السيسي يوجه بتشكيل خلية أزمة لمتابعة حالات وفاة الحجاج المصريين    لمواليد برج الحمل.. توقعات الأبراج في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2024    بالهنا والشفا .. 1.5 مليار رغيف أكلها المصريون فى العيد    «الري»: رفع التصرفات المائية والحفاظ على مناسيب المصارف    انقطاع الكهرباء أزمة مزمة في الكويت.. الصحة توجه إداراتها بإغلاق المصابيح بنهاية الدوام    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    الرئيس السيسى يوجه بتشكيل خلية أزمة لمتابعة حالات وفاة الحجاج المصريين.. إنفو    مسؤول إسرائيلي يحذر من قدرة "حزب الله" على شل شبكة الكهرباء الإسرائيلية    القنوات الناقلة لمباراة أسبانيا ضد إيطاليا في يورو 2024.. والموعد    رابطة الأندية: إحالة تقرير حكم مباراة الزمالك والمصري للجنة الانضباط    أقل من السنوات السابقة.. الحكومة تكشف عدد وفيات الحجاج بين البعثة الرسمية    إصابة 12 شخصًا في حادث تصادم بين سيارتين أمام مدخل مدينة الشروق 2    نتائج الصف التاسع اليمن 2024 صنعاء وزارة التربية والتعليم بالاسم ورقم الجلوس بالدرجات.. موقع www yemenexam com    1356 وحدة «سكن لكل المصريين» بسوهاج الجديدة    لطيفة عن ألبومها الجديد "مفيش ممنوع": كل حرف غنيته فرحت وبكيت فيه    عبد الرحيم كمال يكشف عن رأيه في العثور على أعمال وأسحار بجبل عرفات    الرئيس السيسي يوجه الهيئة الهندسية بسرعة ترميم مقبرة الشيخ الشعراوي    ما حكم زيارة أهل البقيع بعد الانتهاء من أداء مناسك الحج؟.. الإفتاء توضح    "قضيت العيد عند الدكتور"- روجينا تعلن عن إصابتها بمشكلة في وجهها    تقديم الخدمات الطبية ل155 ألف مواطن في الشرقية خلال عيد الأضحى    سكرتير عام البحيرة يتابع تنفيذ حملات الإشغالات والنظافة بكفر الدوار    لحظة استهداف الحوثيين لسفينة "توتور" وإغراقها (فيديو)    مؤسسات الأسرى: عدد أسرى غزة لدى الاحتلال ارتفع منذ 7 أكتوبر إلى 9000    وزارة الحج والعمرة تبدأ استقبال المعتمرين وإصدار تأشيراتهم    محافظ المنيا: ذبح 2319 أضحية بالمجازر الحكومية خلال أيام العيد    تنسيق الجامعات.. برنامج الرسوم المتحركة والوسائط المتعددة بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان    سرايا القدس: نخوض اشتاباكات عنيفة مع جنود الاحتلال في رفح    مصدر من الأهلي ل في الجول: لم نتلق عرضا رسميا من الوحدة لضم الشناوي.. وموقف النادي    عودة بطولة الأفروآسيوية.. مواجهة منتظرة بين الأهلي والعين الإماراتي    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في البدرشين    عمرو القماطي: 30 يونيو أعادت بناء الوطن ورسخت قيم التعايش    رومانيا: تبرعنا لأوكرانيا بمنظومة باتريوت مشروط بحصولنا من الناتو على مثلها    وفاة رجل الأعمال عنان الجلالي مؤسس سلسلة فنادق هلنان العالمية    مصطفى بكري: إعلان تشكيل الحكومة الجديد سوف يتأخر    إنهاء قوائم الانتظار.. إجراء مليونين و245 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة    التعليم الفلسطينية: أكثر من 600 ألف طالب بغزة حرمهم الاحتلال من استكمال الدراسة    ياسر الهضيبي: ثورة 30 يونيو ستظل نقطة مضيئة في تاريخ مصر    محافظ القاهرة يعلن نجاح خطة استقبال عيد الأضحى: وفرنا احتياجات المواطنين    قيثارة السماء.. ذكرى رحيل الشيخ محمد صديق