«مدبولي» يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    جامعة القاهرة تحتل المركز 487 بين 32 ألف مؤسسة تعليمية فى تصنيف ويبومتريكس الإسباني    الرئيس السيسي يوجه بزيادة إنتاج الهيئة العربية للتصنيع وتقليل الأسعار لتحقيق التنافسية    "الزراعة" تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها بأسعار مخفضة في الجيزة    وزير الإسكان: تقديم الدعم الكامل لمحدودي الدخل بمبادرة سكن لكل المصريين    العمل: مهنة "الديلفري" شهدت نموا كبيرا خلال السنوات الماضية    إيران تستضيف الثلاثاء اجتماعًا مع الصين وروسيا بشأن الملف النووي    أمجد الشوا: «العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة»    مهاجم تشيلسي على رادار الدوري السعودي    سقوط «بلطجي» بكلب شرس في الإسماعيلية| فيديو    أكتوبر يشهد أولى جلسات محاكمة عنصر إخواني بتهم تمس أمن الدولة    حفل جديد ل«مسار إجباري» في الشيخ زايد نهاية يوليو    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    أحلام تتألق على مسرح مهرجان جرش في ليلة طربية خليجية 25 يوليو    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    تقديم التوعية بمخاطر الإدمان ل457 ألفاً من طلبة المدارس ضمن المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة»    محافظ الدقهلية: المرور على11 مخبزًا وتحرير 8 محاضر ل7 مخابز بمركزي أجا وتمي الأمديد لنقص الأوزان وعدم المطابقة    وزارة الشباب تستعد لإطلاق برنامج مواجهة الإضطرابات النفسية والاجتماعية للأطفال وأولياء الأمور بالتعاون مع الجمعية المصرية للدراسات النفسية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    لأول مرة.. آداب قناة السويس تطلق 3 دبلومات مهنية جديدة    بزي "سبايدرمان".. وصول "ياسين" ووالدته محكمة جنايات دمنهور لحضور جلسة الاستئناف    بالفيديو.. مكتبة الإسكندرية توثق التراث المصري بسلسلة أفلام قصيرة موجهة للشباب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    الداخلية تكشف ملابسات فيديو يتضمن ممارسة أعمال بلطجة باستخدام كلب بالإسماعيلية    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    تحذير من هطول أمطار غزيرة في جنوب شرق تايوان    انطلاق قطار مخصوص لتسهيل العودة الطوعية للسودانيين وذويهم لوطنهم بعد قليل    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر علي حريق مصنع زجاج بشبرا الخيمة| صور    آخر تطورات أزمة سد النهضة، السيسي: قضية نهر النيل أمن قومي لمصر    دراسة إنشاء مصنع دواء مشترك بين مصر وزامبيا لتعزيز صناعة الدواء بالقارة السمراء    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    ألونسو.. الأمل في استعادة فينيسيوس لتألقه مع ريال مدريد    «الداخلية» ترفض طلب فلسطينيين للحصول على الجنسية المصرية    أسامة الأتربي مساعدا لأمين عام "حماة الوطن" بالقاهرة    كاتس: الحوثيون سيدفعون ثمنا باهظا لإطلاقهم صواريخ على إسرائيل    الصحة: تقديم التوعية بمخاطر الإدمان ل457 ألفا من طلبة المدراس ضمن مبادرة صحتك سعادة    اخصائية طب تقويمي: تأثير السكريات على القولون يسبب آلامًا في الرقبة    السبكي: نسعى لترسيخ نموذج متكامل للرعاية الصحية يقوم على الجودة والاعتماد والحوكمة الرقمية    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    الداخلية تعقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن قواعد قبول دفعة جديدة بكلية الشرطة..