تتصدر الأخبار اليومية شريط القوائم الأكثر قراءة فى الصحف الإلكترونية المصرية، ونجد تلك الأخبار نفسها هى الأكثر تعليقًا على قوائم التعليق، وقلما نجد مقالًا لكاتبٍ يتصدر تلك القوائم، ولو حدثت الصدفة البحتة ووُجد هذا المقال فى قائمة "الأكثر تعليقًا" هنا يتمرد الكاتب على الجريدة طالبًا من الجريدة زيادة «سعر الكلمة» فى المقال، على الرغم أن أغلب هذه التعليقات تنتقد المقال وتسخر من الكاتب وأحيانًا يطرح القارئ فى التعليق أفكارًا مفيدة هى أفضل من المقال بمراحل، والويل الأكبر "لأدمن الجريدة"، حينما يُشير هذا المقال على مواقع التواصل الاجتماعى. لكن هنا سؤال مهم وهو: لماذا لا يُقبل القارئ على قراءة «المقالات» ل «نخبة الوطن»؟ والإجابة هى «نخبة الوطن» وطريقة تفكير جيل الستينيات من القرن الماضى، وكثرة القراءة المُتعمقة فى كُتب الثلاثينيات السياسية من القرن الماضى، واللا فائدة التى ستعود على القارئ فور الانتهاء من قراءة المقال.. وأنا مُتابع وقارئ جيد لمقالاتهم، حتى يتضاعف لدى حجم "اللا فائدة" من كثرة القراءات لهذه المقالات، وأتساءل بينى وبين نفسى متى تُغير «النخبة» طريقة الطرح، التى لم تتغير فى كتاباتهم منذ عقود. أجد مثلًا كاتبًا كاتبٌ لمقال يحمل عنوان "طائر البطريق فى زمن الصديق"، وبعد إهدارى الوقت فى قراءة المقال، أكتشف فى نهاية المقال أنه يقصد بطائر البطريق "الإخوان" ويقصد بالصديق "الصديق"، وهنا أشكره لأنه أثرى الوطن بمعلومات مهمة كانت تلزم لتقدمه، وأجد كاتبًا آخر يكتب مقالًا تحت عنوان "الأزمة السورية والدروس المستفادة" وبعد إهدارى للوقت كالعادة فى قراءة المقال، اكتشف أنه فى نهاية المقال أخيرًا تحدث عن الأزمة السورية فى كلمة "أزمة"، ولم يذكر أيًا من الدروس المستفادة.. وهذه هى النخبة القديمة نوعًا ما. لكن هناك نخبة أخرى حديثة وهذه النخبة قرأت وتعمقت فى كُتب الثمانينيات السياسية فهى أكثر إلمامًا بطرق الطرح، فهم يمسكون بالمعاجم العربية ويبحثون فيها عن الكلمات الغريبة والدسمة فى المعنى ولدينا اللغة العربية ثرية بالمعان والمفردات، فيأخذون خمس عشرة كلمة منها.. غير مألوفة للعامة ويضعون بعضها فى عنوان المقال والباقى فى المتن، حتى يظهر للعامة أنه كاتب �«لُغوجى» يسير فى سراديب اللغة حافيًا ليتكلأ الدرر والدولار، وغائصًا فى بحورها مع جحافل البُلغاء مُعينًا لهم على العرض واللفظ والنقم، والمقال هذا ما هو إلا «جُمل تُسلمُ جُملًا» ليُبنى متن المقال فى النهاية دون أدنى إفادة تقع على القارئ فور الانتهاء من القراءة، ولو قرأ القارئ فى المعجم فقط لاستفاد أضعافا مُضاعفة. الخلاصة نرجو من «النخبة» حينما تكتب تضع لنا معلومات مفيدة داخل المقال، ليبنى مُتخذ القرار قراره عليها، ولمن هم الأقوى من تلك النخبة نقول لهم: أين الرؤية التى تضعونها فى المقال؟ وأين التصور المُفعم بالخبرة فى حل الأزمات؟ أين الحلول العملية، التى تُقدمونها للإدارة السياسية للخروج من الأزمات لتنهض هذه الأمة بكم؟ أين أنتم من جمع الشعب حول كلمة واحدة وأنتم أشتات كلٌ يُغنى على ليلاه ووفقًا لمن يدعمه ولمن يُعطيه أكثر؟ ولن أسأل «أين؟» ولكن سئمنا «نخبة الهين» ومن اليوم لدينا «قلم وعين» . بلال