أبشركم أنني أصبحت من الكتاب الأكثر قراءة على موقع "المصري اليوم"، فقد حقق المقال الذي كتبته الاسبوع الماضي بعنوان "عبرنا ياسيادة المشير" رقما غير مسبوق بالنسبة لي في التصفح وتعليقات القراء، ولأنني "وش عكننة" فقد اندهشت بدلا من أن "اتفشخر" بالإنجاز الكبير، وسألت نفسي: هل استيقظ النائمون وأعادوا للقراءة بريقها المفقود؟. هل ظلمنا الناس عندما تصورنا أنهم لا يقرأون، في حين أنهم لا يجدون كتابة ثاقبة تتفاعل مع اهتمامات وقضايا الناس؟. ولأن الدهشة أم المعرفة، فقد أخذتني دهشتي إلى ابنتها الجارحة التي صدمتني بالحقيقة المؤلمة: الناس لم تقرأ المقال.. الناس قرأت هواجسها، وكتبت مابداخلها، ولم يكن المقال إلا مجرد ذريعة لجولة جديدة في معركة "منصوبة" بينهم بالفعل، وبالتالي فهم لا يقرأون أي كلمة ولا يناقشون أي شخص إلا بمنطق: "انت معانا وللا مع الناس التانيين"، وإذا لم تكن "معاهم" فأنت بالضرورة مع "التانيين"، حتى لو كانوا هم أنفسهم "التانيين". حاجة تلخبط العقل (هذا إذا كان العقل لا يزال موجودا في بلدنا)، فقد قدمت التعليقات خلطة عجيبة ومتناقضة من الآراء بعضها يمدحني بمغالاة مثلما قال أمل التنوير (مدير عام مشروعات في الهيئة العربية للتصنيع): "المجد للسان الحق"، أو تعليق إيهاب: "إن لمن البيان لسحرا"، أو أسامة: "تسلم" أو خالد (كلية طب جامعة قناة السويس): هل تكون أول الغيث، أم آخر مقال لك؟، أو عمر: (طب المنصورة): إيه الحلاوة دى؟ وفى "المصرى اليوم"؟.. جرأة غير عادية، أو نبيل (كيميائي): أحلى لايك لحضرتك... وانا حاسس إن دا آخر مقال ليك في الجريدة ال..... دي. على الجانب الآخر قالت علياء: "هو انتم عاوزيين تكتبوا مقالات وخلاص وتعملوا أبطال حتى لو كانت بطولة من ورق"، وقال محمد: :هو أي واحد عاوز يسترزق ويعمل نفسه شجاع يطلع يقول السيسي عمل، والسيسي سوى.. ارحمونا بقى من قرفكو"، أما باسل (إعلام الزقازيق) فوبخني بشجاعة: "هو انت مين أصلا؟. بطلوا فلسفة فارغه بقي. لا انتوا فاهمين حاجه ولا عارفين حاجه والناس مش طايقه لا سياسيين ولا اعلاميين ولا نخبه ولا نيله. افهموا بقي انتم سقطتم في كل شيء. يا راجل انزل واتكلم مع الناس في الشارع وخصوصا البسطاء وهتلاقي معظمهم بيترحم علي أيام مبارك بل والعادلي كمان. بطلوا تفاهه بقي"، وبتعقل قال أحمد (كومبيوتر ساينس): "اتركوا الرجل (يقصد السيسي) يعمل لمدة عام من تولى الرئاسة وبعدها حاسبوه"، وقال هاني (هندسة المنوفية): "ياعم الكاتب البلد خربت، وكله طلع نصب، الثوار عملاء وقبضوا من بره، وإخوان كانوا هيبيعوا البلد. أي ثورة تتكلم عنها؟ التى حرقت المنشآت العامة و مراكز الشرطة وفتحت السجون. انت وأمثالك من يدعون الثورية الفاشلة التى تحول كل شئ إلى الفوضى. أنتم تعيشون فى وهم. انتم عبث. أنتم الخطر الحقيقى على الأمة، وعاش الجيش وعاش السيسى ليخلصنا من أمثالكم"، أما رضا فقد جمع كل المتناقضات والشتائم في تعليق واحد وقال: "حيوان (يقصدني) برر للسيسى جرائمه وانقلابه، ولما ما خلع السفاح قناعه الأخير قام هو (أنا طبعا) ليرتدى ثياب الثورية ويكتب بقلمها..فيه ايه يا ولاد الو... يا قتله يا مجرمين يا لاعقى بيادة العسكر؟"، ومن لا عقي البيادة إلى "الخرفنة" كتب د. محمد: "الحقد والخرفنة ينضحان من كل سطر في هذا العبث المسمي مقالا. ماذا تريد أن تقول وإلي أي شيء ترمي بالكلام"؟"، وأقسم أدهم مؤكدا: "والله خروووووف"، ومن جنيف كتبت فيفي بألفاظ شعبية تماما: "ياريت تركنوا على جنب مفيش حد ودى البلد في داهية غيركم. فلسفتكم كثيرة. كفاية عليكم 3 سنوات عك، سيبوا الشعب يقرر ويحكم بنفسه"، وقال ربيع: (محاسب) ساخرا مني: "يذكرنى بيونس شلبى فى مدرسه المشاغبين مبيجمعش أى كلام والسلام، عك"، أما أسامة فقد فتح أمامي باب التوبة فائلا: كل يوم واحد يفوق من الغيبوبة، وفاجأتني أم معتز بهذا التصريح: من زمان لم أدخل "المصرى اليوم".. شكراً للأستاذ علاء صادق، قال الأستاذ جمال الجمل كتب مقالة توزن بالذهب. علاء صادق.!.. فيه الخير والله، ربما تذكر زمالتنا العابرة في صحيفة الحياة اللندنية، أو يعجبه أسلوبي في الكتابة، لكن ماعلاقة "أم معتز" بأسلوب كتابتي؟، وهل للأمر علاقة بالهوى الإخواني لعلاء؟ الدهشة (الله يجازيها) أخذتني مرة أخرى إلى ابنتها (المعرفة)، فتتبعت صفحة أم معتز وبقية المعلقين على الفيس بوك، وياليتني ما دخلت، فقد كان من السهل أن اكتشف أنني تحولت إلى "كادر إخواني" لمجرد أنني انتقدت السيسي، وأصبحت في مأزق دراماتيكي عجيب: جماعة الإخوان التي وقفت بوضوح ضد مشروعها في حكم مصر تساندني وتتبنى مقالي وتروجه بقوة على صفحاتها، في حين يعاديني ويشتمني جمهور الدولة المدنية التي أدافع عنها طول عمري، وأنصار الجيش الذي أفاخر به/ على الأقل باعتباري ناصري قديم من بقايا ثورة يوليو! تذكرت مقال قديما كنت قد كتبته بعنوان "ثورة الشك" وقلت فيه أنني اكاد أشك في نفسي لأن كلماتي تشبه كلمات كوندوليزا رايس عن "الشرق الاوسط الجديد، فأنا أريده جديدا، وهي تريده جديدا، ولكن أي جديد تقصد كوندي ولأي جديد تخطط، وأي جديد أقصد أنا وبأي جديد أحلم؟. ذلك هو الموضوع، أما ان نأحذ القضية بطريقة "دراع مرسي".. يعني الإخواني يقول لك: طالما بتنتقد السيسي تبقى أجدع من أبويا، والسيساوي يقول لك: اللي يرش السيسي بالمية يبقى حيوان، وحشرة، وخرووووف!