يوم الإثنين سيوافق يوم شم النسيم، عيد من أقدم أعيادنا وأبهجها، يعود هذا الاحتفال إلى عصر حضارتنا المصرية القديمة، ويرتبط بموسم الحصاد وبداية فصل الصيف فى التقويم المصرى القديم المكون من ثلاثة فصول، ارتبط موعده بعيد القيامة المجيد بعد انتشار المسيحية فى مصر، فأصبح شم النسيم فى يوم الاثنين التالى لعيد القيامة الذى ينتهى فيه الصيام، فبعض ماكولات شم النسيم لا يمكن أن تؤكل أثناء الصوم، مثل البيض والفسيخ والسمك المملح، وبالتالى أصبح شم النسيم يأتى عقب انتهاء الصوم. وعن علاقة عيد القيامة المجيد باحتفالات شم النسيم فى مصر، يذكر المقريزى خبرا له دلالة فى هذا الأمر، وهو أن الناس كانوا يحتفلون فى الأحد التالى للفصح بيوم حد الحدود وفيه يجددون الآلات والأثاث والملابس ويباشرون الاحتفالات الدنيوية بعد انتهاء الصوم، وربما كان هذا الاحتفال الأخير هو الاحتفال المصرى القديم بأعياد الحصاد والربيع أى عيد شم النسيم، والذى ارتبط بعد اعتناق المصريين للمسيحية بعيد الفصح، ففى أعياد الحصاد كان المصريون وما زالوا يأكلون إلى جانب البصل والملانة والترمس، الفسيخ والبيض الملون، وهما من المأكولات التى يصوم عنها المسيحيون، ومن هنا فقد كان من الضرورى أن تأتى احتفالات الحصاد والربيع بعد الانتهاء من الصوم، ويبدو أن المصريين باختلاف أديانهم قد أضافوا بعد ذلك احتفال شم النسيم إلى احتفالات عيد القيامة، وجعلوا هذا الطقس المصرى فى اليوم التالى مباشرة له، أى فى يوم الاثنين. وقد تلقيت رسالة دعوة للاحتفال بهذا العيد على صندوق بريدى بالفيس بوك من الصديق سامى حرك المحامى والباحث المهتم بالتراث المصرى أصّل فيها لتاريخ الاحتفال بشم النسيم واستند إلى بعض جهود الباحث فى مجال المصريات محسن لطفى السيد الذى رحل عنا منذ أسابيع قليلة، قال سامى حرك فى رسالته عن شم النسيم التى صاغها باللغة المصرية التى نسميها العامية: «العيد الأصلى كان له معاد ثابت لاحتفالات المصريين، مع بداية فصل «شمو» الصيف فى مصر القديمة، يعنى فى يوم 25 برمهات، واليوم ده هو بداية حاجة فلكية اسمها «الاعتدال الربيعى»، بيتساوى فيها عدد ساعات الليل والنهار، وهو اليوم اللى خلق فيه الإله (خنوم) البشر من صلصال على عجلة الفخرانى حسب الديانة المصرية، لكن الاحتفال به دلوقتى معاده مش ثابت وكل شوية بيتغير، لأنه مربوط بنهاية صيام الأقباط. عيد «شم النسيم» بييجى بعد نهاية كل نوات البرد، حسب التقويم المصرى، وعشان كده، يستحيل مرور موجات برد فى مصر كلها بعد شم النسيم، وده السبب فى إن أغلبية المصريين اتعودوا يعتبروا نفسهم مصيفين، ويخزنوا الهدوم التقيلة، ويعلنوا بداية موسم الصيف رسمى مع شم النسيم اللى بييجى دايما فى جو لطيف. بداية «شم النسيم» فى مصر أبعد م الخيال آلاف أو حتى عشرات آلاف السنين وبالتأكيد هو أقدم أعياد الدنيا. كانت الفصول حسب تقويم المصريين ثلاثة مش أربعة هى فصول : «الصيف» و«الفيضان» و«البرد»، أما أسامى الفصول باللغة المصرية فهى بالترتيب: «شمو» و«آخت» و«برت»، الفلاح المصرى يحب الصيف أكتر م البرد رغم إن البرد هو فصل واحد، وبالفعل شهرين اتنين بس، لكن المصرى اللى اتعود ع البراح وخفة الملابس بتضايقه هدوم البرد الكتيرة. عشان كده، مجرد ما تنتهى النوات، المصريين بيخرجوا للجناين والغيطان وعلى شط البحر وبالمراكب فى عرض النيل، يشموا النسيم، ويستعدوا لنسمات الصيف. النسيم = نشم، باللغة المصرية، وتتقرى باردو «نجم» بجيم متعطشة زى الجيم الشامية، الصيف = شمو، يعنى «شم النسيم» = نسمة الصيف، ونحفظ لعالم الإيجيبتولجى الكبير «محسن لطفى السيد» حقه فى الترجمة دى. أطفال المصريين بيخرجوا فى العيد، شايلين البيض بعدما سهروا يلونوه وينقشوه بالرسوم الجميلة، ومعاهم الحمص والترمس الأصفر الطازة، والملانة الخضراء، والحلبة النابتة، أكلات خفيفة صحية يتسلوا بيها وهما بيعيدوا. البيض رمز لخلق الحياة، وعندنا برديات من مدينة منف بتصور الإله «بتاح» أو «فِتاح»، وهو قاعد ع الأرض على شكل البيضة. ارتباط البيض بالمناسبة دى، زى ما يكون شعيرة مقدسة، عند جداتنا وأجدادنا، وإنهم كانوا بينقشوا ع البيض دعواتهم وأمنياتهم للسنة الجديدة، ويحطوا البيض فى «سبت» ويعلقوه فى سقف أو بلكونة أو فرع شجرة، عشان تاخد بركات إله الشمس «رع» ونوره مع لحظة الشروق، فتتحقق الأمنيات المكتوبة ع البيض. النقوش المكتوبة، هى أصل فكرة التلوين والرسم ع البيض، الدنيا كلها بتلون البيض بفكرة مصرية».