سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكاية أم الأبطال سالمة شميط: سيناوية رحلت عن الدنيا بعد رحلة تضحيات للوطن..علمت نجليها مقاومة المحتل الإسرائيلى بالألغام..نفذت عمليات فدائية..وفقدت ابنها خلال تفجيره دورية إسرائيلية بالعريش
"لا تبكى يا ولد وخليك راجل مازالت أرضنا محتلة" عبارة أصابت ضباط الموساد الإسرائيلى بالصدمة، قالتها البدوية "سالمة شميط" لولدها البطل الفدائى "موسى الرويشد"، ودمه ينزف منه بعدما ألقت قوات جيش الدفاع الإسرائيلى القبض عليه أثناء تنفيذه عملية ضد الاحتلال الإسرائيلى فى الرابع من يوليو عام 1977، وفى مكتب التحقيقات لم يجد الضباط المحققون معه وسيلة لسحب اعترافاته إلا بإحضار والدته إليه عسى أن يراها وينهار وهى تطلب منه ذلك، ولكن العبارة كانت صامدة وبمثابة رسالة لابنها أن يكمل مشواره الذى علمته إياه هو وشقيقه الذى تحول جسده إلى أشلاء فى إحدى العمليات. أم الأبطال سالمة شميط سالمة شميط، بطلة سيناوية رحلت عن عالمنا قبل ساعات، فى وقت تعج فيه سيناء بعواصف الأحداث، رحلت بعد أن تركت سيرة وطنية هى نموذج فى التضحية يعكس عمق ووطنية سيدات سيناء، التى كانت من بينهن، دورها بدأ مع بداية احتلال سيناء لشبه جزيرة سيناء، عندما كانت تقدم الطعام للجنود المصابين، ثم تؤازر ولديها "محمد"، و"موسى" وصديقهما "سلام أبوعرادة" والذين كونوا خليه مقاومة تعمل ضد الاحتلال وهى من خلفهم. هنا عاشت أم الأبطال فى قرية " الخروبة "على بعد نحو 14 كم من العريش شرقا وعلى تبة رمليه تحيطها مزارع الزيتون ويحاذيها من الشمال الطريق الدولى العريش الشيخ زويد، عاشت السيدة "أم موسى" بقية سنوات عمرها، الذى رحلت وقد شارف على التسعين، عاشت بعشتها البسيطة، وبجوار منزل ولدها "موسى" وأحفادها، وفى هذا المكان نصبت خيمة العزاء، حيث يتوافد المعزون. سيرة مناضلة وسط الصحراء ويروى البطل السيناوى المعروف "موسى رويشد" نجل البطلة، والذى اقترب من ال60 عاما سيرتها بوصفها أنها "أم الأبطال" فهى من علمته وشقيقه أبجديات البطولة، عندما أصبحوا وهم فى مقتبل عمرهم وقد احتلت بلادهم وتحولت منطقتهم لمعسكرات للجيش الصهيونى. مع نجلها المناضل موشى الرويشد أضاف: "رحل والدنا عن الحياة تاركا عبئ المسئولية للوالدة وكنا شقيقين ذكور وأختنا الصغيرة"، وبدأت ملامح تشكيل الوطنية مع احتلال إسرائيل لسيناء فى يونيو 1967، حيث تم تدمير أحد المعسكرات بالمنطقة بعد مقاومة باسلة وقامت الأسرة بإيواء أحد الجنود الناجين من المذبحة كان الوالد يقوم برعايته والوالدة تجهز له متطلباته من الطعام بتقديم الخدمة لأحد الجنود الناجين. أم الأبطال فى أحد اللقاءات التلفزيونية وفجأه رحل الوالد عن الحياة وهى فاجعة كانت لها، فقد توفى متأثرا بتفجير للعدو فى المنطقة حول جسده إلى أشلاء نتيجة تطاير الشظايا وهى بقلب الصابرة لملمتها ليواريها