المنشاوي    إجراء اختبارات إلكترونية ب147 مقررًا بجامعة قناة السويس    7 ضوابط أساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس    رصد وإزالة حالات بناء مخالف وتعديات على الأراضي الزراعية بالجيزة - صور    يزن النعيمات يفتح الطريق للأهلي للتعاقد معه في الصيف    ضبط عاطلين بحوزتهما كمية من مخدر الحشيش بالمنيرة    مصدر مقرب من عواد ليلا كورة: الغياب عن التدريبات الجماعية بالاتفاق مع عبد الواحد    مصدر: لا صحة لإعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات    تركي آل الشيخ عن فيلم عمرو دياب ونانسي عجرم: نعيد ذكريات شادية وعبدالحليم بروح العصر الجديد    في يومهم العالمي.. اللاجئون داخل مصر قنبلة موقوتة.. الحكومة تقدر عددهم ب9 ملايين من 133 دولة.. نهاية يونيو آخر موعد لتقنين أوضاعهم.. والمفوضية: أم الدنيا تستضيف أكبر عدد منهم في تاريخها    الداخلية تحرر 133 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بترشيد الكهرباء خلال 24 ساعة    بالأسماء.. ارتفاع عدد الوفيات في صفوف حجاج سوهاج ليصل إلى 7    حرمان 39 ألف طالب فلسطيني من امتحانات الثانوية العامة في غزة    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    تشكيل الأهلى المتوقع أمام الداخلية في الدوري الممتاز    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانحدار الحضارى: من شم النسيم إلى شم الزبالة
نشر في اليوم السابع يوم 10 - 04 - 2010

منذ سنوات قليلة ارتقت معارف ومشاعر البشر فى الدول المتقدمة حضاريا إلى الحد الذى صاروا يحتفلون فيه بيوم الأرض Earth Day ويوم الشجرة، وهذا جميل، ولكن الأجمل هو أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بالطبيعة قبل خمسة آلاف سنة! وذلك فى اليوم الذى ما زال المصريون يحتفلون فيه إلى الآن بشم النسيم.
وهكذا يستمر قدماء المصريين فى تحقيق الفرائد والافتتاحات الحضارية، إذ نكتشف كل يوم كم كان هؤلاء فى حالة سبق باهر لكل معاصريهم وما زالوا يقدمون للبشرية القدوة فى كثير من مجالات الحياة والمعرفة والعلوم والفنون.
ومن فرائدهم أنهم أول من ابتكر الأبدية وأبدع فكرة الخلود، عبر إيمانهم الجميل المثير بوجود الروح وعودتها مرة أخرى للجسد بعد الوفاة لتحقيق البعث، وآمنوا بالحياة الأخرى وبالثواب والعقاب قبل نزول الرسالات وقدوم الرسل. ولولا التعصب الدينى والانغلاق الذهنى وضيق الأفق المعرفى الذى يمنع الكثيرين من القدرة على التفكير الحر والتقييم الحى لعرف كافة المؤمنين بكافة الأديان قدر المصريين القدماء، واعترفوا لهم بأنهم أول من قدم رؤية كونية متكاملة تفسر الحياة والموت والطبيعة والكون والخلق، رؤية تتمحور حول شغف بالغ بالحياة والمحبة والطبيعة والفرح والجمال مصحوبة بمنظومة أخلاقية متكاملة تحترم الإنسان والطبيعة معا.
والمؤسف حقا أنه إلى عهد قريب كنا نجد فى أدبيات التزمت والانغلاق الدينى لدى بعض أعضاء التيارات الإسلامية مشاعر عدائية رافضة للحضارة المصرية القديمة- حضارة أجدادهم- على أساس أن أجدادهم كانوا كفارا من عبدة الأصنام! ووصل الجهل ببعضهم إلى حد المناداة العلنية فى كتيباتهم بتحطيم الآثار المصرية التى ليست سوى "أصنام"!
هذا ما يفعله الشطط الدينى الذى يصل إلى حد تحريض الإنسان المصرى ضد أعظم الإنجازات الحضارية فى تاريخه ، فيصبح عدو نفسه، وهذا دائما هو قدر الجاهل!
