تغيرت النظرة العامة للعبة كرة القدم فى الآونة الأخيرة .. حيث شهدت اهتماماً كبيراً وبمستويات عالية، بقصد أو من دون قصد، من جانب السياسيين والإعلاميين المصريين على حد سواء، هذا الاهتمام اللافت للانتباه أفصح عن تناقض واضح فى التوجهات المصرية الحالية بالمقارنة مع دول العالم المتمدن، وبيّن حالة الضعف، والقناعة بما هو متاح من العلم، والرضاء بمحدودية الأهداف وفقرها، كشف أننا نسبح ضد التيار وبعكس الاتجاه، ما كان له انعكاساته السلبية على دور الحكومة وتواضع أداءها فى عملية التنمية والبناء0 الغرب قطع شوطاً طويلاً على طريق الازدهار والتقدم، وإحداث طفرة هائلة فى شتى الميادين، نتجت عن ثورة التجديدات المتدفقة، تبعها بحرفية التطبيق والتنفيذ.. أما على الجانب المصرى فلا زلنا نرزح تحت وطأة بيروقراطية قابعة مكانها خلف المكاتب، لا زلنا نعتمد نظم التعليم المتخلفة فى مدارسنا، نعانى انتكاسات اقتصادية متلاحقة ، وتعقيدات اجتماعية متغلغلة فى المجتمع، أدت إلى فشل ذريع فى إدارة ملفات التنمية على مختلف الأصعدة.. فراحت الحكومة المصرية تبحث عن انتصارات سهلة وباهتة لتسويقها للجماهير والشعب، كانجازات تبالغ فى تمجيدها، ترفع من قدرها، وتعلى من شأنها، يقف خلفها إعلام موجه لتقديم هذه الأطروحات الجديدة وتلميعها. بطولات كرة القدم كان لها النصيب الأكبر والحظ الأوفر من هذا التعظيم وذلك التبجيل.. افتقادنا للانتصارات الحقيقية، إحساسنا الدائم بالانهزامية النفسية، الانسحاب من مواجهة المشكلات، وشعورنا باليأس من حدوث الإصلاح والتغيير والتجديد.. تراكمات استقرت فى أعماق الشخصية المصرية، فأصابت عقليتها، وأعطبت فكرها، ووأدت قدراتها الإبداعية، حبست طموحاتها داخل كهوف مظلمة من الجهل واللاوعى، تربت وترعرعت على القبول بالأمر الواقع، والاستسلام، والخضوع، فكان من السهل خداعها أو انخداعها0 تفرح الجماهير المصرية ، تهلل، تخرج بالألوف إلى الشوارع، ابتهاجاً بفوز فى لعبة كرة القدم .. ترفع الأعلام والرايات.. تصدح بالأغانى الوطنية الإذاعات والقنوات.. تطلق الشعارات.. تعطى الألقاب وتمنح النعوت والصفات، منها العسكرية، والدينية ، ومنها ما هو من داخل الغابات، حتى صار اللاعبون النجوم و الأبطال من طراز المحاربين، والمجاهدين، والساجدين، وهم النسور، والصقور، والأسود، يتوج اللاعبون بالهدايا، تغدق عليهم أنواع التكريمات، تقام على شرفهم الحفلات، نسهب فى المدح والإطراء.. حتى صار تمجيدنا للاعبين أكثر من تمجيدنا حراس الحدود، العيون الساهرة لحراستنا من غدر الأعداء، والجنود المقاتلين على الجبهة دفاعاً عن الوطن، أكثر من المعلم مع تلاميذه فى مدرسته، والطبيب مع مريضة فى عيادته، والمهندس بين تصاميمه فى موقعه، أعظم من تكريم العامل المكافح فى مصنعه، والفلاح المزارع فى أرضه، والشرطى القائم على استتباب الأمن فى مخفره.. هكذا الحال تبدلت الأولويات، تقدم إشباع الهوى والرغبات على إشباع العقول والبطون الجائعة.. الرياضة مهمة فى حياتنا جميعاً، نحتاجها لترويض النفس وتهذيب الأخلاق، لكننا ضد المبالغة فى وصفها والتعاطى معها، وأن نخلع عليها صفات الوطنية، وإضفاء معانى الولاء ، واختزال الفرحة وقصرها عليها0 مصر فى أمس الحاجة اليوم لانتصارات واقعية ملموسة فى الصحة، والتعليم، والزراعة، والصناعة..انتصارات فى قوة الردع، والدفاع عن الأوطان ضد الإرهابيين والمستعمرين الجدد.. انتصارات ضد الفساد بكل أشكاله، انتصارات تعيد لنا أمجاد الآباء، تسترجع مكانتنا التاريخية، وتضعنا فى مصاف الدول الرائدة 0