ختام أنشطة البرنامج التدريبى للطاقة الشمسية فى بنبان بأسوان    رئيس جامعة كفر الشيخ يتفقد مطعم المدن الجامعية للاطمئنان على جودة التغذية| صور    مدير التربية والتعليم يتفقد ورش تدريب المعلمين الجدد بالإسكندرية | صور    محافظ بني سويف يطمئن على الاستعداد لاحتفالات العام الميلادي الجديد    الفلاح المصرى.. عصب التنمية.. من عرق الأرض إلى بناء الجمهورية الجديدة    حياة كريمة «الدير»إعادة إعمار شاملة    الاعتدال كلمة السر ضد من يتطاول على مصر    خالد عكاشة: مصر أنجزت السلام بجهد وطني وتُدير أزمات الإقليم بصلابة    مالي وبوركينا فاسو تفرضان قيودًا على دخول الأمريكيين ردًا على حظر واشنطن    الرئيس الإيراني يدعو إلى التضامن بدلا من الاحتجاجات    عمر جابر: التاريخ كتبه الزمالك ونحن أبناؤه مهما حدث    محافظ سوهاج يشهد فعاليات المهرجان الرياضي لذوي الإعاقة "قادرون باختلاف"    ليفربول يتلقى ردا رسميا بشأن عودة كلوب    عبد المجيد عبد الله: حادثة مصحة المريوطية «جرس إنذار».. وليست واقعة معزولة    بالأسماء.. إصابة 3 سيدات بينهن طفلة في حادث انقلاب سيارة ملاكي بترعة بالمنصورة    أم الدنيا    حفلات رأس السنة 2026 تشعل مصر والعالم العربي    الإفتاء: الدعاءُ في آخر العام بالمغفرة وفي أولِه بالإعانة من جملة الدعاء المشروع    الاجتماع الشهري لفرق مكافحة العدوى بالإدارات الصحية ومستشفيات صحة قنا    العملة الإيرانية تهوي إلى أدنى مستوى تاريخي وتفاقم الضغوط على الأسواق    حجز محاكمة 3 متهمات بالاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة بالتجمع لجلسة 28 يناير    العثور على جثة شخص أمام مسجد عبد الرحيم القنائي بقنا    محافظ الغربية: طريق مصرف الزهار هدية طال انتظارها لأهالي مركز قطور    أسواق اليوم الواحد حققت نجاحًا كبيرًا.. وافتتاح سوق جديد بإمبابة الأسبوع المقبل    كنوز| مصطفى أمين الشاهد الأمين على كرم «صاحبة العصمة»    «بحاول أرمم حاجات اتكسرت»| أحمد السقا يحسم جدل عودته ل مها الصغير    معتز التوني: أذهب للجيم للكلام فقط.. ومهنة المذيع أصعب من الإخراج    كنوز| «الضاحك الباكي» يغرد في حفل تكريم كوكب الشرق    حصاد 2025.. عام استثنائي من العمل والنجاحات بمديرية الشباب والرياضة بالجيزة    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مسجدا ويلحق به أضرارا جسيمة    وزير العمل يعلن صرف 299.2 مليون جنيه منحة عيد الميلاد للعمالة غير المنتظمة    إكسترا نيوز: التصويت بانتخابات النواب يسير بسلاسة ويسر    ظهور مميز ل رامز جلال من داخل الحرم المكي    هل يجوز الحرمان من الميراث بسبب الجحود أو شهادة الزور؟.. أمين الفتوى يجيب    مدافع جنوب إفريقيا: علينا تصحيح بعض الأمور حتى نواصل المشوار إلى أبعد حد ممكن    وزير «الصحة» يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لإحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد    خالد الجندي: الله يُكلم كل عبد بلغته يوم القيامة.. فيديو    "التعليم الفلسطينية": 7486 طالبًا استشهدوا في غزة والضفة الغربية منذ بداية 2025    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد    الداخلية تضبط تشكيلًا عصابيًا للنصب بانتحال صفة موظفي بنوك    بشرى سارة لأهالي أبو المطامير: بدء تنفيذ مستشفي مركزي على مساحة 5 أفدنة    حصاد 2025.. جامعة العاصمة ترسخ الوعي الوطني من خلال حصادًا نوعيًا للأنشطة العسكرية والتثقيفية    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    دون أي مجاملات.. السيسي: