من صفحات الزمن نرتشف سلوكياتنا لتكون إطارًا لحياتنا.. ننسج منها أخلاقياتنا فتتشكل شخصياتنا وتترجم إلى أفعال تظهر صورتنا الحقيقية أمام من حولنا.. ومع مرور الزمن تنعكس تلك السلوكيات على أبنائنا لتنغرس فى نفوسهم وتعيش معهم إلى سن الكبر متأصلةً بهم كرائحة الأرض بعد هطول المطر. وعندما تقف عقولنا حائرة أمام تصرفات سلبية تصدر من أبنائنا فنراهم غارقين فى اللهو والعبث.. عندها لا يكون أمامنا سوى أن نلوم أنفسنا لأننا نحن من زرعنا فى داخلهم تلك القيم والمفاهيم، التى أدت إلى انحرافهم ومعصية ربهم.. فالأهل يتحملون المسئولية كاملة عن تنشئة أبنائهم وبناتهم على الأفعال الخاطئة منذ نعومة أظفارهم.. فإما أن نحد من هذه الأفعال، ونقضى عليها بأسلوبنا التربوى الصحيح، أو نتركها تنمو وتزداد يومًا بعد يوم إلى أن تصبح متأصلة فى قلوب وعقول أبنائنا ثم بعدها نتعجب ونتساءل كيف اكتسب أبناؤنا تلك الخصال السيئة؟ فالطفل ما هو إلا عجينة لينة يسهل تشكيلها بما نرغب.. فلو أن الطفل مدَّ يده ليأخذ شيئًا من أحد دون إذنه واعتبره ملكًا له، وقابلت الأم أو الأب هذا التصرف الخاطئ بالضحك ومدح الطفل على شطارته وخفة ظله فسوف يكرر الطفل هذا الفعل مرات ومرات ويتأصل فى حياته مبدأ استباحة أغراض الغير، وينمو فى داخله حب ذلك الفعل، الذى أضحك والديه ونال إعجابهم.. ولن يقف الأمر معه عند هذا الحد، ولكنه سيحاول أن يبرمج تلك الأفعال الخاطئة بطريقته ويتمرس فى أصولها لتصبح عادةً مكتسبة منذ الصغر وقد يصل به الحال إلى أن يسرق أهله دون أن يكون لديه وازع من دين أو تأنيب من ضمير. ولو تتبعنا الأمر وأعدنا الشريط إلى الوراء سنجد أن سبب ذلك هو مجرد ابتسامة رضا من الأهل الذين هم المثل الأعلى للطفل وتدليلهم المفرط، والذى أدى بدوره إلى انحراف ابنهم وتأصل هذه العادة السيئة فى نفسه لدرجة يفقد معها الأهل قدرتهم على ردعه فى الكبر.. وكان الأجدر بهم أن يزجروه وينهوه فى اللحظة، التى امتدت فيها يده على أغراض وممتلكات الغير وأن يعاقبوه عقابًا صارمًا إذا اقتضى الأمر حتى لا يكرر هذا الفعل ويستقر فى وجدانه أنه أمر غير مستحب وعار على كل من يفعله، ثم يزرعون فى نفسه مخافة الله ويخبرونه بأن الله سيعاقبه عقابًا أشد من عقابهم، عندها سيتجنب الطفل الإقدام على أى فعل مشين وسيقترن ذلك فى نفسه بمخافة رب العالمين . وهناك فى الجانب الآخر بعض الأهل الذين يطلقون على أولادهم الذى يتصفون بشىء من الشقاوة أو العنف بعض الألقاب المؤذية، التى تؤثر فى نفسياتهم وتدمر حياتهم كأن يقولوا للولد إذا كثر شجاره مع إخوته سوف تصبح مجرمًا عندما تكبر أو منظرك قبيحا ستكون قاتلا أو يقولوا للطفل الذى ينام كثيرًا أنت كمن يتعاطون المخدر.. إلى غير ذلك من الأوصاف، التى يطلقها بعض الآباء والأمهات على أبنائهم دون تقدير للعواقب. وتكون النتيجة هى أن الأفكار المرتبطة بهذه الأوصاف تنمو مع الطفل فى عقله الباطن وتعلق بذاكرته وعندما يكبر تتطبع سلوكياته وتصرفاته بها إلى أن تصبح جزءًا من شخصيته.. وعلى النقيض من ذلك هناك بعض الآباء والأمهات الذين يحرصون على مناداة أبنائهم وبناتهم بألقاب راقية كدكتور أو مهندس أو أستاذ أو أى لقلب يعطى قيمة واحتراما للطفل. وهنا نجد أن الطفل يتقمص تلك الشخصية الرائعة ويرويها بأفكاره وبخياله لتعيش وتكبر معه وبعدها تصبح من أهم أهدافه فى المستقبل ويسعى جاهدًا لتحقيقها . أيها الأهل الكرام كونوا على قدر مسؤولية ما أنعم الله به عليكم من أبناء وبنات لأنهم أمانة فى أعناقكم بهم وبكم ينصلح المجتمع.. ولا تجعلوهم مثارًا للسخرية أو تطلقوا عليهم أوصافًا جارحة بسبب عيب خلقه الله فيهم أو سلوك خاطئ ارتكبوه، فالطفل يشعر بما يدور حوله ويتأثر بكل ما يقوله الأهل من كلمات وأوصاف وتعبيرات سلبية كانت أم إيجابية وتظل عالقةً بذهنه إلى أن يترجمها إلى أفعال تحدد شكل واتجاه مستقبله، فهناك فرق كبير بين آباء مستهترين ينادون أبناءهم بأحط الألفاظ والصفات وبين آباء واعين ومتفهمين ينادونهم بأرقى الكلمات والأوصاف. ولنعلم أن لكل لفظ سيئ لفظا آخر طيبا يقابله فى المعنى فاستبدلوا كل كلام سيئ وقبيح مع أولادكم بكلام لطيف وجميل لتنمو وتزداد ثقتهم بأنفسهم وليكونوا على قدر المسؤولية وعلى خير ما تحبون أن تروهم عندما يكبرون.. وتذكروا أنكم ستحاسبون على أقوالكم وتصرفاتكم تجاه أبنائكم أمام رب العالمين لأن ما تقولونه لهم هو الذى سيحدد مستقبلهم وسلوكهم وهو ما سيكتب فى سجل أعمالهم .