أكوام من الأوراق تتراكم على سطح المكتب أنظر إليها بازدراء وكأنى لا أعرف ما تحويه من أسرار أشعر بانفصالى عنها رغم أننى غارق فى تفاصيلها ذائب فى سطورها مندمج فى أحداثها خبطات متلاحقة تدق رأسى قبل أن تدق باب مكتبى وبصوت يتدفق من أعماقى متكاسلا أقول: ادخل يدك الأرض بقدميه الكبيرتين وحذائه الممزق من كثرة المشى ويهتز كرشه أمامه اهتزازات زلزالية حتى أننى فى كل مرة يدخل فيها على الصول فتحى أشعر أن جدارن مكتبى وبلاط حجرتى يصرخ مستجيرا، لكن ابتسامته التى لا تفارق شفتيه رغم هموم العمل تشق فى قلبى طريقا لطراوة نسمات الهواء التى تخرجها عباراته البسيطة الطيبة فاعتدل فى جلستى: خير ورينا اللى عندك يقترب فتحى منى وقد جحظت عيناه ويهمس فى أذنى عندنا يا أفندم خمس حالات قتل واتنين انتحار وتلاتة اغتصاب أبتسم بمرارة وأنظر فى الأوراق التى يحملها الصول فتحى وأبادله نظرة الحيرة من جانبى لتواجه نظراته المتسائله يا ترى هنبدأ بمين النهاردة؟ لحظات شرود منى واجهتها أنفاس مكتومة منه انتظارا لإشارة البدء. قمت متعجلاً وكأننى قد اتخذت قرارى منذ زمن: خلينا نبدأ بالانتحار الصول فتحى: دول حالتين يا باشا واحد رمى نفسى قدام مترو الأنفاق فى عيد الحب والتانية انتحرت علشان خناقة زوجية ومصروف البيت لم أعرف هل أضحك على القدر الذى جمع مابين الرومانسية فى الشاب الذى قرر أن يفقد حياته من أجل خاطر حبيبته التى تركته وقتها تذكرت أن اليوم عيد الحب نسيت أقدم هدية لحبيبتى أو زوجتى وتذكرت أننى لم أتزوج بعد وليس عندى حبيبة أم على الإغراق فى مشاكلنا اليومية فى الزوجة التى لم تحتمل ضيق العيش وقررت الانتحار انتقلت مابين الواقعتين غرقت فى تفاصيل الاستجواب والمعاينة لموقع الحدث. وأخيراً أنا مع تلك الأوراق المبعثرة مرة أخرى افتح الملف الاسم: على محمود السن 28 سنة الحالة الاجتماعية: لسه عريس جديد سبب الوفاة: انتحار تفاصيل كثيرة تداخلت أمام عينى هاجمتنى الحقيقة بقسوة وقلبت على كل ذكرياتى السيئة وإن كانت لا تمت للحادث بشىء.. (على) شاب تخرج فى كليه الحقوق ولأن والده محام فقد عمل معه فور تخرجه من الكلية أحب صفاء قريبته ورفيقة صباه كلل حبهما بالزواج بعد أن أقام الوالدان فرحا يليق بمكانة العائلة فى أحد فنادق العاصمة. انتهى الفرح وانفرد على وصفاء كلاهما فى شوق بلاحدود انتظرت العروس الجميلة لحظة البداية لكنها لم تأت وظنت صفاء أن حالة (على) طارئة فدعته للنوم لأنهما فى إرهاق منذ الصباح لكن (على) لم ينم ليلتها واتصل بأحد أصدقائه لتلقى النصيحة فنصحه بتناول سيجارة حشيش وسيكون فيها الشفا فطاوعه لكنه فشل لليلة الثانية والثالثة شهرين ولم يحدث تقدم ولم يكن أمامه سوى اللجوء للطبيب الذى أطلق المفاجأة (لن تستطيع ان تعاشر زوجتك وحالتك تحتاج لمعجزة) لم يعد(على) للبيت استقل سيارته، تركها عند محطة المترو نزل السلالم وألقى بنفسه أمام القطار أغلقت الملف وأطفأت نور مكتبى واستسلمت للنوم.