«سيادة السفير».. لقب يحلم به العديد من خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية خاصة، وباقى الكليات عامة، عن طريق الالتحاق بالعمل بوزارة الخارجية. ورغم أن الوزارة تعلن عن الشروط المطلوب تحقيقها للالتحاق بها، لكن تظل الشكوك من جانب البعض حول أن العمل بالخارجية له ضوابط أخرى تختلف مع ما يتم إعلانه، ولا علاقة له بالمعايير، أو الاستعداد العلمى والنفسى للمتقدم لشغل الوظيفة، إنما تكون الحالة الاجتماعية الفيصل فى الاختيار. «أ.ح» طالب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى وقفت ظروفه الاجتماعية عقبة فى تحقيق حلمه بالعمل بالخارجية، يقول: «بعد النجاح فى الثانوية العامة بمجموع كبير أهلنى للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، تحول بيتنا لمقصد دائم على مدى عدة أيام للجيران والأقارب لتهنئتى، وخلالها لم يتوقفوا عن مناداتى ب«سعادة السفير»، وهو ما استمر طيلة دراستى بالكلية». يتابع: «ما زلت أتذكر أول يوم دراسى لى، وإصرار والدى الفلاح البسيط على اصطحابى إلى الكلية، وتأكيده لى أن ذلك سيتكرر عند التحاقى بالعمل بالخارجية، حيث سيقوم بتوصيلى إلى مكتبى بنفسه»، مضيفًا أن الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة أنه من المغتربين، وينتمى إلى أسرة بسيطة، دفعته للعمل بجانب دراسته، حتى يساعد والده فى تحمل الأعباء الاقتصادية، خاصة أن له أشقاء فى مراحل التعليم المختلفة. ويكمل طالب العلوم السياسية قصته: «إحنا ناس غلابة، حاولت أساعد أبويا وأشتغل خلال الدراسة، بس ده ممنعنيش عن التفوق الدراسى، وبعد التخرج حرصت على الالتحاق بالدورات التى تعقدها المراكز الخاصة للتأهيل لاختبارات وزارة الخارجية، إلى جانب التسجيل فى الدراسات العليا بالكلية، حيث أقوم حاليًا بعمل ماجستير بالكلية». «تابع الإعلان فى الصحف».. هى الإجابة التى كان يلاقيها «أ.ح» دائمًا من الموظفين العاملين بالخارجية عند سؤاله عن موعد فتح باب التقديم بالخارجية، مضيفًا: «لم أنقطع عن التردد على وزارة الخارجية للسؤال عن موعد التقديم، وخلال تلك الفترة قرأت إعلانًا فى إحدى الصحف القومية يعلن فتح الباب لاختبارات الخارجية، وعليه تقدمت ونجحت فى اجتياز الاختبارات بسهولة، ولكنى فوجئت برسوبى، وعدم إدراج اسمى بين المقبولين، وعرفت أن التفوق واجتياز الاختبارات ليس العامل الأساسى للنجاح والالتحاق بالعمل فى الخارجية». الحالة السابقة تتشابه إلى حد بعيد مع القصة المأساوية لعبدالحميد شتا، أو كما يطلق عليه «شهيد وزارة الخارجية» الذى وقفت نشأته وسط أسرة بسيطة مكافحة عقبة فى تحقيق حلمه بالالتحاق بالعمل، وكانت عبارة «غير لائق اجتماعيًا» بعد اجتيازه الاختبارات بتفوق سببًا فى دفعه إلى الانتحار، لتكون وفاته بهذه الطريقة صرخة فى وجه النظريات الطبقية البعيدة كل البعد عن التقييم العادل والموضوعى للحالمين بالعمل فى بعض المهن، وعلى رأسها السلك الدبلوماسى. من جانبه قال الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس: «خلال عملى على مدى سنوات طويلة بالتدريس فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، البوابة الرئيسية للالتحاق بالخارجية، تعرضت لكثير من الحالات التى كانت تستحق الالتحاق بالعمل فى وزارة الخارجية، لكن ظروفهم الاجتماعية البسيطة حالت دون تحقيق هذا الهدف». وأشار «زهران» إلى أن إبعاد أبناء الطبقة البسيطة التى تنتمى إلى أسر ريفية أو عاملة عن شغل المراكز المرموقة بدأ فى مصر خلال فترة السبعينيات، مع تطبيق سياسة الانفتاح، والعدول عن الأهداف التى سعت ثورة يوليو لتحقيقها، وبالتحديد مطلب العدالة الاجتماعية، حيث شهدت فترة الخمسينيات تطبيقًا حقيقيًا لمبدأ المساواة، وهو ما نتج عنه التحاق العديد من أبناء الأسر البسيطة بالمناصب التى أصبحت فيما بعد حكرًا على أصحاب الحظوة». ويتابع «زهران»: «يكفى أن نعلم أن ابنة الزعيم عبدالناصر لم تستطع الالتحاق بجامعة القاهرة بسبب مجموعها، ولكن خلال فترة السبعينيات وبالتحديد بعد سنة 1974 شهدت مصر تكريسًا حقيقيًا لمبدأ الطبقية كمبدأ عام وأساسى فى انتقاء المتقدمين لبعض الوظائف المرموقة بالشرطة والخارجية والقضاء». بدوره انتقد الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، ابتعاد أبناء الطبقات الفقيرة عن المناصب القيادية، قائلا: «الأساس فى الحصول على وظائف الخارجية هو المساواة بين الجميع، وعدم التفرقة، والاحتكام إلى المعايير الموضوعية فى الاختيار، لكنّ هناك أسبابًا أخرى قد تدفع لترجيح كفة بعض المتقدمين ممن ينتمون إلى عائلات دبلوماسية على أساس نشأته فى بيئة تتوافق مع ظروف العمل، وهو ما يجعله قادرًا على التعامل مع مقتضيات المنصب، وهذه نظرية خاطئة بلا شك تميل إلى الاستسهال، وعدم الرغبة فى بذل جهد فى إعداد المتقدمين». بدوره يشير الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، إلى أن «الظروف الاجتماعية تقف عائقًا كبيرًا أمام عدد ليس بالقليل من الراغبين فى شغل الوظائف المهمة، لكن وزارة الخارجية إحدى الوزارات التى تعمل بمبدأ الموضوعية والحيادية فى اختيار المتقدمين لشغل عدد من الوظائف التى تعلن عنها، خاصة أن العمل بالخارجية يعتمد على ما يتمتع به الفرد من مهارات».