انتقاء أفضل العناصر للالتحاق بدورات الأكاديمية العسكرية المصرية    حصاد 2025| منتخب مصر يتأهل للمونديال ويتألق في أمم أفريقيا.. ووداع كأس العرب النقطة السلبية    دينيس براون: الأوضاع الإنسانية الراهنة في السودان صادمة للغاية    إيمري يوضح سبب عدم مصافحته أرتيتا بعد رباعية أرسنال    إجازة السبت والأحد لطلاب مدارس جولة الإعادة في انتخابات النواب بأسوان    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    "القومي للمسرح" يطلق مبادرة"2026.. عامًا للاحتفاء بالفنانين المعاصرين"    مواعيد مباريات الأربعاء 31 ديسمبر - الجزائر وكوت ديفوار والسودان في أمم إفريقيا.. وكأس عاصمة مصر    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    «اتصال» وImpact Management توقعان مذكرة تفاهم لدعم التوسع الإقليمي لشركات تكنولوجيا المعلومات المصرية    مصرع طفل صدمه قطار أثناء عبوره مزلقان العامرية بالفيوم    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف الذى اغتاله كاتم الصوت
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 05 - 2010

انطلق الرصاصات من كاتم الصوت هذه المرة على أرض بغداد لتغتال "كامل شياع" وهو- كان- واحد من الكتاب المثقفين العراقيين الذين اكتووا بلهيب الغربة، واقتاتوا من خبز المنافى، وشربوا من صديد الملاحقات السلطوية لمدة تقترب من ربع قرن، فقد خرج من بغداد عام 78 مع أمير شعراء العراق "سعدى يوسف" ورفاقهما، وقد عرفته فى بغداد وأول مرة قابلته فيها كانت عام 76 فى مقهى "البرازيلية" قريبا من مقهى "المربعة" الذى يتجمع فيه المصريون، حيث كان صديقى الشاعر الصعلوك "جان دمو" قد قرر أن يدعونى على كوب من "القهوة بالحليب" فى هذا المقهى الذى لا يقدم الشاى ليعطى نفسه تميزا عن بقية المقاهى الشعبية فى شارع "الرشيد"، وفى مقهى "البرازيلية" التقينا "كامل شياع"، وقام "جان دمو" بتعريفى ب"كامل شياع"، وقد أخذ يشرح لى أنه "شيوعى سومرى من أهوار الناصرية"، وبالرغم من ذلك فهو "طيب إلى درجة السذاجة" و"خجول إلى درجة الطفولة" و"دمه أخف من دم المصريين"، ورد "كامل شياع" أن "جان دمو" مجرد شاعر أشورى قد ولد بسنتين فقط، مما يجعله أعجوبة الشعراء فى "كركوك" فكيف لشاعر ألا يكون له فى فمه إلا سنتين، وبعد أن أكملنا شرب القهوة بالحليب" قرر "كامل شياع" أن ننتقل إلى مقهى "البرلمان" فى شارع "الرشيد" فى مواجهة مسجد "الحيدرخانة"، حيث "الشاى المهيل" الذى يجهزونه فى "الأوجاغ"، وكذلك شاى "الدارسين" وشاى "الحامض" وشاى "الكجرات"، وتدخين الشيشة ومن يومها تلازمنا، فلم أترك "كامل شياع" ولا مقهى "البرلمان بعد ذلك طوال مدة بقائى فى "بغداد"، حيث كنت أعمل صحفيا فى جريدة "الجمهورية" العراقية" وألتقى يوميا به فى المقهى حيث الكتاب والشعراء يلعبون "الدومينو" و"الطاولة" ويلقون بأشعارهم، وبعد مغادرتى "بغداد" بعام واحد تقريبا عرفت أن "كامل شياع" قد ترك "بغداد" حيث المنفى الاختيارى فى العاصمة البلجيكية "بروكسل" منذ عام 87، ولم أعرف أنه عاد إلى "بغداد" إلا فى عام 2003، حيث عمل مستشارا لوزير الثقافة العراقى فى بغداد، وكان يعد من أبرز المطالبين ببناء حركة ثقافية جديدة فى العراق وفق رؤى علمانية، وقد كتب لنا هو بنفسه عن هذه العودة قائلا: "عدت إلى العراق تاركاً ورائى قرابة خمسة وعشرين عاماً من الهجرة القسرية، تلك العودة إلى ما حسبته ملاذى الآخر أو الأخير، عللتها لنفسى بأن فصلاً من حياتى صار ماضياً ينبغى طيّه فطويته، وأن فصلاً آخر قد فتح احتمالاته على مصراعيها أمامى فاستجبت إليه".