الرجال التراب. وتابع أصرت الوالدة إلا ينتهى دورها عند هذا الحد، فقد تمكنت الأسرة من نقل الجندى المصاب بواسطة رجال المقاومة إلى بورسعيد ومنها للعبور وراء القناة ليصل سالما غانما إلى ذويه. ويواصل الرويشد نجل أم الأبطال حديثه، مشيرا إلى أنهم كانوا فى هذا الوقت قد اقتربت أعمارهم من العشرين، وقرروا فيما بينهم تشكيل خلية فدائية مكونة منه وشقيقه وصديقهما "سلام أبوعرادة". وكان عملهم بدون تكليف وتوجيه فقط من وازع الوطنية، ووالدتهم تشد من أزرهم وبدأت الخطوات بالقيام بزرع مخلفات الألغام على مسار آليات العدو الإسرائيلى بطريقة بدائية، ولكنها حققت أهدافا جيدة ونجحنا فى اصطياد عدد منها. أم الأبطال وخلفها حفيدها استشهاد نجلها الأكبر وفى إحدى العمليات انفجر أحد الألغام فى شقيقى " محمد " ومزق جسده أشلاء، واهتزت قلوبنا لهول مشهد استشهاده، لكن الوالدة احتسبته عند الله وكانت تقوى معنوياتنا خشية أن تنهار أو نتراجع عن أعمالنا. وتطور أداء العمليات وأصبحت الوالدة تشاركنا الدور، فهى كأى سيدة بدوية لم يكن لها مهنة غير رعى الأغنام، ومعروف أن راعية الغنم وهى تسير خلف قطيعها تحمل "مخلاة" بسيطة بها طعامها( المخلاة قطعة قماش تحاك على شكل حقيبة محمولة)، ولكن الوالدة كانت تحمل فى هذه "المخلاة" ألغام أحيانا تربطها بحزام بظهرها وأحيانها تحملها فوق رأسها، وتضعها لنا فى الموقع المحدد سلفا لنقوم نحن بزراعتها. مشاركة فى عمليات نقل الألغام وقامت فى هذا السياق بمشاركتنا أكثر من عملية، خلالها حملت الألغام وهى تسير على قدميها لمسافات وصلت ما بين 10 إلى 17 كم، وتم بهذه الطريقة تفجير أكثر من موقع بينها محطة أتوبيس بمنطقة الريسة وعلى الطرق المختلفة بالعريش. كما حملت لنا الألغام فى "خرج" حمارتها تحت الحشائش الخضراء مكنتنا فى عام 1976 من تدمير أتوبيس يقل 15 جنديا إسرائيليا، وزراعة لغم آخر فجر ناقلة للذخائر ودمرت. ويشير الرويشد أن كل الأعمال كانت تتم بتلقائية وحب شديد لهذا الدور الذى نقوم به، وكانت الوالدة تصر على أن يكون لها دور وفق ماهو متيسر لها وكانت شديدة الحذر لا تخبر أحدا بما تقوم بها وتفضل أن تعيش حياتها فى غموض وسرية تامة. وكانت تعلم ما نقوم به من بعض العمليات وأخرى لا تعلمها فهى فى مناطق بعيدة منها مناطق وسط سيناء وبئر العبد، وعملية أخرى وهى الاستيلاء على خرائط من جامعة إسرائيلية تخص أمور عسكرية بسيناء، وتم نقل هذه الخرائط للقاهرة، وكان عملنا الذى نتستر به فى ذاك الوقت هو قيادة سيارة نصف نقل وننقل العمال الراغبين فى العمل فى المزارع من سيناء إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وقيادة السيارة تتيح لنا التنقل فى أماكن عدة بسيناء. أسر ابنها الوحيد وكانت اللحظة الفارقة عندما كنا نقوم بتنفيذ عملية تفجير آليات إسرائيلية بمحطة للبنزين قرب مستشفى العريش فى ذاك الوقت، حيث