مجلس الوزراء: عملية تطوير منطقة السيدة عائشة تجعلها منطقة سياحية جاذبة    120% نموا فى واردات مصر من السيارات الصينية خلال الربع الأول من 2025    النائب عصام هلال: كلمة الرئيس السيسي بقمة بغداد حملت رسائل مهمة تؤكد ضرورة توحيد الصفوف    السودان يتهم الإمارات بطرد واحتجاز دبلوماسيين بالمخالفة ل اتفاقيات فيينا    جماهير مان سيتي تتوافد على ملعب ويمبلي قبل نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.. صور    كرة السلة.. الأهلي يهزم الزمالك ويتقدم في سلسلة نصف النهائي    الأرصاد: انكسار الموجة شديدة الحرارة بدءا من الأحد    كشف ملابسات غرق طفل في نهر النيل بالحوامدية    تليفزيون اليوم السابع في جولة ليلية بالمسجد النبوي.. مباشر    سوء الأحوال الجوية في دمياط.. إصابة سيدة جراء سقوط لافتة إعلانية    إلهام شاهين: عادل إمام قدمني ومنحني فرصة عمري.. ولن أنسى فضله    الجناح المصري في سوق مهرجان كان يفوز بجائزة أفضل جناح لعام 2025    خبير علاقات دولية: كلمة الرئيس السيسي تعكس قوة مصر ورؤيتها ما لا يراه الآخرون    زواج سري أم حب عابر؟.. جدل قديم يتجدد حول علاقة عبد الحليم حافظ وسعاد حسني    محمد رمضان يكشف عن صورة من كواليس فيلم أسد وعرضه بالسينمات قريبا    تشييع جثمان ابن شقيقة الفنان عبد الوهاب خليل بمقابر بيلا بكفر الشيخ    رئيس جامعة الأزهر يفسر آية «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»    داعية: وجوب تقسيم الميراث على وجه السرعة لهذا السبب    8 نصائح لا غنى عنها لمواجهة موجة الحر الشديدة الآن    هيئة الخدمات البيطرية تكشف حقيقة نفوق الطيور في مزارع الدواجن    إصابة 48 طالبة.. رئيس جامعة طنطا يطمئن على الحالة الصحية لطالبات «تربية رياضية»    ضحية الانتقام بكرداسة    القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يشهد مناقشة البحث الرئيسى لهيئة البحوث العسكرية    "قومي المرأة" يختتم مشروع "معالجة الدوافع الاقتصادية للهجرة غير الشرعية"    «ميعرفش يعمل اللي بعمله».. ماذا قال كريم الشناوي مخرج مسلسل لام شمسية عن محمد سامي؟ (فيديو)    كواليس جلسة الرمادي مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بتروجيت    احتفالاً باليوم العالمي للمتاحف.. المنيا تحتضن الملتقى العلمي الخامس لتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي (صور)    مستشار رئيس الوزراء العراقي: قمة بغداد تؤكد أهمية التضامن العربي في مواجهة الأزمات الإقليمية    3 أمناء مساعدين بالجبهة الوطنية.. زكى والصريطي للفنون وضيف الله للتنظيم    موعد فتح حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2025    الزمالك يتحرك لحل أزمة مستحقات ميشالاك قبل عقوبة "فيفا"    فابريجاس: تحدثت مع أندية أخرى.. وهذا قراري بشأن مستقبلي    رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا الشهري "أون لاين"    قائد تشيلسي: مصير المشاركة في دوري أبطال أوروبا بأيدينا    الضفة.. الاحتلال الإسرائيلي يصيب مسنا فلسطينيا قرب مخيم جنين    "وقاية النباتات" ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز الممارسات الذكية في مكافحة الآفات    مصرع طفل غرقا فى نهر النيل بمنطقة الحوامدية    آخر تحديث للحصيلة.. إصابة 46 طالبة بإغماء في جامعة طنطا بسبب ارتفاع الحرارة -فيديو    هل يجوز توزيع العقيقة لحومًا بدلًا من إخراجها طعامًا؟.. أمين الفتوى يجيب    انطلاق الدورة 41 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في سبتمبر المقبل    صور| أكاديمية الشرطة تنظم ندوة "الترابط الأسري وتأثيره على الأمن المجتمعي"    