بعد سنوات من الدم والثأر أنهت عائلتا السقا والغتامنة بمركز البدرشين خصومتهما وبحور الدم، بعد أن تقدم أحد شباب عائلة منهما بحمل كفنه منهيا بذلك حالة الكراهية بينهما. الكفن يعد البطل فى إنهاء سلسة الانتقام الثأرى بين أى عائليتن، والتى تنتهى بتقديم أسرة القاتل لأهل القتيل لإنهاء الخلافات الثأرية وبحور الدم، من خلال جلسة صلح عرفية يحضرها شيوخ وكبار القبائل فى المنطقة، ويتم بحضور أمنى، وذلك للاستشهاد على عملية الصلح وإنهاء الخصومة الثأرية. 18 كفنا تقدمت بهم 19 عائلة بمعصرة حجاج بملوى، كان كفيل بإنهاء تدفق الدم بين عائلتى الجبابرة وعائلة صابر عبد العال، والتى نتج عنها سقوط 35 قتيلا من كلا الجانبين، رغم أن البداية كانت بقتل شاب طعنا بمطواة أثناء تداخله لفض مشادة كلامية بين سمكرى وطالب بكلية الشريعة والقانون فى عام 2002، لتستمر الخصومة لأكثر من 12 عاما انتهت بتقديم 19 عائلة 18 كفنا لإنهائها. وفى الفيوم نجحت الأجهزة الأمنية والتنفيذية فى إنهاء 12 خصومة ثأرية من إجمالى 14 خلال عام، بينما نقضت عائلة "حويحى" الصلح مع عائلة "زيدان" بقرية الكعابى التابعة لمركز سنورس، وقامت بأخذ ثأرها بعد ثلاثة أشهر من تقديم ثلاثة أكفنة وحصولها على مبلغ دية يصل الى 200 ألف جنيه. وتأتى بمحافظة سوهاج وبمدينة ساقلتة شهدت إنهاء خلاف ثأرى دام أكثر من 35 عاما بين عائلتين، انتهت بتقديم الأكفان، وهناك من يستمر بالدم. ويعد الصراع بين عائلتى "النواصر" و"زناتى" من أقدم صراعات الثأر والأطول فى مركز البدارى، حيث يعود لعام 1947 فى ظل اعتبار العائلتين الثأر ردا للكرامة، ورفضهما لإدراج كلمة "مصالحة" فى قاموسهما حتى الآن رغم وصول عدد الضحايا إلى 27 قتيلا بأسيوط. وعادة تتكون المجالس العرفية من القضاة العرفيين للمجلس أو "الكبار"، وهم من يتسمون بالصدق والأمانة والمكانة الاجتماعية، وأيضا القدرة المادية، ولجنة للفصل فى الواقعة والتى يجب أن تكون عددا فرديا لضمان وجود رأى مرجح إذا تساوت الآراء اللجنة، ويتم اختيارها من قبل طرفى النزاع، حيث يختار كل طرف عدد مساوى للطرف الآخر، كما يختارون مكانا محايدا ينعقد فيه مجلس الصلح العرفى، وعادة ما يكون صاحب مكان انعقاد المجلس هو العضو الفردى فى لجنة الفصل والمكمل لها، بعد ذلك يتم اختيار رئيس للجنة لتنظيم الحوار، ويكون هذا الاختيار على أساس السن والمركز الاجتماعى. يوضع لدى رئيس اللجنة كل ما يتعلق بالواقعة من أوراق، والمستندات المالية التى تؤخذ على الطرفين، وقبل انعقاد هذا المجلس، تقوم اللجنة بخطوة تمهيدية للتقريب بين وجهات نظر الطرفين وفى على التصالح على يد مجلس التحكيم، وفى بعض الحالات التى تتعلق فيها الواقعة بمشاكل كبيرة مثل "الثأر"، فيتم إخطار الجهات الأمنية بذلك قبل انعقاد مجلس الصلح، وفى أحيان كثيرة تقوم الجهات الأمنية ذاتها بالتمهيد للصلح لوقف نزيف النزاع، ومن قضايا القتل والضرب لا يجوز