لم أقصد أن أكون مغامراً حين مضيت فى رحلة العودة التى لم أتخيلها منذ البداية نزهة فى عالم الأحلام، ولم يأخذنى إليها حماس رومانتيكى، لقد شعرت فقط بأننى مدعو لرحلة نحو المجهول، وفى ذلك يكمن سر انجذابى إليها... الموت فى مدينة كبغداد يسعى إلى الناس مع كل خطوة يخطونها، فيما تتواصل الحياة مذعورة منه أحياناً، ولا مبالية إزاءه فى أغلب الأحيان. ما أكثر لافتات الموت السود فى المدينة؟ كم من الناس واسيت بفقدان أب أو ابن أو أخ أو قريب؟ كم مرة قصدت مجالس التأبين معزياً؟ كم مرة وجدت نفسى عاجزاً عن إظهار تعاطفى مع ذوى الضحايا البريئة المجهولة لى؟ كم بكيت فى سرى حزناً على مشاهد الدماء المسفوكة فى كل مكان؟ بعد هذا الانغمار المكثف فى وقائع الموت وأخباره، يسألنى البعض أحياناً، ألا تخاف من الموت؟ فأجيب، أنا الوافد أخيراً إلى دوامة العنف المستشرى، أعلم أننى قد أكون هدفاً لقتلة لا أعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأراً شخصياً منى".
هكذا كتب "كامل شياع" عن موته وبالرغم من أنه كان يتصور أن القتلة المحتملين لا يعرفونه ولا يعرفهم، ولم يكن يظن أنهم يبغون ثأرا شخصيا منه، ولأن "كامل شياع" كان كما قال عنه "جان دمو" "طيبا إلى درجة السذاجة" و"خجولا إلى درجة الطفولة"، فإنه لم يكن يتصور أن يكون قتلته هم بعض زملائه فى وزارة الثقافة- العهدة على هناء الجبورى- حيث كشف مصدر مسئول فى وزارة الثقافة العراقية، أن السلطات الأمنية المختصة بالتحقيق فى جريمة قتل المستشار الثقافى كامل شياع قد وصلت مراحلها الأخيرة، وسيتم الإعلان عنه خلال اليومين المقبلين وكشف المصدر عن تورط جهات فى وزارة الثقافة بعملية الاغتيال من أجل إبعاد كامل شياع وتقديم "إبراهيم العاشور" أو "فاروق الدليمى" كبدلاء عن "كامل شياع"، علما بأن الجريمة تمت بعلم المفتش العام أحد ضباط المخابرات فى زمن "صدام حسين"، ويشغل مسئول "فرقة الإعدامات" فى الشعبة الخامسة، والآن يشغل منصب المفتش العام فى وزارة الثقافة، وقال شقيق "كامل شياع" أن المعلومات التى أوردها المستشار الأمريكى فى الوزارة كانت على درجة عالية من الدقة خاصة بعد أن اعترف أحد أقرباء المفتش العام الذى كان المخطط لهذه العملية، من جهته استغرب وزير الثقافة "ماهر دلى الحديثى" من تورط المفتش العام فى عملية التصفية، وطالب الجهات الأمنية بإنزال أقصى العقوبات بحق المجرمين، وتساءل عراقى سومرى مجهول: "لماذا هذا الرجل الحالم بعراق جميل ومسالم؟ هل أصبح الحلم بعراق رائع وجميل يهددكم أيها القتلة المجرمين يا أفاعى الحقد والكراهية، يا من تزرعون الموت بدل السنابل، وتزرعون الحقد بدل الياسمين، وتزرعون الدمار بدل الأعمار، وإلى متى يبقى العراق على هذا الحال؟ إلى متى يبقى المجرمون هم السائدون فيك أيها العراق العظيم؟ إلى متى يبقون يذبحون أبناءك يا عراق، هؤلاء القادمون من وراء الحدود الممتلئون حقداً وكراهية لكل ما هو جميل وكامل فيك يا عراق الخير والبركة، كانت مثل هذه الفترات المظلمة فى تأريخك يا عراق، ولكنك لفظتهم وألقيت بهم فى مزابل التاريخ، ويا أسفى عليك يا كامل يا وردة سمراء بعطر المسك والعنبر أيكون دمك قرباناً آخر لمستقبل العراق الذى كنت تحلم به؟"
وداعا كامل شياع.
كاتب وروائى مصرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.