناك عملية انتقام غريبة، تخيلى بعض المسلحين الملثمين هم من أبناء الشوارع الداخلية، يعنى الجار وابن الشارع المجاور غدر وخيانة، شعورى متداخل ما بين القهر والغضب والكره والخوف، شعور يخف ويقوى بحسب الوضع الأمنى. ماذا تترك هذه الصور فى قلبك؟ يوم نزل المطر الشديد، تمنيت ليلتها أن أصحى فى الصباح وأكتشف أن كل ما حصل فى اليومين السابقين كان مجرد كابوس مزعج وطويل وأن شيئاً لم يكن، ولكن للأسف عادت طلقات النار، تذكرت بغداد وكيف تعرضت للنهب والتدمير لحظة سقوطها. كيف تصفين لى حال المحاصرين من المواطنين اليوم؟ الكل يعانى من القرف والتوتر والخوف، كلنا متواجدون فى بيوتنا وما باليد حيلة ننتظر رحمة الله والميليشيات. وما رأيك بالعصيان المدنى الحاصل؟ أنا ضد المشاركة بالعصيان المدنى من حقى أختار، أكبر كذبة أن من ينادون بالعصيان المدنى هم أنفسهم من يحملون الأسلحة ويراشقون أبناء بلدهم ودينهم بها، إنها قمة المكر والسخرية، هل يظنون أننا أغبياء!. ما مدى قدرتكم على الصمود؟ لم نعد نحتمل صراخ وأصوات المسلحين بالشارع، أعصابنا تعبت، أريد أن أعرف هل مسموح فرض العصيان المدنى بالقوة على المواطنين؟! كيف تصفين المشهد اليوم؟ إنها المرة الأولى التى أعيش مثل هذه التجربة رغم أنى عشت كل الحرب الأهلية. إنها أصعب وأمر تجربة حتى أنها أصعب من حصار بيروت واحتلالها من قبل العدو الإسرائيلى، صعب جداً أن نتعرض للحصار من أبناء وطننا وديننا، إن ظلم ذوى القربى صعب جداً. كلمة أخيرة؟ الله يحمى لبنان ويحفظه. ابتدأت كلامها برعشة، ثارت وتحدثت بعنفوان، مقلتان دامعتان، وقلب يصرخ يريد حرية، يريد أن يخرج إلى النور، قلب يريد أن يزاول حياته اليومية بسلام، أى سلام يعيشه بيروت بعدما أزاحت لنا أمل الستار عن معاناة قد تطول!، فإذا لم تكن هناك حلول سريعة لتلك الأزمة، لن يغفر اللبنانيون لميليشيات حزب الله وأمل ولا لكل من ساهم فى أذية مواطن برىء يدفع ثمن أخطاء السياسيين وتهاونهم بأمن وسلامة المواطنين، صرخة حرية من قلب بيروت، عل هذا القلب ينبض بأمل جديد، ويغنى مع فيروز:" بحبك يا لبنان.. يا وطنى بحبك".