مضت أيام، ومرت سنوات، وجرت مياه، وتعاقبت ليال ونهارات، ولم يغفل عقلى وفؤادى ووجدانى عن أمى التى منحتنى مفتاح الحياة فى هذا العالم المغلق، الذى طالما حَيينَا فيه نودع حبيبًا أو صديقًا، فى كل يوم ولحظة، ونقول دوما بحزن شديد، وبقلب يئن من شدة الألم: «هذه سُنة الحياة، كل نفس ذائقة الموت». نعم.. مرت ثلاث عشرة سنة على رحيل كنز البشرية وبستان السعادة، الذى كان يغمرنى يوميا بفرحة عارمة تملأ السماوات السبع والأرض، عندما كانت تعانقنى وتضمنى بفؤادها قبل ذراعيها، وتحتضننى بعينيها الساحرتين كل صباح. لم يجرؤ عقلى على نسيان تلك الليلة المشؤومة التى فقدتها فيها- الثامن من أغسطس 2002 فى العاشرة مساءً - لم أنس قط آخر نظراتها لى وهى تتألم وتتوجع فى أثناء توجهها إلى المستشفى، وكأنها توصينى: "اعتن بنفسك، فلن أراك بعد هذه اللحظة"، وقد صدقت عيناها وذابت عيناى فى جحيم الفراق. أتذكر تلك النظرات الحانية، كأنها بالأمس القريب، ويعترينى شعور مفجع حينما تخترق خاطرى تلك اللحظات الأليمة ماثلة بحضورها المتعين والكامل، لحظات قاسية تقطع نياط قلبى، وتمزق أحشائى، وتلتهم حياتى. نعم.. كان وجودها حُلما جميلا ممتعا، وفراقها كابوسا مزعجا صاحبنى كالظل طوال حياتى منذ وفاتها، وإلى أن يتوفانى الله، ورغم رحيلها عن عالمنا هذا، لم تمت فى قلبى، فهى ما زالت حية تُرزق فى حدائق مشاعرى وبساتين روحى، ولن أنساها يوما قط فى صلاتى. أجل.. هذه هى المرة الأولى التى أتحدث عنها فى مقال خاص بها، فطوال هذه السنوات الماضية لم أستطع يوما أن أكتب كلمة لوصفها وللتعبير عن عشقى لها، وإذا كتبت ملايين الكتب عنها فلن أتمكن من وصفها كما تستحق. دائما أفشل فى كتابة جملة كاملة عنها، وينتابنى شعور بالعجز عندما أعتزم ذكرها فى أبيات الشعر والزجل، حيث لم أجد كلمة أو جملة فى اللغة العربية، تعبر عن مدى حزنى على فراقه، فكلمات قلمى تئن دوما من شدة الفاجعة منذ فراقها حتى هذه اللحظة. أمى الحبيبة.. أقول لكِ هذه الكلمات وأنا على يقين بأنها لن تصلك، ولكن ربما تشعرين بى وبفلذات كبدك، وسأفعل كل جهدى حتى أصل للهدف الذى كنتِ تحلمين به من أجلى، ومهما كتبت أو تحدثت عنك فلن استطيع أن أعبر عما يدور بداخلى من مشاعر تئن وأحاسيس تنتحب وتتألم، وفى حاجة إلى حضنك الدافئ، وكلماتك الحانية، وطلتك المؤنسة التى افتقدها منذ رحيلك... أمى الغالية... كم أشتاق إليكِ.. مفتقدك جدا.. احتاج إليكِ.. وحشتينى