ربما كان الخطاب التركى الرسمى الموجه لإسرائيل فى أعقاب الهجوم على قافلة أسطول الحرية أكثر مما كانت تل أبيب تتوقعه من دولة تحتل المرتبة العاشرة فى حجم التبادل التجارى، وكانت تحضر لمناورة عسكرية مشتركة، لكن من تابع خط سير العلاقات ما بين الدولتين خلال الفترة الماضية يرى أنه شهد صعودا وهبوطا على المستوى الإعلام فقط، لكن تظل العلاقات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية بين الحليفين الإستراتيجيين كما هى، بل إنها فى تزايد مستمر.. لعل ذلك هو ما دفع الإعلام التركى إلى البحث عن جذور الخلاف مع تل أبيب إن وجد، فقد ألمحت وسائل الإعلام التركية ومنها على سبيل المثال صحيفة "ينى شفق" القريبة من الحكومة التركية إلى القول بأن السلوك العسكرى الإسرائيلى الذى انتهى بقتل أكبر عدد من النشطاء الأتراك، هو أمر يحمل بين طياته العديد من المؤشرات، منها إضعاف مكانة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان، والرئيس عبد الله جول، وإضعاف مكانة حزب العدالة والتنمية فى أوساط الرأى العام التركى باعتباره حزبا يسيطر على حكومة تركية عاجزة عن حماية المدنيين الأتراك، وإظهار إسرائيل باعتبارها القوة القاهرة فى الشرق الأوسط، والتى لا تميز بين الجميع فى المنطقة، فضلا عن إضعاف مكانة تركيا فى أوساط الرأى العام العربى، بحيث ينشأ إدراك عربى مفاده أن تركيا ليست جديرة بالقيام بأى دور فاعل فى المنطقة. وبعيدا عن السيناريوهات التى حاول الإعلام التركى تصديرها، فهناك ثمة رأى يقول إن إسرائيل استهدفت تركيا على هذا النحو الملحوظ، فقط لأنها تريد أن ترد على الوساطة التركية فى الملف النووى الإيرانى، وتوجيه إنذار لتركيا بأنها تخطت الخطوط الحمراء فى وساطتها الإيرانية، وأن تل أبيب عمدت إلى استهداف تركيا ودورها، وبطريقة تزيد من صعوبة التكهن بالرد الذى يمكن أن تلجأ إليه أنقرة، وما إذا كانت ستقرر التهدئة أم أنها ستمضى قدما فى التصعيد الراهن. ولكن أيا كانت الأسباب والمبررات التى أعطت لتل أبيب توجيه هذه الضربة لحليفتها أنقرة، فإن المطروح الآن تركيا على الأقل أن أردوجان يمكنه أن يطرح سلسلة من الشروط لتطبيع جديد مع إسرائيل تتضمن جدول أعمال زمنى لرفع الحصار عن غزة، والمبادرة إلى خطة عمل مشتركة مع مصر والفلسطينيين لتدرس إمكانية رفع الحصار عن القطاع، لأن اللعب بشكل منفرد لن يفيد تركيا، كما أن الدخول فى محور الشر كما تصنفه واشنطن والذى يضم إيران وسوريا لن يكون مفيدا أيضا، لأن معادلة القوى فى الشرق الأوسط لن تستقيم بهذا المنطق، ولا باللعب المنفرد..