يعتقد أناس كثيرون أن الحب الأول هو أول علاقة تنشأ بين المحب ومحبوبه، وهذا اعتقاد خاطئ، لكنه هو أول علاقة للمحب ملكت عليه حياته ومشاعره وجوانحه، فقد يكون محبوبه الأول الذى نقصده ترتيبه الثانى أو الثالث بين ما عرف من قبل. إن العلاقات التى نشأت قبل ذلك لم تشعره بلذة ولم تكوى قلبه بنار الحب، لكن عند محبوبه الأول الذى نقصده تجده متيما به، وينتظر رؤياه على أحر من الجمر ينتبه لكل حركاته وسكناته وهمساته ويود تسجيل صوته على شريط كاسيت لسماعه قبل النوم وأثنائه وبعده، يذهب كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة، إلى مكان تواجده ليمتع به ناظريه يأكل ما يأكله ويحب ما يحبه ويكره ويبغض من يبغضه. قلبه وعقله صارا "أسيؤين" داخل جسده يصبح غير ما كان ممسيا يصف حاله قبله كما قال الشاعر: أتانى هواه قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا فاذا غاب المحبوب عنه يوما لا يطيق الدنيا بأسرها وتصعب عليه أنفاسه، و يرى الكون من حوله مظلما وكأن أشباحا تسكنه ويرى الناس من حوله أشرارا، أما عند سماع صوته أو رؤيته ينقلب حاله إلى الضد فيشعر ببلسم شاف ينزل على صدره المحترق وقلبه الدامى فيثلجهما بنعومته وحنانه، و بعد أن تشرد وتسرب النوم من بين مقلتيه نام نوما هادئا هنيئا حالما أنه يأكل مع الحور العين، بعد أن رأى الدنيا مظلمة، فإذا هى حياة وحيوية وجمالا ونضرة يزداد حبه للدنيا ولمن حوله كلما بادله حديثا بحديثه ونظرة بنظرة وابتسامة بابتسامة وإذا ما نشأت علاقات أخرى بين المحب وآخرين غيره لا يلبث أن يعود لمن سحره ولمن احترق قلبه وأسره فى قلبه وأغلق عليه مفاتيح الحب والوداد وصدق الشاعر حين قال: نقل فؤادك ما تشاء من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل فى الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل