توافق هذه الأيام ذكرى وفاة أسطورة الأدب العربى الأديبة والكاتبة الفلسطينية اللبنانية مى زيادة، مى زيادة اسم مستعار لمارى بنت الياس، ولدت فى الناصرة عام 1886، وأتقنت تسع لغات العربية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسيريانية. وهى ابنة وحيدة لأب لبنانى وأم فلسطينية أرثوذكسية انتقلت مع أسرتها للإقامة فى القاهرة عام 1907، ودرست فى كلية الآداب وأتقنت عدة لغات، ولكن معرفتها بالفرنسية كانت عميقة جداً ولها بها شعر، فى القاهرة عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية فى الوقت ذاته عكفت على إتقان اللغة العربية والتعبير بها. كانت تحب اللغة العربية رغم تعلمها العديد من اللغات الأجنبية ولا تتحدث إلا بالعربية فى الصالون الثقافى، تقول مى زيادة عن القرآن الكريم: "هو مصدر جميع العلوم ومصدر الحضارة العربية"، حيث كان الرائد فى تمسكها باللغة العربية وإتقانها. فيما بعد تابعت دراسات فى الأدب العربى والتاريخ الإسلامى والفلسفة فى جامعة القاهرة، نشرت مقالات أدبية ونقدية واجتماعية منذ صباها فلفتت الأنظار إليها. كانت تعقد صالونها الأدبى كل ثلاثاء من كل أسبوع وامتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال التعبير، مجلسها الأدبى نشط الحركة الأدبية فى القاهرة تردد عليها فى العشرين عاماً صفوة من كتاب هذا العصر وشعرائه من أبرزهم أحمد لطفى السيد ومصطفى عبد الرازق وعباس العقاد وطه حسين وشبلى شميل ويعقوب صروف وأنطون الجميل ومصطفى صادق الرافعى وخليل مطران وإسماعيل صبرى وأحمد شوقى، وقع فى غرامها أدباء وكتاب مصريون وغيرهم. أما قلبها فقد ظل مأخوذاً طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده الذى أحبها وأحبته رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة، فجسدا أجمل قصة فى الحب العذرى العفيف فهو الوحيد الذى بادلته حباً بحب، وإن كان حباً روحياً خالصاً وعفيفاً ولم تتزوج على كثرة عشاقها أهمهم عباس العقاد والشاعر أحمد شوقى وغيرهم. من أجمل ما قال فيها جبران خليل جبران: اسمعى يا صغيرتى الحلوة: إذا تخاصمنا فى المستقبل (هذا إذا كان لابد من الخصام) يجب ألا نفترق مثلما كنا نفعل فى الماضى بعد كل معركة، يجب أن نبقى برغم الخصام تحت سقف بيت واحد حتى نمل الخصام فنضحك أو يملنا الخصام فيذهب هازاً رأسه! عانت الكثير بعد وفاة والدها عام 1929 ووالدتها عام 1932، وقضت بعض الوقت فى مستشفى للأمراض النفسية، وذلك بعد وفاة الشاعر جبران خليل جبران عام 1931 فأرسلها أصحابها إلى لبنان، حيث يسكن ذووها فأساءوا إليها وأدخلوها مستشفى الأمراض العقلية مدة تسعة أشهر وحجروا عليها، فاحتجت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيين بعنف على السلوك السيئ لأقاربها فنقلت إلى مستشفى خاص فى بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها ثم عادت إلى مصر. عاشت صقيع الوحدة وبرودة هذا الفراغ الهائل الذى تركه لها من كانوا السند الحقيقى لها فى الدنيا، فحاولت أن تسكب أحزانها على أوراقها وبين كتبها فلم يشفها ذلك من آلام الفقد الرهيب لكل أحبابها دفعة واحدة، ظلت لسنوات طويلة تغرس فى القلوب أجمل الشعر وأرفع النثر وتتهادى بروائعها ومؤلفاتها فى دنيا الأدب. تقول مى زيادة: "أنا امرأة قضيت حياتى بين قلمى وأوراقى وكتبى ودراسات، وقد انصرفت بكل تفكيرى إلى المثل الأعلى وهذه الحياة (الآيدياليزم)، أى المثالية التى حييتها جعلتنى أجهل ما فى هذا البشر من دسائس". توفيت مى زيادة عام 1941 فى مستشفى المعادى بالقاهرة عن عمر 55 عاماً، وقالت هدى شعراوى فى تأبينها: "كانت مى المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة"، رحلت مى الحب بزيادة.