أدمن الناس القهر ومارسوه ضد بعضهم البعض، لا فرق بين قهر السلطة وقهر الناس، تشعر بالقهر وأنت تقود سيارتك فى الشوارع، وتقف بالساعات فى انتظار مرور موكب مسئول فى الدولة، بإشارة من يد أمين شرطة تظل جالساً رغماً عنك محبوساً فى السيارة حتى يعبر موكب المسئول، المهم أن يعبر ولا يعنيهم إذا كنت تحمل طفلك المريض وتحاول نقله بسرعة إلى المستشفى، ولا يعنيهم مواعيدك ومصالحك، ولا حتى زنقتك ورغبتك الملحة فى دخول التواليت، وتشعر بنفس القهر وأنت تقف بسيارتك خلف سيارة ميكروباص أو خلف إحدى عربات جمعيات نقل الركاب، قائدها يقف فجأة فى عرض الطريق لتحميل الركاب، لايعنيهم الطريق ولا المرور، المهم هو الراكب وما سيدفعه، لن يستمع لنفير سيارتك ولن يقف على جانب الطريق، وعلى الجميع أن ينتظر حتى يمشى بمزاجه، ولا يوجد حل إلا أن تضرب رأسك فى الحائط أو أن تنزل لمعاتبته فتنال ما تنال من الشتائم، وإذا تطاولت فسوف يضربك بالكوريك وربما هشم سيارتك بمساعدة التباع، إنه قانون القوة الذى يطبق فى شوارعنا، وكنا نظن أن قانون المرور سوف يردع هؤلاء البلطجية لكنه لم يفعل، وكل تأثيره انحصر فى زيادة قيمة الرشوة التى يتقاضاها الفاسدون من رجال المرور نظراً لارتفاع قيمة الغرامات، ويزداد القهر خلف موكب عرس يتقدمه زفة موتوسيكلات، يتوقف الموكب كل عدة أمتار ويقوم راكبو الموتوسيكلات «وهم حفنة من شباب فاشل بالطبع» بعمل حركات بهلوانية ويميل سائقو السيارات يميناً ويساراً وسط ضجيج أصوات الكاسيت الصادرة من المشاركين فى الزفة ويتحول الشارع إلى سيرك يملؤه المهرجون، ولن تجد منفذا لتهرب منه هنا أو هناك، وستقف بالإكراه لتشاهد المهزلة وأنت تموت كمداً ويدك على الكلاكس، وإن سمعوه فلن يستجيب لك أحد وستسير خلف موكب العرس رغماً عنك، لا يعنيهم ظروفك ومن تكون ولا أين تذهب، لسان حالهم يقول لك «يعنى وراك الديوان»، ولا أعرف أين ذهبت تعليمات السيد حبيب العادلى فى هذا الشأن، فكم كنت سعيداً عندما أصدر توجيهاته بمنع مواكب العرس وزفات السيارات فى الشوارع لما تسببه من إعاقة للمرور وتعطيل لمصالح الناس، لماذا تهاون رجال الأمن فى تنفيذها؟ لماذا تشهد الشوارع هذه الأيام انفلاتا غير مبرر؟ لماذا الصمت على بلطجة جمعيات نقل الركاب؟ لقد دق حادث مقتل توفيق عبدالرحمن وكيل وزارة الإعلام الأسبق تحت عجلات سيارة ميكروباص عمداً فى شارع أحمد عرابى بالمهندسين ناقوس الخطر، وتهاون الأمن فى المتابعة فصدمت عربة تابعة لجمعية نقل ركاب ضابطاً كان يطارد أخرى منذ أيام فى شارع جامعة الدول العربية ليمنعه عن اللحاق بزميله، ولم يتحرك أحد، وأرى تهاونا يصل لحد التواطؤ، ترى ماذا ينتظر الأمن؟ وهل عدل وزير الداخلية عن قراره؟ أم أنه نسى متابعته فى إطار الاهتمام بالأمن السياسى؟