سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عفواً فضيلة "شيخ الأزهر" لقد نفد رصيدكم .. الأزهر يتعامل مع "تجديد الخطاب الدينى" وكأنه رجس من عمل الشيطان .. وشجاعة وزير الأوقاف "تفضح" أصحاب المصالح داخل "المشيخة"
هل أصبحت دعوة الرئيس بتجديد الخطاب الدينى كلمة «سيئة السمعة» تخشاها مشيخة الأزهر ويرفض علماء الأزهر التعامل معها أو حتى مجرد النطق بها.. أم أنها- أى دعوة تجديد الخطاب الدينى- لا سمح الله بدعة و«رجس من عمل الشيطان» يستوجب على رجال الدين الذين يحتمون بجدران مشيخة الأزهر الابتعاد عنها ومناصبتها العداء؟ إن لم يكن الأمر على هذا النحو الذى يكشف النقاب عن خلل واضح داخل مشيخة الأزهر فى تعاملها مع الدولة والذى لم يعد خافيا على أحد ونراه رأى العين، فبماذا نفسر هذا الموقف الغريب واللافت للنظر من جانب شيخ الأزهر ومن يسيرون خلفه وهم يتعاملون مع ما يقوم به الوزير الشجاع الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، وهو يترجم من خلاله وبشكل عملى توجهات الدولة فيما يتعلق بمسألة تجديد الخطاب الدينى التى تفوق كثيرًا الحرب ضد الإرهاب.. فالخطاب الدينى «المغلوط» أشد خطرا على الدولة من هذا الإرهاب. لقد تجلى هذا العداء الذى أصبح «عينى عينك» بين مشيخة الأزهر وبين الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، بشكل لافت للنظر فى هذا المؤتمر المهم الذى نظمته وزارة الأوقاف مؤخراً بعنوان «بحث آليات تجديد الخطاب الدينى»، فعلى الرغم من أنه أقيم بحضور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، والأنبا أرميا، ممثل الكنيسة، بالإضافة إلى عدد من الوزراء وكبار هيئة علماء المسلمين ونخبة من المفكرين والمثقفين والأدباء، فإنه فى نفس الوقت قد غاب أى تمثيل للأزهر الذى يمثل أعلى سلطة دينية «للمذهب السنى» فى العالم الإسلامى، وهو ما ترك خلفه علامات استفهام كثيرة ما تزال تتردد عبر وسائل الإعلام المختلفة حول هذا الموقف «غير المفهوم» من الأزهر تجاه هذه الخطوه المهمة خاصة أن المؤتمر كان ناجحا بكل المقاييس حيث نحج المشاركون فى وضع 13 توصية لتجديد الخطاب الدينى كان أبرزها وضع أول تعريف «رسمى» لمعنى تجديد الخطاب الدينى، وهو يعنى تجريده مما علق به من أوهام أو خرافات أو فهمٍ غير صحيح ينافى مقاصد الإسلام وسماحته وإنسانيته وعقلانيته، ومصالحه المرعية، ومآلاتِه المعتبرة، بما يلائم حياةَ الناس، ويحققُ المصلحة الوطنية ولا يمس الأصول الاعتقادية أو الشرعية أو القيم الأخلاقية الراسخة. ولم يتوقف الخلاف الواضح بين هاتين المؤسستين الدينيتين عند هذا الحد، بل قامت مشيخة الأزهر فى اليوم التالى بتنظيم لقاء مماثل استضافت خلاله مثقفين ومفكرين من أجل صياغة وثيقة أطلقت عليها اسم «آليات وضوابط تجديد الفكر والخطاب الدينى» وكأنه جاء فقط للرد على مؤتمر وزارة الأوقاف، ولكن للأسف الشديد لم يصدر عن هذا اللقاء أى مقترحات أو حتى مجرد توصيات، فقد تم الاكتفاء بإصدار بيان على لسان شيخ الأزهر يفيد بأن «قضية تجديد الفكر والخطاب الدينى رغم كل هذه الضوضاء لم تجد تحركا جماعيا على كل مستويات الخطاب الإعلامى والثقافى والتعليمى والدينى» مما يشير إلى أن المسألة فى نظر المشيخة أصبحت مجرد «سد خانة» أو جولة جديدة فى صراعها من أجل الاستحواذ على «الخطاب الدينى» والسيطرة على ما قد يصبح عليه هذا «الخطاب» فى المستقبل، خاصة أن الدولة الآن أصبحت عازمة بقوة على السير نحو القيام بثورة دينية ضد هذا الكم الهائل من المغالطات التى لم نجن من ورائها سوى المزيد من الانشقاق، وهذه الثورة كما تراها الدولة تقوم على الالتزام بكتاب الله وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أما ما هو دون ذلك فسيكون محل نقاش ومحل مراجعة بما يتماشى مع العصر الحديث. وإذا دققنا النظر فيما وصل إليه حال مشيخة الأزهر وبموضوعية شديدة نرى أن فضيلة الإمام الأكبر ربما يكون مغلوباً على أمره حينما ألقى بنفسه فى تلك «الهوة» السحيقة من الخلافات بينه وبين مؤسسات الدولة، فالمشيخة تعج بأصحاب المصالح والعلماء الذين نراهم دائما يقفون فى وجه أى خطوة للإصلاح ربما لخدمة توجهات إخوانية وربما لخلافات شخصية مع هذا الوزير النشط الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، الذى استطاع أن يكشفهم على حقيقتهم، مؤكداً يوما بعد الآخر أنه الرجل المناسب فى المكان المناسب، فقد تولى الوزارة ليفاجأ بأنها مرتعا للفساد والأفكار المسمومة، فلم ينكسر أمام كل تلك