ما يحدث فى مصر الآن من تكرار لحوادث الطرق، يُثير العديد من التساؤلات عن الأسباب والظروف والملابسات التى أودت بحياة كل هذه الأرواح، سواء من مواطنين أو من طلبة مدارس ما زالوا فى عمر الزهور، ومن المفترض أن مستقبلا مُشرقا ينتظرهم لكى يصبحوا نواةً فى تنمية هذا الوطن. كلها أمنيات باتت أحلامًا من المستحيل تحقيقها، لأن أبطالها ماتوا وأصبحوا مجرد ذكرى واسم فى شهادة وفيات تم تسليمها لذويهم، ويتحدث الكثيرون الآن عن الإهمال الذى يضرب جنبات الوطن ويؤدى لكل هذه الحوادث المفجعة، وهو العامل الأول والرئيسى بالطبع مع عوامل أخرى كلها تجمعت لتفعيل هذه الكارثة. لكن لننظر للموضوع من وجهة نظر أخرى وهو ما فكرت فيه مليًا وبشىء من التعقل، لا يحكمه أى انفعال، ماذا لو ربطنا هذا الإهمال بعدم وجود الدافع الأساسى لفكرة "أن تحب ما تعمل"، بمعنى هل كل منّا يعمل فى الوظيفة التى يُحبها؟ أم أن الظروف قد فرضتها عليه سواء أن كان ذلك بالواسطة، أو بإغراء المقابل المادى الكبير، أو حتى ب قلته لكنه هو المتاح حاليًا – فنظرًا لضيق ذات اليد "نشتغل لحد ما ربنا يفرجها" – كلها أمور تصب فى نفس البوتقة "بوتقة انعدام فكرة أن تُحب ما تعمل"، والمحصلة النهائية إعطاء قدرة تشغيلية أدنى من المستوى المطلوب، دون كفاءة فى مهنة تتطلب مقومات مُعينة لأدائها. إذن ما الحل؟ الحل أن تحب ما تعمل لكى تعمل ما تحب، حكمة تتناقلها الألسن مرارًا وتكرارًا، ويتداولها رواد الإنترنت على صفحات العالم الافتراضى دون فهم أو استيعاب لمعناها الحقيقى، الذى لو وقفنا قليلاً عنده لتغيرت حياتنا شكلاً وموضوعًا، ولكنّا استطعنا أن نلغى كلمة "إهمال" من قاموسنا اللغوى والعملى. ما الفائدة فى أن تجرى وراء المحسوبية أو الواسطة حتى تمتهن وظيفة، لا تَمت لك بأى صلة من طموحك ولا أهدافك أو حتى تخصصك لمجرد أن تحصل على لقب "موظف"، ما الفائدة أن تلهث وراء المال وأنت لا تبذل مقابله أى شىء لمجرد أن فلان أو علّان قريب لك فى منصب كبير، وقام بتوظيفك معه، فمجاملة له قبلت بالوظيفة من أجل الشكل الاجتماعى والمادة، ما الفائدة فى أن تقتل طموحك داخلك لترضى بوظيفة أقل من إمكانياتك العلمية لأنها المتاحة حاليا "على ما تُفرج"، مفهومنا عن العمل خطأ كبير، بل ويقع تحت بند الإثم، فمجرد عدم إتقانك لما تعمله يكون مخالفًا للشرع. المطلوب منك أن لا تُقلل أبدًا من جدية المهنة التى تعمل بها، فمن الممكن على بساطتها هذه ينعقد عليها أمل إنقاذ أرواح عديدة، ستصبح أنت مسئولاً عنها لو لم تُتقن تنفيذها، لو لم تُحبها، وتكون مقتنعًا بأنك على رغم بساطة العمل وقلة المقابل المادى الذى تحصل عليه منه، إلا أنك تؤدى عملاً عظيمًا لا يمكن الاستغناء عنه لأنه يدخل ضمن منظومة متكاملة، وبصلاحه يصلح كل شئ فى هذه المنظومة، فما بُنى على باطل فهو باطل، نعم حب ما تعمل، لكى تعمل ما تحب.