، فهذه هي المصيبة التي لا ينفع في علاجها لا دولة دينية ولا دولة مدنية، ولا دستور من أي نوع، فهذا هو الخبل، والجهل، الذي لا ينفع ولا يعين في "معركة إعادة مرسي"، ولا "معركة الحرب ضد الإرهاب".. هذا نوع من الجمهور (لا مؤاخذة) يحتاج أولا إلى علاج نفسي، ثم إجباره على الدخول في فصول محو أمية، قبل أن نمنحه حق الانتخاب، لأنه جمهور يسئ إلى نفسه، وإلى الفكرة التي يناصرها، وليس في الدنيا أسوا من شخص أو شعب ضد نفسه، ولا أحبذ أن أذكركم هنا بقصة "الدبة التي قتلت صاحبها"، لأنها هذه المرة تقتل نفسها أيضا، كما تقتل مستقبلها ومستقبل عيالها. هذه الفظاظة في التعبير (من جانبي) غير مقبولة ثقافيا، لكنني احاول البحث عن لغة تواصل مناسبة للتأثير في هذا القطاع (الحماسي) من الشعب الذي نراهن عليه في تحقيق الخير لمصر وصناهة نهضتها، وعلى الجانب المقابل هذا النوع من الشعب الذي نراهن عليه لتحويل مصر من أم الدنيا إلى "أد الدنيا"، ولأول مرة أشعر بضحالة الثقافة العالمية واتجنب تعبيرات الفلاسفة وكبار المفكرين، فهل يصلح في هذا الموقف أن استدعي مقولات ألتوسير عن تأويل النص، او مقولته الذائعة "ليست هناك قراءة بريئة"، أو قول شهيد الغربة نصر حامد أبو زيد إن "أي قراءة لا تبدأ من فراغ, بل تبدأ مضمون الأسئلة الكامنة أو المعلنة في رأس القارئ؟. فهل هذا هو ما يملكه قراء مصر من تعبيرات، ومفاهيم، وآراء، وألفاظ للتعبير عن مواقفهم وانحيازاتهم؟ الوضع مؤسف، وعلى المستوى الشخصي أخرجني من جنة التفاعل التي وفرتها لي انجازات النشر على الانترنت، حيث يفرح الكاتب بروعة التواصل المباشر والسريع مع قرائه، ثم يصطدم بهذا التنابز والتراشق المسبق البعيد عن الكتابة واللغة وموضوع المقال، وهو العبء الذي أفسد ميزة التكنولوجيا لدرجة دفعت وسائل إعلام دولية كبرى لوقف خدمة تعليقات القراء، لانها اصبحت مفسدة لمضمون الأخبار وأفكار المقالات، وروح النصوص التي تنشرها، وذلك بعد دراسة مهمة أنجزها أستاذ الإعلام بجامعة ويسكونسن الأمريكية دومينيك بروسارد، بالتعاون مع زميله ديترام شافل، ونشرا نتائجها في "نيويورك تايمز" تحت عنوان "مقالك تافه!"، وجاء فيها أن التعليقات الفظة للقراء شوهت تفسير المشاركين في الخبر نفسه، وأدت إلى فهم تعسفي تسيطر عليه الروح المستمدة من أغلب التعليقات حتى لو لم يكن لها علاقة بالمقال الأصلي، ولهذا أحذر من التأثير السلبي للدور الذي تلعبه اللجان الاليكترونية للأحزاب، والجماعات السياسية، وأجهزة المخابرات، والصفحات الساخرة، والتي تبتذل نصوص الرأي، ومضامين الأخبار، وتشكك فيها، وتلونها، وتلوثها، لأعراض سياسية ومصلحية عابرة، لا يمكن أن تعوضنا أبدا عن روعة الكتابة التي بدأ بها التاريخ البشري والتي ستظل حدا فاصلا بين الحضارة والبدائية. اعذروني على هذه الصراحة الوقحة، فالسكوت على الجهل أكثر وقاحة وأبشع خيانة للمستقبل الذي نتمناه لبلدنا.