استمراراً لمسلسل تضارب تصريحات العلماء حول تأثير التغيرات المناخية، وعدم وجود رؤية موحدة للخبراء فى مصر لتوعية الرأى العام بهذه المشكلة، التى فرضت نفسها على المحادثات فى جميع الأصعدة، تطل علينا من جديد تناقضات التنبؤات التى أطلقها المشاركون فى الندوة التى نظمتها لجنة الجغرافيا بالمجلس الأعلى للثقافة - أول أمس – تحت عنوان "مياه النيل وتحديات المستقبل"، ومع عرض حوالى 10 أبحاث حول مستقبل نهر النيل عصب الحياة فى مصر، انقسمت التحذيرات ما بين الاستعداد للفيضانات المدمرة التى ستواجهها مصر فى السنوات المقبلة بسبب ارتفاع منسوب المياه، وبين وضع البدائل للجفاف الذى سنتعرض له نتيجة انخفاض منسوب النيل، وما بين من يؤكد أن العالم سيشهد احتباساً حرارياً ومن يحذر من التبريد العالمى، ويجلس الحضور فى صمت وكأنهم يتسائلون: نصدق مين؟ تحدثت فى البداية الدكتورة آمال شاور – الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة – عن البحث الذى أجرته عن إيرادات نهر النيل خلال 140 عاماً الأخيرة، وتقول "توصلت الدراسة إلى أنه على مدار تاريخ نهر النيل، يوجد تفاوت بين إيراداته ما بين الارتفاع والانخفاض، والذى يعتمد على كميات الأمطار الساقطة على هضبة إثيوبيا، لكن الملاحظ أن سجلات الإيرادات فى فترة الدراسة تبين أن كل فترة عالية الإيراد يعقبها فترة منخفضة الإيراد وكل منهما يستمر حوالى 20 إلى 25 سنة. وهى ظاهرة تكررت أكثر من فترة آخرها فترة القحط التى مرت به مصر عام 1913 عندما سجل 45 مليار م3 فقط، بينما كان يبلغ عام 1871 أعلى ارتفاع له وصل الى 123 مليار م3، وبتطبيق هذه النتائج على الفترة الحالية سنجد اننا مقبلين على فترة شحيحة ستنخفض إيرادات مياه النيل بشدة، حيث كانت آخر فترة انخفاض فى عام 1987، زادت بعدها حجم المياه القادمة إلى مصر فى التسعينات ووصلت إلى 100 مليار م3، الأرقام تؤكد أن هذه الفترة انتهت عام 2009 التى سجلت بالفعل إيراداً منخفضاً لنبدأ معه سلسلة من الانحدارات فى منسوب المياه". وتضيف "إحنا بنزداد سكانياً ونصيب الفرد يتناقص فى وقت تصل حصتنا من المياه ثابتة وبنستهلك المياه بطريقة خاطئة وما زلنا نحتفظ بالزراعات التى تستهلك كمية كبيرة من المياه، ومع توقعاتى بفترة الجفاف المقبلة المستمرة 22 عاماً سنكون فى موقف حرج جداً يحتم علينا سرعة التحرك من الآن". من ناحيتها أكدت دكتورة شاهيناز مصطفى – أستاذ قسم الفلك والأرصاد الجوية بكلية العلوم جامعة القاهرة – أن الفترة القادمة هى أعوام الفيضانات المدمرة التى ستأخذ كل ما فى طريقها وربنا يستر على "السد العالى"، شرحت شاهيناز نظريتها قائلة "تؤثر قوة النشاط المغناطيسى للشمس على تيارات المحيطات والبحار فى العالم، كالمحيط الهادئ والذى تتحكم تياراته فى كمية الأمطار الساقطة على هضبة إثيوبيا وبالتالى على النيل الأزرق الذى يمد مصر بالمياه التى تصل إلينا. فإذا زادت قوة الدورة تحدث ظاهرة النينو الدافئة التى تسبب جفاف للأمطار، وفى حالة ضعف الدورة تكون التيارات باردة وهى ظاهرة اللانينا والتى تؤدى الى هطول أمطار غزيرة على المنابع مما يؤدى إلى فيضانات عالية ومدمرة، المثال على ذلك عام 1996 الذى شهد ارتفاعاً مفاجئاً فى المياه وصل إلى 1.3 متر فى بحيرة فيكتوريا فى فترة دورة ضعيفة تلتها فترة قحط شديد سجلت انخفاض عميق فى مستوى البحيرة". وتضيف "الشمس حاليا دخلت فى مرحلة الضعف وفعلا بدأت تنخفض درجة حرارة المحيط الهادئ ومتوقع ان تستمر فى الأعوام المقبلة، الأمر الذى ينذر بكارثة سيتعرض لها دول النيل ومنها مصر من فيضانات ستستمر حوالى 7 سنوات". وقالت شاهيناز "أنا بخلص ضميرى أمام الله عشان نتحرك ونتخذ إجراءات لنحمى أرواح الشعب وسلامة السد العالى، ونعرف نستغل المياه الزائدة فى تلك الفترة". أما دكتور محمد محمود عيسى – وكيل وزارة الأرصاد والمناخ بوكالة الأرصاد والتغيرات المناخية – فاستغرب من هذه الزوبعة الإعلامية التى يروجها أفراد بعينهم يتحدثون فى غير اختصاصهم "وهما مش فاهمين حاجة" ليثيروا القلق ويستغلوه لمصلحتهم، رغم أن ما يحدث "شىء طبيعى" و"عادى". وقال "علماء البيئة مسكوا فى غازات الاحتباس الحرارى وروجوا أنها هى السبب فى تغير درجات الحرارة التى يزعمون أنها فى ارتفاع، رغم أن الأرقام تؤكد أن درجة الحرارة فى انخفاض بدأت منذ عام 2008 ارتفعت قليلاً فى 2009 وستعود إلى الانخفاض هذا العام وستستمر حتى 2019 لترتفع بعدها حتى 2080". وأكد دكتور محمد، أن غازات الاحتباس التى يوجهوا إليها أصابع الاتهام هى التى انقذت الأرض من انخفاض درجة الحرارة إلى 18 درجة مئوية تحت الصفر وجعلته 14 فوق الصفر، وأضاف " لازم نؤمن أن فيه دورة كونية ينظمها الله ومهما حصل كمية المياه الموجودة فى الأرض مش هتزيد ولو الجليد الموجود فى كل العالم ذاب لن يرتفع سطح البحر سوى 2 سم فقط، ودرجات الحرارة لن تزيد عن 15.1 درجة مئوية". افتتح الندوة دكتور عماد أبو غازى رئيس المجلس الأعلى للثقافة، مشدداً على أهميتها فى ظل التغيرات المناخية الغامضة، ووضع تصورات لمسيرتنا فى ظل التوقعات العلمية، بينما رأس الجلسة دكتور يوسف عبد المجيد فايد عضو لجنة الجغرافيا.