أن يجلس الخصمان معا فى مكان واحد، وإنما يجلس كل منهما فى مكان وينتقل الناس بينهما، فيتم الانتهاء من الدم أولا، ثم المشاكل الأخرى، ولذا فهم يقولون "الدم قبل الهم". مبلغ "الرزقة": هو مبلغ يتم الاتفاق عليه بين طرفى النزاع ودفعه لصاحب المكان المنعقد به المجلس، لأن تكاليف المجلس قد تتعدى آلاف الجنيهات، ويلاحظ أن الطرف الذى يقع عليه الحق فى نهاية المجلس هو من يتحمل مبلغ "الرزقة"، بينما يسترد الطرف الآخر ما قد سبق ودفعه لهذا الغرض. تبدأ الجلسة بتحرير محضر يسمى "شرط المصالحة": ويتضمن المحضر موافقة الطرفين على لجنة التحكيم، وقبول ما يصدر منها من أحكام ويتم التوقيع عليها من طرفى النزاع مع تحرير مستندات مالية على الطرفين لضمان تنفيذ قرارات اللجنة. الشهود: كذلك يتم الاستماع إلى الشهود ويشترط أن يكونوا من ذوى السمعة الحسنة ومشهورين بالصدق، وفى حالة صعوبة وجود شهود فتأخذ اللجنة بمبدأ "البينة على من أدعى واليمين على من أنكر". وتتنقل لجنة التحكيم بعد الانتهاء من سماع أقوال طرفى النزاع إلى مكان آخر للمداولة بعيدا عن الحاضرين، كما يتم استدعاء الشهود للإدلاء بالشهادة مرة أخرى لتجنب التأثير عليهم أو الحرج من أحد، وذلك بعد قسم اليمين كشرط أساسى للشهادة. الحكم بعد انصراف الشهود: تقوم اللجنة بمناقشة أسباب الخلاف والتوصل إلى الحكم المناسب ضد المخطئ، ويدون ذلك فى المحضر أيضا، وتنتقل اللجنة مرة أخرى إلى مكان الاجتماع، حيث تعلن ما توصلت إليه من قرارات، وفى حالة اعتراض أحد طرفى النزاع على قرارات اللجنة، فعليه أن يعلن ذلك فى حينه أمام الحاضرين، وفى هذه الحالة يتم التحفظ على المستندات والأوراق الموجودة مع رئيس اللجنة، كما يتم اختيار لجنة أخرى لمناقشة الواقعة، وهنا تكون اللجنة السابقة طرفا ثالثا لتوضيح الأسباب والدوافع التى أصدرت قراراتها على أساسها، ويكون من حق المخطئ الاعتراض مرة واحدة على الحكم الصادر. والجدير بالذكر أن هناك غرامة مالية قد تصل إلى 100000 جنيه أو أكثر، يتم تقديرها حسب المشكلة، وتوقع على الطرف الذى يتخلف عن المجلس العرفى دون أن يخطر القاضى قبلها بمدة كافية ويقدم أسبابا مقنعة يقبلها القاضى، ويتم تحديد موعد نظر المنازعة إمام أحد القضاة فى خلال "15" يوما، ونظرا لطبيعة البيئة البدوية وقلة عدد السكان، فإن الإعلان عن هذا الميعاد ومكان الجلسة يتم بتناقل الخبر بين الناس، فيكون فى استطاعة الخصوم العلم بموعد ومكان انعقاد الجلسة، ولحضور الخصوم أهمية كبيرة ، ومن ثم فإن القاضى ينتظر من العصر إلى شروق شمس اليوم التالى. فإذا لم يحضر أحد الطرفين، فإنه يدفع "غرامة غيبة"، أو ما يطلق عليه "العنوة"، وهى مبلغ محدد يتفق عليه الخصوم سلفا بوصفه شرطا جزائيا يوقع على من يتغيب عن الجلسة دون إبداء أسباب مقبولة، أو يحضر الجلسة ولا يتكلم بها، ويقال "العنوة لو غبت أو هبت"، وبهذه الجزاءات يكفل القانون العرفى فاعلية جلساته.