بالأسماء، ارتفاع عدد المصابات بإغماء وإجهاد حراري بتربية رياضية طنطا ل 46    جامعة الفيوم تطلق الحدث الريادي الأول "ستار أب" لدعم رواد الأعمال والشباب الخريجين    نقيب الصحفيين يطلق حملة لتعديل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    هل يجوز سفر المرأة للحج دون مَحْرَم.. الأزهر للفتوى يجيب    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    أمين «التعاون الإسلامي» يؤكد ضرورة بذل كل الجهود لاسترداد الفلسطينيين لحقوقهم    مخرجش من المنهج.. ردود أفعال طلاب الشهادة الإعدادية الأزهرية بسوهاج بعد امتحان مادتي اللغة العربية والهندسة "فيديو"    وكيل الزراعة بالبحيرة يوجه بسرعة توزيع الأسمدة وإزالة التعديات على الأراضي الزراعية في حوش عيسى    أوكرانيا تعلن إسقاط 36 طائرة روسية مسيرة    رئيس الوزراء يتفقد أعمال التطوير في منطقة السيدة عائشة وطريق صلاح سالم    كلاكيت تالت مرة.. مصطفى محمد يرفض المثلية وينتظر العقوبة    قصر العيني يحتفل ب 80 عامًا على تأسيس قسم المسالك ويطلق برنامجًا لأطباء الامتياز    أسعار البيض اليوم السبت 17 مايو    موجة شديدة تضرب البلاد اليوم| وتوقعات بتخطي درجات الحرارة حاجز ال 40 مئوية    اللقب مصري.. نور الشربيني تتأهل لمواجهة هانيا الحمامي في نهائي بطولة العالم للاسكواش    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    «لو روحتوا أمريكا هينصفوا الأهلي».. عمرو أديب يوجه رسالة لمجلس الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من شباك الزنزانة رقم 5
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 12 - 2014

كان شباك الزنزانة الصغير ذو القضبان السوداء الخشنة هو منفذى الوحيد إلى العالم الخارجى، من الشباك أسمع وقع الأقدام الثقيلة لعساكر السجن، وعبر الشباك يأتينى الأمل مع كل سجين جديد يدخل السجن من طلبة الجامعة الذين كان نظام السادات يعاقبهم بالبطش والسجن كلما خرجوا فى تظاهرات تطالب بالديمقراطية وتحرير أرض سيناء المغتصبة فى يونيو 1967.
فى الزنزانة 5 قضيت ليلة رأس سنة 1973.. ليلة موحشة وقاسية على فتى لم يتجاوز الواحد والعشرين عامًا، وكانت الاتهامات المعلبة فى هذا الزمان هى يسارى متطرف محرض على قلب نظام الحكم ومثير للبلبلة يهدد الأمن القومى للبلاد، كلام ضخم واتهامات كانت تغيب أى أحد فى السجن لسنوات، ولم يكن عقلى يستوعب فى هذه السن خطورة الاتهام بتهديد الأمن القومى، كل ما كنت أعرفه وأطالب به مع آلاف الطلبة فى الجامعة هو تحرير أرض سيناء التى احتلتها إسرائيل وأن يسمح النظام للشعب بحرية التعبير والتنظيم وأن يتوقف عن اعتقال السياسيين وأصحاب الرأى.
لم أكن أعرف عندما أخذت فجرًا من شقة الطلبة التى أقطن فيها فى حى بين السرايات قبالة جامعة القاهرة، أنى سوف آتى إلى هذا المكان المظلم الموحش، ولم أكن أعرف أنى فى سجن القلعة الرهيب إلا فى صباح اليوم التالى عندما شعرت أن هناك سكانًا غيرى فى المكان.. وسمعت من ينادى.. يا شبه.. أيوه.. مين.. بهاء؟.. سمير.. زين.. المخزنجى.. الكردى و.. تعالت الصيحات والهتافات.. أصوات طلبة من كل الجامعات وجوه عاشقة لمصر، كلها هنا فى سجن القلعة تهتف.. تحيا مصر!
وفى سجن القلعة ومع بشائر أول صباح أيام عام 1974 كتب الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد (طالب الفلسفة فى كلية الإعدادى آنذاك) قصيدته الشهيرة .."واتجمعوا العشاق فى سجن القلعة.. اتجمعوا العشاق فى باب الخلق.. والشمس غنوة من الزنزانة طالعة.. ومصر غنوة مفرعة فى الحلق".
وهى الأغنية التى لحنها الشيخ إمام عيسى فيما بعد وكانت إلهامًا لكل انتفاضات الشباب حتى ثورة يناير 2011 .