شاء الحظ أن نهم وصديقى "أبوعرادة" بزراعة العبوات الناسفة قرب المحطة دون أن ننتبه أن جندى إسرائيلى على برج قريب كان يراقبنا وقام بإطلاق النار على اللغم الذى بين أيدينا واستشهد زميلى على الفور وفقدت الوعى وذلك فى الرابع من يوليو عام 1977، ونقلت إلى مستشفى العريش ومنها تم تحويلى لسجن الرملة بفلسطين، حيث بدأت مراحل التعذيب فى جسدى الذى كان محملا بكميات من الشظايا والجروح وكان المطلوب أن اعترف بما قمت به ولكنى لم اعترف رغم التعذيب. وكانت الحيلة لعدد من ضباط الموساد الإسرائيلى أن يأت ولى بوالدتى لتزورنى كى انهار واعترف أو هكذا طلبوا منها وهى وافقت وبالفعل وصلت لى وعندما رأيتها دمعت عينى فلم أكن أريد أن تشاهدنى بهذا الوضع، ولكنها أبدا لم تتأثر وقالت "خليك راجل ولقد احتسبتك عند الله فى الجنة" فى إشارة إلى أن الموت أهون على من الاعتراف ومضت قائلة "وردا على دموعى التى انسابت قالت "لا تبكى يا ولد وخليك راجل مازالت أرضنا محتلة" فى إشارة ضمنية أن الرجال تصمد وأن هذا معلمتنا إياه لذلك مارأتنى فيه لم يكن فاجعة لها أو يلين من عزيمتها. وهو ما أغضب ضباط إسرائيل الذين كانوا يراقبوننا من على بعد وحضر وركلها وأمر الجنود إخراجها من المكان ليواصل تعذيبى الذى وصل إلى اقتلاع إحدى عينى، واستمر التعذيب أربعة أشهر وقدمت للمحاكمة التى قضت بسجنى 25 عاما، وفى يونيو عام 1980 خرجت من السجون الإسرائيلية فى عملية تبادل أسرى. وخلال فترة سجنى كانت والدتى ترعى أسرتى المكونة من زوجتى وطفل صغير، والعائل لها أو مورد سوى أغنامها. وعند خروجى من السجن كنت مثقلا بأمراض عدة من بينها شبه فقدان للنظر فى عينى الأخرى المتبقية لى، ومع ذلك وكانت والدتى تساعدنى استصلحنا أرضنا التى كانت حقل ألغام وطهرناها وحولناها لمزرعة زيتون ومع الوقت قمنا ببناء بيت بسيط بدلا من ألعشه الحطب التى كنا نسكنها. ويعرب "محمد" وهو الحفيد الأكبر لأم الأبطال عن أمله أن يتم تكريم اسم "جدته" بإطلاق اسمها على مدرسة وعلى أحد الشوارع، وأن تخلد ذكراها بتسجيل موثق لتاريخها يؤرخ لنضال ألسيده البدوية البسيطة. وقال "عبدالقادر مبارك" رئيس اتحاد الصحفيين والمراسلين والباحث فى الشأن السيناوى، إن السيدة سالمة شميط الملقبة بأم موسى وهى من قبيلة السواركة تعرفها كل سيناء وتعرف دورها فهى فقدت زوجها ونجلها الأكبر بعد أن استشهد قتلا وتحولت أجسادهم إلى أشلاء، وكاد أن يكون مصير ابنها الوحيد المتبقى كذلك ومع ذلك لم تلين عزيمتها. حتى إن عبارتها الشهيرة لهذا الابن وهو تحت وطأة التعذيب فى سجون الاحتلال كانت بمثابة السيف على رقاب المحققين الذين أحضروها لتطلب من ولدها الاعتراف وها مدافعهم لعنادها وقولهم لها "سوف نقتله ولن تشاهدى ابنك بعد اليوم"، بينما وقعت كلماتها على مسامع ولدها بمثابة مضاد لجراحه التى تنزف وبالفعل كان صامتا صامدا كما علمته دوما.