القوى ولم يرضخ لأصحاب المصالح، حيث اقتحم المشكلات بقلب لا يعرف الخوف ولا يخشى أحدا مهما كانت سطوته، فاستطاع فى وقت قصير أن يطهر بيوت الله من دنس تلك الفئة الضالة والمضللة من المنتمين للتيارات الإسلامية المحرضة على الإرهاب فقطع دابر هؤلاء من المساجد ومنعهم من اعتلاء المنابر فاستطاع بهذه الخطوة أن يتمكن من تجفيف منابع الفكر الإرهابى. وأعتقد أن هذا ليس مبررا لأن يظهر أمامنا الإمام أحمد الطيب بهذه السلبية وهو يرى تلك الهجمة الشرسة من جانب بعض العلماء المنتمين للمشيخة ضد ما يقوم به الدكتور مختار جمعة الذى يفاخر دائما بأنه يكن كل تقدير واحترام للشيخ «الطيب» بل ويعتبره بمثابة «الوالد» قبل أن يكون الشيخ الجليل الذى يحظى بتقدير واحترام العالم الإسلامى. فهل وصل الإمام الأكبر إلى هذا الحد من عدم القدرة على معرفة الأشياء على حقيقتها وعدم التمييز بين الغث والسمين، والى متى يظل هكذا يترك «الحبل على الغارب» لهؤلاء الذين يسيئون له وللمؤسسة الدينية العريقة يوماً بعد الآخر؟ وعلى سبيل المثال كيف يسمح فضيلته بأن تخرج تصريحات من الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، يقول فيها إن المؤسسة الدينية لا تسير على هوى الحكام أيا كانوا، و«إنه لن يحدث يوما أن يجلس على مقعد شيخ الأزهر شخص يحابى الحاكم أو يعمل لأجله»؟ فلمصلحة من تخرج تلك التصريحات وسط أجواء التوتر التى لم تعد خافية على أحد والتى تشير إلى أن المشيخة تسير فى الاتجاه المعاكس للدولة منذ أن أطلق الرئيس السيسى فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف دعوته بضرورة تجديد الخطاب الدينى لمواجهة العنف والتطرف واجتثاث الإرهاب من جذوره؟.. أليس فى كلام الدكتور شومان تلميحا واضحا بأن مشيخة الأزهر تقف فى الجانب الآخر المقابل للدولة بدلاً من أن تصبح هى والدولة فى خندق واحد فى حربها المقدسة ضد الإرهاب؟ أخشى أن يكون فى صمت الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، اعتراف ضمنى منه بصدق التصريحات التى لايزال يرددها بعض العلماء المحسوبين على الأزهر، لأننا فى هذه الحالة نكون أمام «شيخ» جديد علينا تماما غير هذا الرجل «الطيب» الذى كنا ومازلنا نكن له كل حب وتقدير واحترام.. هذا الشيخ لو ظل على هذا الموقف المعارض لما تقوم به الدولة من خطوات مهمة تستهدف تجديدا حقيقيا للخطاب الدينى، فإننا وللأسف الشديد مضطرون لأن نقول له «عفوًا فضيلة الإمام الأكبر.. لقد نفد رصيدكم» فرصيد الحب تجاهه سيتأثر كثيرا بهذا الموقف «الصادم». قد يرى البعض فى كلامى جرأة غير مسبوقة، وربما يعتبرها البعض تجاوزا فى حق شيخ الأزهر، ولكننى أؤكد أننى لم أكن أتناول هذا الأمر إلا من منطلق حبى واحترامى لفضيلة الإمام الأكبر، وحرصى على أن تقف مشيخة الأزهر موقفا يليق بمكانتها فى مواجهة الفكر المتطرف الذى لم نجن من ورائه سوى هذا الإرهاب الأسود الذى يطل برأسه القبيح من كل الاتجاهات سواء من الداخل أو الخارج. فلمصلحة من تختفى مشيخة الأزهر من المشهد تماما، بينما نرى الدولة ممثلة فى وزارة الأوقاف وهى تخوض حربا شرسة من أجل تجديد الخطاب الدينى فى محاولة جادة لتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة؟.. وإلى متى تظل أروقة المشيخة العريقة «مرتعا» لعدد غير قليل من المؤمنين بفكر جماعة الإخوان المحظورة يطلون علينا من خلالها وهم يبثون أفكارهم المسمومة ضد الدولة بل وضد سماحة الإسلام على هذا النحو «المستفز»؟ أما إذا نظرنا إلى ما تواجهه الدولة الآن من تحديات صعبة للغاية، فإنه يتحتم على هاتين المؤسستين «الأزهر والأوقاف» أن تقفا جنبا إلى جنب فى مواجهة تلك التحديات، وأن يكون لدينا خطاب دينى موحد يعتمد على سماحة الإسلام وصحيح الدين الحنيف، خطاب دينى يتم تنقيته من الكثير من المغالطات التى علقت به على مدى السنوات الماضية سواء بقصد أو بدون قصد، المهم أننا فى أمس الحاجة إلى فكر عصرى قادر على مواجهة تيارات الإسلام السياسى التى تسىء إلى الإسلام أكثر من تلك الإساءة التى يقوم به ألد أعداء الإسلام، خاصة أن تلك الأفكار المغلوطة عن الإسلام يتم استخدامها كسلاح ضدنا أكثر فتكا من تلك الأسلحة التقليدية التى تعتمد عليها الدول فى الحروب ضد بعضها البعض. ألم يكن من الأفضل أن يضع الأزهر يده فى يد وزارة الأوقاف وأن يخرج علينا العلماء الأفاضل الذين يحرصون على الإسلام بخلاصة رؤاهم وأفكارهم نحو خطاب دينى عصرى «قوى» قادر على الوقوف فى وجه تلك الأخطار التى تهدد الأمة الإسلامية بالكامل؟!