وفى منتصف نهار ذلك اليوم.. هز فضاء القلعة صوت زميلنا سمير غطاس (الطالب بكلية طب الأسنان) من زنزانة مجاورة وهو يهتف.. نجم وصل يا شباب.. أهلا يا أبو النجوم.. واختلطت أصوات سكان كل الزنازين مهللة ومرحبة بشاعر الحركة الطلابية المصرية فى السبعينيات أحمد فؤاد نجم.
وبالنسبة لى أنا سجين الزنزانة رقم 5 كان حضور نجم إلى السجن حدثًا رائعًا ومثيرًا.. والأهم أنه أدخل الطمأنينة إلى قلبى الصغير وشعرت حينها بأن أهلى معى الآن.. مصر كلها هنا فى سجن القلعة!
ثم أخذ نجم ينادى علينا بالاسم واحدًا واحدًا.. مين اللى فى زنزانة واحد؟.. مين اللى فى اتنين.. مين اللى فى تلاتة.. مين اللى فى أربعة.. ومين اللى في خمسة؟ .. هتفت بأعلى صوت: أنا يا نجم.. أنا الشبه.. فقال: أنت هنا يا أبو الشباب.. طيب خد بالك بقى من بلاط السجن.. احسن برد القلعة وحش !
كنت أصغر الموجودين فى القلعة وكان أحمد فؤاد نجم يعاملنى كابنه.. شاعر صغير.. تلميذ قادم من المنصورة بلد الشعراء وأم كلثوم، وكان بيته فى حارة حوش قدم بالغورية أول مكان أذهب إليه منذ قدومى لدراسة الصحافة بجامعة القاهرة.. كنا ننهى محاضراتنا ونتوجه إلى حوش قدم نجتمع كلنا حول نجم يلقى أشعاره والشيخ إمام يغنى بصوته الأزهرى على عود قديم .
"مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانتى شابة هوه رايح وانتى جاية".. وكلما كان الشيخ يقول "وانتى شابة" يقولها وراءه بصوت عالٍ ويشير لى وهو يضحك .
وكنت فى ذلك الوقت معروفًا بين طلاب الجامعة بأنى من حفظة أشعار أحمد فؤاد نجم ألقيها فى الندوات والمؤتمرات، وكان من أشهر قصائده ذائعة الصيت فى ذلك الوقت قصيدته عن "تشى جيفارا" التى نعى فيها المناضل العظيم التى قتلته المخابرات الأمريكية فى أحراش بوليفيا وسخر فيها فى نفس الوقت من مناضلى الميكروفونات فى مصر .
"جيفارا مات.. ما رأيكم دام عزكم يا أنتيكات.. يا غرقانين فى المأكولات والملبوسات.. يا دفيانين ومولعين الدفايات.. جيفارا مات يا بتوع نضال آخر زمن فى العوامات.. لا طنطنة ولا شنشنة ولا إعلانات "!
كان أحمد فؤاد نجم أشهر سجين سياسى فى مصر، ملهم الثورة الشاب وشاعر الفقراء هو نزيل الزنزانة رقم 6 الملاصقة لزنزانتى فى القلعة، وفى هذه الزنزانة كتب نجم قصيدته الشهيرة عنا نحن طلبة السبعينات.
"صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر.. صباح العندليب يشدى بألحان السبوع يا مصر.. صباح الداية واللفة ورش الملح فى الزفة.. صباح يطلع بأعلامنا من القلعة لباب النصر".
ومنذ ذلك اليوم لم يتوقف أحمد فؤاد نجم عن الحلم بالثورة وعن التحريض بالقصيدة وعن مقاومة الظلم والدفاع عن الفقراء.. دخل السجن 18 مرة، وعبرت أشعاره حدود الوطن وكان لسانه الطويل وسخريته القاسية سوطًا يلهب أنظمة القمع والاستبداد فى مصر والمنطقة العربية.. وعاش نجم ابن حارة حوش قدم حياته بالطول وبالعرض، كان أقوى من جلاديه والحكام الذين هاجمهم وسخر منهم نجم، ماتوا إما مهزومون أو مغتالون أو زجت بهم شعوبهم فى السجون! .. وعاش أحمد فؤاد نجم حرًا طليقًا، ولم يمت إلا بعد أن شاهد المصريين وهم يشعلون ثورتين فى 3 أعوام والملايين تهتف بإشعاره فى ميادين مصر.. "الجدع جدع.. والجبان جبان.. بينا يا جدع ننزل الميدان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.