ورحلت الملاك البرىء أميرة القلوب رمز البراءة والصدق والنقاء والضمير فى السينما المصرية، إنها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، لم تكن تمتلك الجمال الساحر أو الأنوثة الطاغية كما هى مواصفات ومقاييس النجومية فى السينما، وكما هو معتاد دائماً، لكنها تميزت بوجه ملائكى برىء، وملامح صافية، خطفت أنظار وقلوب الناس من أول ظهور لها على الشاشة الذهبية وهى طفلة صغيرة فى فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الكبير محمد عبد الوهاب فى عام 1940، لتنطلق بعدها كالصاروخ فى الفضاء وتقدم عشرات الأفلام التى تعتبر من كلاسيكيات السينما العربية وتصبح أحد أهم نجمات السينما فى مصر والوطن العربى حتى ذاع سيطها فى العالم كله . عشرات الأفلام مع عشرات النجوم والنجمات فى مصر والوطن العربى ومن مختلف الأجيال، قدمت من خلالهم عشرات الأدوار المختلفة والمتنوعة، بداية من الفتاة البريئة إلى الفتاة المقهورة والمغلوبة على أمرها إلى الفتاة المتمردة، كما قدمت أدوار بنت المدينة وبنت الطبقة الأرستقراطية وبنت الحارة الشعبية وأدوار الفلاحة وبنت الريف، وقدمت أيضاً دور الأم وسيدة الأعمال.. إلخ وكلها أدوار لمعت فيها بشكل كبير جداً وتركت بصمة كبيرة ومازالت خالدة فى ذاكرة المشاهد العربى، فمن منا لايتذكر نوال فى ( نهر الحب ) ومنى فى ( الخيط الرفيع ) وسوسن فى ( سيدة القصر ) وآمنة فى ( دعاء الكروان ) وعزيزة فى ( الحرام) ومنى فى ( إمبراطورية ميم ) ودرية فى ( أريد حلاً ) ونعمة فى ( أفواه وأرانب ) وفاطمة فى ( ليلة القبض على فاطمة) وحكمت فى المسلسل الاجتماعى الشهير ( ضمير أبلة حكمت) وغيرها من الروائع التى جسدت فيها عشرات القصص والروايات لمشاهير الكتابة والأدب فى مصر والعالم، ولعل كان آخر أعمالها الفنية منذ 15عاما عندما قدمت فى رمضان عام 2000 مسلسل وجه القمر لتعود لشاشة التليفزيون بعد غياب طويل وتلتقى بنجوم جيلها من زمن الفن الجميل، حيث شاركها فى هذا العمل الفنان الراحل ( أحمد رمزى) أحد نجوم فترة الخمسينات والستينات وأيضا الفنان جميل راتب بالاشتراك مع نجوم الجيل الجديد ( وائل نور وغادة عادل ونيلى كريم وأحمد الفيشاوى)، لتبتعد بعد هذا العمل مرة أخرى عن الشاشة بعد مشوار فنى إستمر نحو 60 عاما . تميزت فاتن حمامة بالرقى والبساطة، فكانت من الفنانين الذين يحترمون أنفسهم ويحترمون جمهورهم ولا تقدم أى عمل إلا إذا كان فيه رسالة محترمة وقيمة اجتماعية او إنسانية أو فنية راقية، كما كان لها العديد من الجوانب الإنسانية الرائعة التى عبرت عن معدنها الأصيل وفطرتها النقية وشخصيتها البسيطة والمتواضعة، كما أنها أيضا كانت من الشخصيات الوطنية التى كانت دائماً تقف بجانب وطنها فى أشد المحن والأزمات، وتفتخر دائماً بمصريتها وعروبتها، ولا ننسى فى أيامها الأخيرة موقفها من ثورة 30 يونية والتى أيدتها بكل قوة وكانت من أوائل المؤيدين للمشير عبدالفتاح السيسى وكانت دائماً تثنى عليه وعلى موقفه فى 30 يونية وترى فيه أنه قائد وطنى ورئيس يليق بمصر، ولعل مشهد مقابلتها معه خلال لقائه بالفنانين أثناء حملته الانتخابية كان من المشاهد الرائعة التى سيسجلها التاريخ، حينما نهضت الفنانة الكبيرة للذهاب إلى المنصة لمصافحة المشير بعد أن سأل عليها، فقام هو بالنزول والذهاب إلى المكان الذى تجلس فيه بالقاعة ليصافحها فى لمحة إنسانية راقية منه، وتقديرا لقيمة وقامة فنية رائعة مثلها. إن الحديث عن فاتن حمامة يحتاج الكثير والكثير من الوقت ويتطلب العشرات من المقالات حتى نوفيها قدرها، ونعبر فيه عن أشد ألمنا وعميق حزننا على رحيل هذه الفنانة العظيمة ولكن دائماً ما نقول إن عزاءنا الوحيد أن الفنان يرحل بجسده ولكن تبقى أعماله خالدة وباقية، فرحم الله الفنانة الجميلة والقديرة فاتن حمامة.