أما شم النسيم، ذلك العيد البهى، فقد كان يرمز عند أجدادنا قدماء المصريين إلى بعث الحياة، إذ تنهض فيه الأرض من موتها الشتوى وتنتفض ناثرة من جسدها الفائر ألوان الزهر والطير والعطر، فتشب الزهور وتندلع ألوانها الحمراء والصفراء كالحرائق البراقة فتخلب لب الفراشات التى تهيم بها وترشف من شفاهها شهد الحياة وعصير الفرح والمرح والمحبة. ولذلك اعتقد المصريون القدماء أن هذا اليوم هو أول الزمان، هو بداية عمر الكون وطفولة الطبيعة.
لم تعد مصر تحتفل بشم النسيم بالشكل الذى كانت تحتفل به فى مصر القديمة ولا فى أيام طفولتى وصباى، قبل سقوط العقل المصرى فى دوامة التزمت الدينى الذى اقنع بعض ضحاياه بأن كل ما هو غير دينى فهو حرام، الأعياد والأفراح وتقاليد البهجة والمتعة والمسرّة والفنون كلها حرام، بل رأى بعضهم أن الضحك- وخاصة للمرأة- حرام! وبعد حوالى ثلاثين سنة من هذه الظلمة أرى ملامح التحرر الخجول من هذا الانغلاق والتنكر للذات، فنجد الإعلام المصرى يتحدث عن شم النسيم مرة أخرى بحفاوة، ولكن العيد الحضارى القديم لم يعد بنفس بهجته وبهائه، لقد تشوه كما تشوهت أشياء كثيرة أخرى فى مصر.
فالمصريون البسطاء الذين كانوا يخرجون للحدائق لشم النسيم يجدون أنفسهم اليوم مضطرين لشم القمامة التى تزحم شوارع القاهرة ومدن مصر الأخرى، وفى أنحاء كثيرة من القاهرة تطبق السحب السوداء على رئاتهم بدخانها الخانق، والمصريون الذين كانوا يلوذون بشاطئى النيل لشم النسيم يجدون أنفسهم يشمون مياه المجارى التى تركتها الوزارات المعنية تلوث النيل كما هو الحال فى جزيرة الوراق فى وسط القاهرة وفى الكثير من العشوائيات السكنية التى تحاصر القاهرة كما تحاصر مدن مصر الأخرى، فى فشل فاضح وفادح للمسئولين عن قطاعات الإسكان والصحة والمياه والمرافق والبيئة.
والموجع أكثر أن القمامة التى تركها المسئولون تلوث مصر ليست هى القمامة المادية البيئية وحدها، ولكن هناك أشكال وألوان من القمامة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسلوكية تلوث أرض وروح مصر اليوم! ويعانى منها ملايين المصريين الذين يستحقون أفضل من ذلك بكثير، وهى أكوام متراكمة من قمامات ألقت بها عليهم سنوات من السياسات الفاسدة التى أدت إلى المزيد من السحق للشخصية المصرية والمزيد من النهب والتطاول والاستكبار للأثرياء الجدد فى مزج مشين بين السلطة والثروة بينما تستشرى فى جسد المصريين وروحهم قروح الفقر والجهل والمرض، وآفات التشدد الدينى والانفصام الطائفى من ناحية والانحدار الأخلاقى والحضارى المصاحب له من ناحية أخرى!
وصلت هذه القروح والآفات مجتمعة بمصر والمصريين إلى قرب القاع بين دول العالم الذى كانت مصر هى فجر حضارته فى القديم البعيد، بينما كانت فى القريب- حتى الستينات من القرن الماضى، هى رائدة حركات التحرر السياسى والاجتماعى والتنمية الاقتصادية والبشرية بين دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية!
أما المدهش حقا والذى يقرب من عالم اللامعقول فهو أن المسئولين عن هذا التلوث الجسدى والروحى البائس الذين أخذوا بنا من شم النسيم إلى شم القمامة و المسئولين عن هذا الانحدار الحضارى المخيف الذى تعانيه مصر اليوم يقولون لنا إن علينا أن نشكرهم على "أزهى عصور الديمقراطية"! ونطالبهم بالمزيد ونجدد ونمدد لهم.. ولأولادهم من بعدهم!
* كاتب مصرى مقيم فى الولايات المتحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.