اليوم    درجة الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية: إنذار جوى بشأن حالة الطقس: «استعدوا للقادم»    كيف تتخلص من مرض التعلق العاطفي ؟    كييف: أكثر من 100 اشتباك مع القوات الروسية في شرقي أوكرانيا    لكل ربة منزل.. إليك أفضل الطرق لتحضير مكرونة الميزولاند    المسلمون يصلون الفجر قبل وقته بساعة ونصف    «عيب وانت بتعمل كدة لأغراض شخصية».. خالد الغندور يفاجئ أحمد شوبير برسائل نارية    واشنطن بوست: قراصنة يشنون هجوما عالميا على وكالات حكومية وجامعات أمريكية    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 بالصاغة    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    يوسف معاطي: لست ضد الورش التي تكتب السيناريوهات ولكنها لا تنتج مبدع كبير    ثلاثة نجوم على أعتاب الرحيل عن الأهلي    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعلوم من الفساد بالضرورة
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 04 - 2010

عرف الناس مصطلحا يردده فقهاء الدين كثيرا، ولكن ربما لا يعرف الكثيرون ما هو المقصود به تحديدا، وهو مصطلح "المعلوم من الدين بالضرورة". والمعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يجوز للمسلم أن يجهله، فهو مما ثبت ثبوتا قطعيا بأنه من أحكام الدين اليقينية، التى لا يتطرق إليها ريب ولا شبهة أنها من شرع الله، مثل الصلاة والصيام والزكاة، ونحو ذلك، وأن المنكر لهذا المعلوم خارج عن الدين.
تلك القاعدة هى أيضا قانونية وسياسية بالأساس، ففى أى دولة أو نظام من لا يعترف بما هو معلوم من القانون بالضرورة هو خارج عليه، ومن لا يلتزم بالدستور فهو غير شرعي، بل أن هناك قاعدة قانونية تقول أن حتى الجهل بالقانون لا يعفى من العقاب به. وهكذا أسس العلماء والفقهاء مصطلح المعلوم بالضرورة على أنه يختلف باختلاف الأزمان والبلدان والأشخاص، وبالتالى يختلف حكمه على من يقع فيه.
ولكن فى عهدنا هذا من زماننا هذا فى بلدنا هذا، حيث اختلط الحابل بالنابل، وتداخلت المسلّمات فى المشبهات، لم يعد هناك شيء معلوم بالضرورة لا فى الدين ولا فى المبادئ العامة. فالطبيعى أن يكون هناك ما هو معلوم من الدين ومن القانون والأخلاق والتقاليد والأعراف والأصول بالضرورة، ولكن ما يحدث فى مصر شيء آخر ليس كمثله شيء.
فكل شيء فى المشهد العام فى مصر الآن كأنك تراه على سطح ماء، فكل شيء مختل ومهزوز ومشوش، ناهيك طبعا عن نوع الماء نفسه وجودته وصلاحيته.
ففى مصر المحروسة تجد مسؤولا فى المواصلات هو صاحب اتوبيسات وميكروباصات وتكتك، وتجد مسؤولا فى الصحة هو صاحب مستشفيات وعيادات، ومسؤولا فى الزراعة هو تاجر حبوب ومواشي، وتجد وزير العسل بياع عسل، على طريقة شهبندرات التجار فى العصر المملوكي.. على الرغم من أن المعروف من الحكم بالضرورة أنه لا يجب أن تولى صاحب مصلحة مسؤولا فى قطاعه، لأنه قد يستغل موقعه فى تسهيل أعماله وتسيير مصالحه، فتلك بديهيات معلومة بالضرورة، أو على الأقل يجب أن تكون كذلك. ولكن يبدو أن مصر فى تلك المرحلة، وهى تستحدث نظما وسياسات وأخلاقيات، نجحت أيضا فى استحداث أصول وقواعد جديدة، باتت بالتراكم من المعلوم بالضرورة.. فالفساد معلوم فى مصر بالضرورة، وتزوير الانتخابات معلوم بالضرورة، والاستبداد بالحكم معلوم بالضرورة، سوء المعاملة والتعذيب فى أقسام الشرطة معلوم بالضرورة، هدر كرامة المواطن وحقوقه معلوم بالضرورة.. وهكذا.
فالمشهد العام فى مصر الآن يبدو وكأن الناس وقعوا عقد إذعان كاملا مع الحكومة والنظام على قبول الفساد، واعتباره أحد عاديات الحياة ومن تفاصيلها اليومية؛ مثل سماع الشتائم فى الشوارع، ورشوة بعض رجال المرور، والاستغلال، والاستحلال، وكل الأشياء "العادية" التى يتنفسها المصريون ويعايشونها ويحفظونها عن ظهر قلب حتى باتت معلومة بالضرورة.
لذلك لم يلتفت أحد حكومة وشعبا إلى ما أثير حول رشاوى شركة مرسيدس لبعض المسؤولين فى مصر، فالناس لا يعتبرون فى ذلك خبرا ولا حادثة ولا مفاجأة، لأنهم يرون بأعينهم كل مظاهر الفساد بشكل يومي، ولا يرون جديدا فى أن يقال أن الغول "عينه حمرا"، ولا حتى القرد رغم اختلاف المواضع، والحكومة أيضا لا يعنيها ما يقال مادامت لن تدفع ثمنا، فرأى الشعب، والرأى العام داخليا وخارجيا لا يمثل لها ضغطا، مادام لا يشكل تهديدا، أما صورتها فهى تعلم جيدا مدى رداءتها وقبحها، كما تعلم بأنها لا تمثل الشعب ولا يريدها، ولا هى تريده، ولكنها مجرد سلطة فوقية، فقط تدير مصالحها الشخصية كحكومة رجال أعمال، وتحاول قدر المستطاع ألا توصل هؤلاء الناس إلى درجة الغضب التى تجعلهم ينهشونها، وبالتالى فلم ترد على ما قيل فى فضيحة المرسيدس، ولم يجبرها أحد على ذلك، باعتباره ضمن ما هو معلوم من الفساد بالضرورة.
هذا فى مصر الآن.. أما فى الشعوب والأمم الحية فمن الطبيعى إذا رأى الناس لصا أن يصيحوا "امسك حرامى"، وهكذا كانت مصر قديما، قبل أن يرش لها أحدهم فيروس الفساد فى هوائها ومياه نيلها، ليصبح الشعب أيضا أحد أركان الفساد الأساسية فى هذا الوطن، فالمصريون قديما –كما كان يقال عنهم فلكلوريا- كانوا يزأرون ويثورون ويغضبون إذا استشعروا إهانة أو ظلما، وقت أن كانت الكرامة من المعلوم فى مصر بالضرورة. أما اليوم فلا يثور الناس إلا فى وجوه بعضهم البعض؛ فى الشوارع والطرقات، فى الميكروباصات ووسائل المواصلات، وكل أماكن التجمع والزحام، ويشعر أى متجول فى مصر أو زائر أو سائح أن هذا الشعب يضج بالحماسة، ولا يطيق أن يدوس له أحد على طرف، ولا يمكن أن يقبل الحال المائل.. بينما واقع الأمر أنه لا يتعالى إلا على نفسه، ولا يثور إلا على من يستضعفه، بينما ترتعد فرائص الرجال منهم رعبا من مجرد مخبر يكشر عن هويته، أو أى شخص آخر معلوم سلطته بالضرورة، مثل الأغنياء والمقربون والمحاسيب. تلك الحالة الفاسدة، التى انتقلت من أعلى إلى أسفل فى مصر، لتحول الشعب إلى فاسد بالتضامن، يرى اللص ولا يوقفه، ويرى القبح ولا يستهجنه، ويرى الفساد ولا يستهوله.. وبذلك لم تعد الحكومة فقط هى الفاسدة، وإنما حولت الشعب أيضا إلى فاسد بالضرورة.
* صحفى مصرى بجريدة المدينة السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.